الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

الحبيب السعدي: هل استفاد المغاربة المقاطعون من قصة الشعب الأرجنتيني؟

الحبيب السعدي: هل استفاد المغاربة المقاطعون من قصة الشعب الأرجنتيني؟ الحبيب السعدي

بعد تحرير أثمان المحروقات والتراجع عن دعم المواد الأساسية، وتفاقم غلاء المعيشة والزيادات المتتالية في الأسعار، التي تشهدها بلادنا، والتي يروح ضحيتها أبناء الطبقة الفقيرة التي اتسعت بفعل تفقير الطبقة المتوسطة، شهد المغرب ظهور شكل نضالي حديث ينم عن حس نضالي ووعي جديد بطرق الاحتجاج السلمي للتعبير عن الظلم والاحتقار والرفض.

انبثقت محاولة تلقائية لعدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تنظيم حملات مقاطعة لعدة منتوجات بهدف كسر شوكة احتكار الشركات المسيطرة على الماء المعدني والكازوال والحليب ومشتقاته. حيث لاقت دعوة "المقاطعة" تفاعلا متزايدا، منذ الإعلان عن إطلاقها قبل 10 أيام، وقد عرفت مبيعات الشركات التي أشهر في وجهها سلاح المقاطعة هبوطا ملموسا في عدد مبيعاتها وانخفاض سعر أسهمها في أسواق البورصة.

إن سلوك المقاطعة شكل احتجاجي سلمي وتنظيم ذاتي غاية في التحضر، يجب على الدولة، بمختلف أجهزتها ومكوناتها ومؤسساتها، أن تتفاعل إيجابيا معها، ولا تستخف بالأمر، كي لا يتطور إلى ما لا يحمد عقباه، كحادثة دوار الحاجة بالرباط الذي شهد عملية سطو على شاحنة لتوزيع قنينات الغاز بكاملها، كما راج في عدة صفحات فيسبوكية.

إذا كنا نريد شعبا مواطنا واعيا، فعلينا أن نزرع في شخصيته وسلوكاته ثقافة الرفض وقول كلمة "لا" لكل ما يمكن أن يسلبه كرامته وإرادته وحريته، وبطريقة حضارية، وإلا سننتج أجيالا تبيع هذا الوطن لمن يدفع أكثر أو تستسلم لأول جندي رغب في احتلاله.

وإليكم قصة واقعية لها من الدلالات القوية ما يحرك في الإنسان الرفض وقول كلمة "لا".

فقبل بضع سنوات استيقظ الشعب الأرجنتيني صباح أحد الأيام الذي عرف اتفاق تجار الدواجن والبيض على رفع سعر البيض مرة واحدة، عقدوا اتفاقهم دون أن يفكروا أن هناك من لا يستطيع أن يجد قوت يومه وأن هناك من يكد النهار والليل ليسـد بالبيض رمق أطفاله الجياع.. هل تعلمون لماذا؟ لأنهم تجار جشعون لا يهمهم إلا أن يملؤوا جيوبهم بأموال الضعفاء والفقراء.

فماذا حصل بعد ذلك؟ لقد كان المواطن الأرجنتيني ينزل إلى الأسواق ليشتري البيض، إذا به يجد سعره مرتفعا فيعيده إلى مكانه، كان هذا هو حال جميع المواطنين الأرجنتينيين. (تركوه يفسد). فماذا تتوقعون أن يحصل بعد ذلك؟

بعد أيام، وكالعادة، تأتي سيارة التوزيع الخاصة بشركة الدواجن لتقوم بتنزيل الكميات الجديدة من البيض، ولكنهم فوجئوا بأن أصحاب المحلات يرفضون أخد كميات جديدة، فقام التجـار بإعادة الكميات إلى مستودعاتهم وقالوا لنصبر أياما قليلة لعل وعسى أن يعود المواطنون لشراء البيض.

انتظر التجـار أياما وانتظر الشعب أياما، حتى أحس التجار أنهم تورطوا في خسارة كبيرة بعدما رفض الشعب شراء البيض الذي تكدس في الثلاجات والمخازن والمستودعات والدكاكين دون وجود مشتر، والدجاج الخائن في المزارع قد اتفق مع المواطنين وواصل إنتاجه من البيض ولم يتوقف، وأصحاب محلات التموين لم يطلبوا أي طبق بيض فالبيض الموجود لديهم بالأسعار الجديدة مازال متسمّراً في الرفوف ولم تنته القصة.

بعد عدة أيام اتفق التجـار، ولكن هذه المرة اتفاقاً جديدا وهو بيع البيض بسعره السابق قبل الارتفاع، لكـن الشعب الأرجنتيني الأبّي رفض أن يشتري البيض مرة أخرى، وذلك لكي يلقنوا التجـار درسا قاسيا لن يعودوا بعده لمثل هكذا أفعال، فعاد التجـار وخفضوا من سعر البيض مرة أخرى.

وهل انتهت القصة هنا، لا ولكن الشعب العظيم لم يشتر البيض، فكادت عقول التجـار تنفجر، فالخسائر تتراكم والإفلاس قادم.

أخيرا وبعد كل هذه المعاناة، اتفق التجار الخاسرين بأن يبيعوا البيض بربع سعره قبل الارتفاع مع تقديم اعتذار رسمي للشعب في الصحف بعدم تكرار ما حدث.

هنا انتهت القصة.. وأصبح الشعب الأرجنتيني العظيم فائزا في معركته مع التجار وفائزا بأنه يشتري البيض بخصم 75% من سعره الأصلي.