تفرض الدينامية التي يعرفها المسار الديموقراطي في المغرب أن نتساءل عن دور الجامعة المغربية في ترسيخ الديموقراطية وثقافة حقوق الإنسان بما فيها حقوق النساء.
هذا التساؤل مشروع إذا علمنا أن هناك خللا كبيرا داخل الجامعة فيما يخص المساواة بين الجنسين، وهذا ما تثبته إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر والتي تؤكد على أن عدد الأستاذات الجامعيات لا يتعدى في المجموع %12.42، ولا يتعدى في تخصصات مثل العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية %9.58 ولا تتعدى النسبة %3.51 في تخصص العلوم، و3% في الآداب والعلوم الإنسانية.
أما فيما يخص نسبة الأستاذات الجامعيات حسب كل جامعة فإنهن يشكلن حسب إحصائيات الوزارة %13.33 في جامعة محمد الخامس السويسي ولا تتجاوز هذه النسبة %10.65 في جامعة الحسن الثاني عين الشق بالدار البيضاء و %11.39 في جامعة القاضي عياض، ولا تتجاوز% 1.30 في جامعة شعيب الدكالي بالجديدة.
أما فيما يخص نسبة النساء في معاهد البحث العلمي فلا تتجاوز حسب إحصائيات الوزارة %13.68، و نسبة النساء في بعض المؤسسات الجامعية فهي %3.19 في كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية أكدال الرباط و%0.79 في كلية العلوم الرباط و%0.70 في المدرسة المحمدية للمهندسين ولعل تسمية هذه المؤسسة نفسها تترجم هذه النسبة المحصلة.
ضعف نسبة النساء في الجامعة المغربية لا يقتصر عند هذا الحد بل إن تمثيلية النساء على مستوى رئاسات الجامعات غائبة كليا وضعيفة جدا على مستوى عمادة الكليات، كما هو الأمر بالنسبة للهياكل الجامعية مثل مجالس الجامعات ومجالس الكليات ورئاسة الشعب واللجان العلمية ومجموعات البحث. كل هذه الهياكل تبقى حكرا على الرجال مع وجود نسبة ضعيفة جدا من النساء اللواتي تمكن من اختراق هذه الفضاءات. بل حتى هذا النوع من الإحصائيات غير متوفر وهذا في حد ذاته مؤشر على مدى إهمال الوزارة الوصية لمقاربة النوع الاجتماعي بحيث تقتصر الإحصائيات التي توفرها الوزارة على نسبة الخريجات والموظفات الإداريات والأستاذات الجامعيات .
إهمال مسألة النوع الاجتماعي ومبدأ المناصفة الذي يعتبر من المكتسبات القانونية المضمنة في دستور 2011 يظهر جليا على مستوى الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي لسنة 2025 وعلى مستوى مخطط عمل الوزارة خلال الفترة 2013-2016.
وقد قرأت الإستراتيجية بتمعن لعلي أدرك فيها بعضا مما يوحي بدور الجامعة في ترسيخ قيم الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان بما فيها حقوق النساء ، فلم أجدها مكتوبة إلا بصيغة المذكر ولم أفلح في التقاط أي تعبير يدل على اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي التي بدونها لا يمكن تصور تحقيق التنمية حيث لا ديمقراطية بدون مساواة.
وعلى الرغم من ابتلاع كل السطور فإن الإستراتيجية تؤكد غياب الأخذ بمبدأ المناصفة والمساواة بين الجنسين في قطاع من المفروض أنه المؤسس للمساواة في كل القطاعات.
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على تصور الوزارة الوصية للديمقراطية التي تبقى غير منصفة وعادلة في غياب المساواة بين الجنسين والاستمرار في تجاهل مساهمة النساء الباحثات وإضافتهن النوعية في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بدءا بفاطمة الفهرية التي شيدت أم الجامعات وصولا إلى أسماء بوجبار التي تم تعيينها من طرف شركة نازا الدولية في مارس 2014 لتضاف إلى لائحة رواد الفضاء.
كما نشيد بالإضافة النوعية للعديد من النساء ممن تركن بصماتهن في تسيير مؤسسات جامعية مثل رحمة بورقية وغيرها ممن يسيرن الآن مجموعة من المؤسسات. هؤلاء وغيرهن من الرائدات يشكلن أيقونة واحدة للباحثات المغربيات اللواتي تعترف بكفاءتهن أحسن الجامعات الدولية.
