السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

منتصر إثري:"إيمازيغن" في حاجة لتنظيم سياسي

منتصر إثري:"إيمازيغن" في حاجة لتنظيم سياسي

بدون مقدمات، أعتقد أن الوقت قد حان لتسييس القضية الأمازيغية، وأننا بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى للانخراط في العمل السياسي والترافع سياسيا على الأمازيغية، كثقافة وحضارة وهوية الإنسان المغربي، كما أصبح لزوما علينا التفكير والتخمين والتخطيط للمستقبل السياسي الأمازيغي، والانتقال من مرحلة الثقافي الفني المدني، إلى تحمل المسؤوليات وتقديم البدائل في التشريع والتنفيذ، لأن العمل السياسي في اعتقادي هو الأنسب للمرحلة التي تمر منها اليوم، الأمازيغية والأمازيغ عموما.
بالتأكيد، الكثير منّا سيطرح نفس الأسئلة القديمة الجديدة، أبرزها كيف ستمارس العمل السياسي في ظل البلقنة والتمييع الذي يعرفه العمل السياسي المغربي، وأنك بقبول المشاركة في العمل السياسي تحت ما هو قائم هو اعتراف بالمخزن ومؤسساته وبدستوره إلخ..، ونحن من يناضل من أجل إقرار دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يقر بأمازيغية المغرب هوية وثقافة وشعبا..، وهناك من يحمل موقفاً قديماً يقوم على فكرة ضرورة تجنيب الأمازيغية للعمل الحزبي والاكتفاء بالعمل الثقافي والجمعوي، وطرف آخر يدافع على فكرة تقول بأن الأمازيغية أكبر من أن يجمعها حزب سياسي أمازيغي، كما يوجد بيننا أيضا فصيل أو مجموعة تؤمن بالعمل من داخل الأحزاب الموجودة وتقول بأنه يجب أن نمزغ كل الأحزاب الموجودة لكي تدافع عن الأمازيغية، لا أن نؤسس حزبا خاصا بالأمازيغ.
السياسة فن الممكن، فكما قبل عدد من المعارضين والخصوم التاريخيين للقضية الأمازيغية، الدخول والاستيلاء على المناصب وتوسيع قاعدتهم الجماهيرية من خلال الاحتكاك بالشعب ومن تمّ بدأوا يشرّعون وينفذون، وتراجعنا نحن للوراء نستنكر ونشجب ونحتج ونبكي..، نستطع نحن أيضا أن ندخل المعترك السياسي بما فيه وما عليه، ونشارك في تدبير الشأن العام كما يفعل الإسلاميون واليساريون، ومن خلال الممارسة نستطيع أن نؤثر في المشهد، ونغيره لما يخدم قضيتنا، أما بخصوص تجنيب الأمازيغية للعمل الحزبي، فأعتقد بأن هذه الفكرة أثبتت فشلها على مستوى التشريع على الأقل، وأنها لم تأت بجديد للأمازيغية على مرّ السنوات الماضية.
كما أن تجربة تمزيغ الأحزاب الموجودة، أثبتت فشلها، وأثبتت السنوات الأخيرة ما بعد الدسترة المقيدة للأمازيغية، أن الأمازيغية مجرد وسيلة للمزايدات السياسية تتقاذف بها الأحزاب فيما بينها، وخير دليل هو ما وقع في مرحلة إعداد مشاريع القوانين التنظيمية الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيف تدخلت عدد من الأحزاب في انتقاد انفراد حزب سياسي معيّن بتقديم هذا المشروع، قبل أن يعود هو الأخر ويسحبه مباشرة بعد الدخول في النسخة الثانية من الحكومة، كما يتبين أكثر عندما اتفقوا جميعا على منع الحديث بالأمازيغية في البرلمان إلى حين توفير وسائل الترجمة، وهنا يتضح أن تأثير الأمازيغ داخل هذه الأحزاب يبقى ضئيلا إن لم نقل غير موجود أصلا، والبديل الذي نحتاجه اليوم هو حزب سياسي أمازيغي يحمل هم القضية أولا وأخيرا.
و بقليل من التفكير العقلاني والبعيد عن العاطفة الزائدة والمواقف الجاهزة و التي أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع، سنستنبط الماضي والحاضر لكي نستشرف المستقبل، ومن هنا نستطيع أن نأخذ العبرة من بعض الحركات التحررية و بعض الشعوب الأصلية في الكثير من المناطق، التي استطاعت فرض وجودها بالعمل السياسي تحت أنظمة لا تعترف بها أصلا، ورغم تمكنت هذه الشعوب من الجمع بين العمل السياسي والثقافي وحتى العمل المسلح "الكورد نموذجا" في تناسق تام.
ليس فقط الشعب الكوردي، بل كل الشعوب الأصلية أو التي تناضل من أجل حقوقها تجدها تمازج ما بين العمل السياسي من خلال أحزاب تمثلها في دواليب الدولة وبين العمل الثقافي والفني من خلال الجمعيات في تكامل تام بينهما، وتجربة الشعب الكوردي وهو أكثر الشعوب قربا من الأمازيغ لخير دليل على أن الجمع بين العمل السياسي والثقافي، يمكن له أن يضيف الشيء الكثير للقضية، وأن ليس هناك وسيلة أكثر نجاعة لفرض هويتك وثقافتك وحضارتك وخصوصيتك وإعادة كتابة وتصحيح التاريخ المزور كما نطالب به دائما أفضل من الانخراط في إدارة الشؤون العامة للدولة وتسير أمور مجتمعك.
على "إيمازيغن" اليوم أن يعيدوا النظر في المواقف الجاهزة من العمل السياسي الأمازيغي، والاستعداد لممارسته ومن خلاله الالتحام بالمجتمع المغربي الأمازيغي في القرى والمداشير والمدن والتعريف بالأمازيغية كمشروع مجتمعي، بدل من أن نعطي الفرص تلو الفرص للقوى السياسية المعادية للحقوق الأمازيغية والتي ترى من مصلحتها أن تبقى هي المهيمنة على القرار السياسي المغربي، ونكتفي نحن بالتوسل اليها تارة وبانتقادها في أحيان كثيرة دون جدوى.
الأمازيغ اليوم في حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى الانخراط في العمل السياسي، ويجب الانتقال الحتمي نحو امتلاك هذه الأداة القانونية في أفق امتلاك أداة الضغط المتمثلة في اصطفاف الشعب إلى جانبنا، وإلّا فإننا سوف نبقى نتوسل من الأحزاب المعادية أصلا للأمازيغ والأمازيغية لتفعيل الأمازيغية وتدريسها والعمل بها وتطبيقها.
فالأمازيغية المفترضة اليوم، تقتضي امتلاك أدوات العمل الجماعي ألتشاركي التكاملي، والتنسيق بين جميع إيمازيغن من أجل التوصل إلى توافقات ضرورية، في تسيير دفة المجتمع المغربي الأمازيغي، وهذا يقتضي بلورة البرامج السياسية والثقافية والجمعوية الشاملة والمتكاملة والمتناسقة في المضمون حتى وإن اختلفت في الشكل، وبلورة الاتجاهات المجتمعية حول هذه البرامج، وهذا هو جوهر القضية الأمازيغية اليوم.
ولبلوغ هذا الهدف، نحتاج إلى نقلة مجتمعية توافقية، تقوم على توافق جميع الإطارات والتنظيمات والتوجهات الأمازيغية المختلفة على ضرورة تشكيل حزب ذو مرجعية أمازيغية، كيف وبأي شكل؟ فالإجابة على هذا السؤال يحتاج المرء إلى الجلوس والنقاش وإعادة النظر في مجموعة من الأشياء، وعند ذلك سوف يكون الأمازيغ قادرين على فرض وجودهم وقضيتهم، أما أن نبقى حبيس الأحلام الوردية، ونخون كل ما هو موجود من مؤسسات هي في الأخير مكتسبات ناضل عليها جزء كبير من الحركة الأمازيغية ولسنوات، ونعطي فرصة من ذهب للخصوم السياسيين والإيديولوجيين التاريخيين في تراكم مكتسباتهم السياسية والذود في الدفاع عليها وتحصينها ومن تمّ يفرضون علينا مقترحاتهم وقوانينهم ونكتفي نحن بدور المتفرج فهذا لم و لن يقدم أي شيء لأمازيغية اليوم.