فماذا أعدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر للاعتراف بمثل هذه الكفاءات، غير أن تجعل مراكز القرار حكرا على الرجال؟ بل ماذا أعدت الوزارة لاستثمار هذه الطاقات النسائية بشكل أفضل بدل اعتبار المرأة مجرد وسيلة لسد النقص على مستوى الموارد البشرية ولتأثيث الفضاء في بعض الاجتماعات ؟
ماذا أعدت الوزارة لنشر التوعية والتحسين داخل الجامعات بأهمية تبني مقاربة النوع الاجتماعي وما الذي قامت به لفرض مبدأ المناصفة في كافة الهياكل الجامعية والذي يبقى الشرط الوحيد لضمان ديمقراطية منصفة وعادلة؟
ما هي التدابير والإجراءات التي تنوي الوزارة اعتمادها لتشجيع ولوج النساء لسلك الدكتوراه، وأية حماية ومساندة يمكن أن توفرها الوزارة للنساء ضحايا التمييز المبني على النوع والتحرش الجنسي؟
تساؤلات عديدة تطرح نفسها وبإلحاح خشية أن نكرر نفس الخطأ الذي أكده تقرير خمسين سنة والذي خلص إلى أن التنمية لم تتحقق لعدم اعتبار التنمية البشرية. و لقد تركزت جهود كل الفاعلين في المسار التنموي للمغرب منذ صدور هذا التقرير على تعزيز التنمية البشرية وبالتالي فهل سننتظر خمسا وعشرون سنة مدة الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي لنكتشف أن التنمية المنشودة في مجال البحث العلمي لم يتم تحقيقها بسبب إهمال وتهميش نصف الموارد البشرية ؟
ما مدى وعي الوزارة الوصية بأهمية تدارك الأمر وسهرها على تفعيل الفصل 19 من الدستور على مستوى الإصلاحات التي تزعم القيام بها فيما يخص الترسانة القانونية المنظمة للقطاع الذي تسيره؟
سؤال طرح إثر انعقاد لقاء تواصلي بين السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر وهيئة التدريس داخل كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط يوم 28 أبريل 2014.
وهي المبادرة التي تؤكد عمل السيد الوزير بمقاربة تشاركية مع باقي الفاعلين في القطاع.
إلا أن السؤال حول المناصفة قوبل باستهجان من طرف بعض الحاضرين بل إن منهم من حاول إسكات المتدخلة معتبرا أن هذه المسألة ليست من الأولويات ولا يجب إثارتها هنا. و هذا دليل آخر على الحضور القوي للعقلية الذكورية داخل الجامعة.
إن عدم تكرار الخطأ الذي أكده تقرير خمسين سنة يبدو مسألة جد مستبعدة إذا علمنا أن بعض المشرفين على تسيير هذا القطاع من حملة الثقافة الذكورية والسلطة الأبيسية من الصعب عليهم أن يهضموا الدستور الجديد وخاصة الفصل 19 منه.
وهذا يحيلنا إلى طرح سؤال جوهري حول تكلفة عدم إعمال مبدأ المناصفة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، وجعل مهام تسيير الجامعات والهياكل الجامعة حكرا على الرجال لمن شأنه أن يؤثر سلبا على الحكامة الجيدة للجامعة المغربية التي أصبح الفساد يتجلى في مختلف مناحيها.
عدم إدماج المرأة في تسيير الجامعات وبقاء مراكز القرار في هذا القطاع حكرا على الرجال من شأنه أن يكلف المغرب الشيء الكثير إذا ما استحضرنا التحديات الداخلية التي تندرج في إطار تحقيق أهداف الألفية والتحديات الخارجية التي تفرضها العولمة واتفاقيات التبادل الحر التي عقدها المغرب مع قوى اقتصادية وتكنولوجية كبرى. هذه التحديات تفرض على المغرب أن يجند كل موارده البشرية لا أن يهمش ويقصى نصفها.
فكيف يمكن تحقيق مجتمع المعرفة مع عدم إدماج الكفاءات النسائية في تسيير الجامعات ومؤسسات البحث العلمي ،ففي الوقت الذي يحتاج فيه المغرب لأن يضاعف مجهوداته في هذا المجال تؤكد الإحصائيات أن هناك تمييزا مبنيا على النوع يحول دون وصول المرأة لمراكز القرار على مستوى الجامعة المغربية وحصر مهمتها على التدريس وبعض المشاريع البحثية الفردية .
في الوقت الذي تعترف مؤسسات جامعية دولية بمجهودات وكفاءة الطاقات النسائية الجامعية ،نجد تهميشا لهذه الطاقات على مستوى الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي لسنة 2025 وعلى مستوى سياسة عمومية مثل سياسة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر وهو ما يتضح حتى من خلال الرتب التي تحتلها الجامعات المغربية على الصعيد الدولي.
والأسباب التي تفسر هذا الواقع هي أسباب سوسيوثقافية منها الثقافة الذكورية والصور النمطية السائدة في المجتمع حول المرأة والتي تدفع بالنساء إلى عدم إتمام دراستهن العليا للتفرغ للمسؤولية العائلية و اختيار تخصصات مرتبطة بالصور النمطية التي تختزل دور المرأة في المهام المنزلية.
ومنها ما هو سياسي مرتبط أساسا بغياب الإرادة السياسية لتبني إستراتيجية مبنية على النوع و المناصفة ولتشجيع النساء لولوج سلك الدكتوراه وعدم ارتكاز سياسة التعليم العالي والبحث العلمي على مقاربة النوع الاجتماعي. وهذا السبب يحيلنا أيضا إلى غياب إطار قانوني محفز لولوج النساء لسلك الدكتوراه وقبولهن في مناصب التعليم العالي.
ففي فرنسا مثلا الشريك الأول للمغرب في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، صادق كل من وزير التعليم العالي ووزيرة حقوق المرأة على ميثاق من أجل المساواة بين الرجال والنساء وهو الميثاق الذي صادق عليه أيضا مؤتمر رؤساء ورئيسات الجامعات الذي يضم 108 رئيسا و10 رئيسات للجامعات والمدارس العليا الفرنسية .
ومن ضمن التدابير التي تندرج ضمن تطبيق هذا الميثاق، نذكر إدراج وحدة خاصة بمسألة النوع الاجتماعي في جميع التخصصات ، وتنظيم دورات تكوينية حول هذا الموضوع لكل من الأطر الإدارية وهيأة التدريس داخل الجامعات الفرنسية والقيام بحملات توعية وتحسيس لمناهضة أشكال التمييز و العنف المبني على النوع داخل الجامعات.
ويبقى النهوض بالجامعة المغربية رهينا باتخاذ مجموعة من الاصطلاحات منها ما هو قانوني وما هو مؤسساتي وما هو مرتبط بالتكوين والتوعية.
فعلى المستوى القانوني نشير إلى ضرورة تعديل الترسانة القانونية المنظمة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي بحيث تتم ملاءمتها مع مقتضيات الفصل 19 من الدستور ، ومن بين الاقتراحات في هذا الباب ضرورة العمل بمبدأ التناوب بين النساء والرجال فيما يخص اختيار المرشح أو المرشحة لرئاسة الجامعات والمؤسسات التعليمية، فإذا ما تم اختيار مرشح لولاية معينة يجب اختيار مرشحة للولاية اللاحقة.
بالنسبة لسلك الدكتوراه نقترح أيضا الأخذ بمبدأ المناصفة أثناء اختيار المرشحين والمرشحات و يجب أيضا أن يفرض العمل بهذا المبدأ في تشكيل اللجان العلمية .
في هذا الإطار أيضا يجب مراجعة الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي لسنة 2025 التي يجب أن تكون مبنية على مقاربة النوع والمقاربة الحقوقية وأن تتضمن مجموعة من التدابير التي تأخذ بعين الاعتبار مبدأ المناصفة.
المؤسسات الجامعية أيضا يجب أن تراجع قوانينها الأساسية و الداخلية بحيث يجب أن تنص على مبدأ المناصفة.
على المستوى المؤسساتي يجب خلق لجنة على مستوى الوزارة الوصية مهمتها السهر على إدماج مقاربة النوع وتفعيل مبدأ المناصفة في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي و تكوين الأطر و ذلك بفتح حوار وطني مع كافة الفاعلين في القطاع سواء من داخل المؤسسات التعليمية أو من خارجها باعتبار أن التعليم و المناصفة تهم أيضا باقي القطاعات وباقي الفاعلين في مجال التنمية بشكل عام.
خلق لجنة داخل كل مؤسسة جامعية مكلفة برصد و تتبع مدى الالتزام بهذا المبدأ و مساندة و دعم النساء ضحايا التمييز المبني على النوع و ضحايا التحرش الجنسي.
خلق منصب نائب(ة) الرئيس( ة) خاصة بالمناصفة و مناهضة كل أشكال التمييز المبني على النوع.
خلق منصب نائب(ة) العميد( ة) خاصة بالمناصفة و مناهضة كل أشكال التمييز المبني على النوع.
بالإضافة إلى التعديلات القانونية والمؤسساتية يجب العمل على تغيير العقليات وترسيخ ثقافة النوع الاجتماعي داخل المؤسسات الجامعية وذلك بالاستثمار في مجال التكوين وبالتالي إدراج مادة خاصة بثقافة النوع الاجتماعي في كل التخصصات والاستثمار في التكوين المستمر بتنظيم دورات تكوينية إلزامية لكل من فئة الإدارة وهيأة التدريس .
ويتعين أيضا القيام بحملات توعية وتحسيس داخل المؤسسات الجامعية بأهمية مقاربة النوع الاجتماعي و المساواة بين الجنسين في الحقوق و الواجبات.
ذلك أن التكوين و التوعية و التحسيس تشكل ركيزة أساسية لتحقيق التغيير المنشود و الذي يفترض أن يبدأ من الجامعة باعتبار التأثير الذي يمكن أن يحدثه على مستوى السلوكيات اليومية و العلاقات الاجتماعية بين الفاعلين في القطاع.
فاطمة رومات،أستاذة بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية اكدال الرباط، وفاعلة جمعوية