الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

ذ.المصطفى المتوكل الساحلي: إشكالية... "من يخدم من"؟؟

ذ.المصطفى المتوكل الساحلي: إشكالية... "من يخدم من"؟؟

سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أيّ الأعمال أحب إلى الله، قال: "اتّباع سرور المسلم" قيل: يا رسول الله وما اتّباع سرور المسلم؟ قال: "شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دينه"، الدولة في خدمة الشعب.. إذن رجال ونساء الدولة "خدام" للشعب، والشعب في خدمة الدولة، اذن المواطنون والمواطنات “خدام” الدولة، هذه جمل واضحة في صياغتها ومضامينها مع روح وخلفية الدستور والقوانين والشرائع، ومن المفترض ونحن نتحدث عن الدولة فهي أرض وشعب ونظام حكم ومؤسسات. أما المعادلة التي تتعرض للانتقاد والتحليل فهي عندما يريد البعض أن ينسب لنفسه منفردا أو كمنظمة أو كحزب خدمته ـ هم ـ للدولة ، أو أن يقوم البعض بنسبة خدمة الدولة لأشخاص معينين دون غيرهم سواء كان ذلك على سبيل المثال أو الحصر، أو يبادر أفراد معينون بصفتهم الشخصية أو بصفتهم الرسمية بالإعلان تلميحا أو تصريحا بأنهم خدام الدولة الاوفياء والذين هم على استعداد للتخلي فورا عن منصبهم إن قالت لهم الدولة ذلك ..؟؟

وهذا الموضوع أي "خدام الدولة " يجعل المتتبعين يتساءلون ما المقصود ب ”الدولة”؟ ليختلف الجواب حسب المجيبين ومواقعهم وحمولتهم الفكرية، فمرة تكون الدولة هي الشعب والارض والمؤسسات، ومرة أخرى تكون الدولة هي الحاكم أو المسؤول من أصغرهم إلى رئيس الحكومة كانوا امنيين أو عسكريين، ومرة تكون هي الشعب، فيقول المتحدث أنه من خدام الشعب، ومرة تكون الوطن، فيقول أنه من خدام الوطن، فهل يصح سياسيا وبقيم المواطنة المتعارف عليها حقوقيا كمرجعيات ضابطة ومؤطرة للفهم السليم للقوانين والدستور تبعيض وتخصيص "شرف الخذمة" لمؤسسة أو هيئة دون اخرى ؟ وما المقصود بالدولة؟

هل نعتمد النصوص لتفسير معاني وحدود تعريف الدولة أم نعتمد آراء واستنتاجات شخصية للتفسير والتحديد؟ موضوع خدام الدولة المثير للنقاش له علاقة بوجود "مقابل" للخدمة الموجودة أو المفترضة أو حتى عدم وجودها ، /هدية / استفادة بأثمنة تفضيلية /تخصيص فئة معينة بالاستفادة دون غيرها / ترقيات /.تنويه /اوسمة / تكريم /……. فهل ما يريده الناس هو أن توضع معايير وضوابط تضمن ديمقراطية الاقتراح والترشح ومساطر للانتقاء والمجالات المتبارى فيها كأعمال تصنف كخدمات للدولة للفوز " بلقب الخدمة "؟ أم يريدون القطع نهائيا مع ربط خدمة الدولة بأي نوع من المكافآت المادية والمعنوية ؟ ونطرح مع المتسائلين هل يمكن ان ينطبق على الخدمة أنها فرض كفاية كصلاة الجنازة إذا قام بها البعض تسقط عن الباقين ـ "بفتح التاء" أو "ضمها " ـ  وهل المعنى أنها لاتهم الا أصنافا معينين يتم انتقاؤهم على سبيل المثال لا الحصر اقتداء وتحفيزا؟ وهل هذا يعني أن غالبية الشعب ليست في خدمة الدولة ..؟

الجواب بطبيعة الحال هو أن كل الشعب في خدمة الدولة وفق الاستطاعة وفي المجالات التي يعمل بها سياسية وفلاحية وصناعية وحرفية وخدماتية وتطبيبية وتعليمية وعسكرية وأمنية ورياضية.. والجواب أن الدولة بكل مؤسساتها في خدمة الشعب، وذلك بضمان حمايته وأمنه المادي والجسدي والمعنوي والفكري ودمقرطة الحياة وتحسين أوضاعه الاقتصادية والمالية والاجتماعية والخدماتية وتأطيره وتعليمه وتكوينه وتأهيله …الخ، لكن من واقع مسألة الخدمة ومنهجها وأهدافها سنجد أنها تتباين في أسباب تنزيلها وأهدافها والمستهدفين، ومن هنا سنطرح أسئلة ديموقراطية من أجل حث المتخصصين في علم التشريع والتأويل أن يعرفوا بشكل دقيق الخدمة وأن يحددوا مجالاتها، وأن يوضحوا معايير بدل الخدمة سواء اتخذت شكل منحة أو هبة أو هدية أو مكافاة أو تخصيص محدد أو إحسان، إن قفة رمضان والأضحية وتمويل بعض الأعراس و الألبسة والأدوية والمنح المالية ومعدات وتجهيزات ذوي الاحتياجات الخاصة و..الخ، الموزعة من طرف بعض الاحزاب أو الجمعيات التابعة لهم بمناسبة أو بدون مناسبة قد تصبح وتتحول إلى بدل قبلي لخدمة مستقبلية من المستفيدين لخدامهم بالتصويت في الاستحقاقات المختلفة ؟؟ كما أن تسليم وتوزيع متاجر وأكشاك ورخص خاصة ومعدات وتجهيزات وآليات ومنح مالية في إطار ميزانيات الجماعات الترابية أو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي توزع قد توظف لخدمة البعض مقابل خدمة أخرى ..؟؟ وقد يندرج في نفس الاطار فتح تجزئات وأراضي فلاحية أو عقارات متباينة الحجم لنخبة من الناس، أو تخصيصها لأصناف معينين من المستفيدين بأثمنة تفضيلية  خدمة من أصحاب المشروع للمستفيدين والذين قد يكونوا رجال أعمال وفلاحين ومستثمرين كبار وشركات كبرى، أو تجزئات إعادة الايواء الخاصة بسكان دور القصدير أو السكن غير اللائق أو لفائدة الشغيلة بقطاعات عامة أو خاصة ..؟؟  كما أن فتح المساجد وبعض المؤسسات الدينية لبعض الهيئات الدعوية / السياسية قد يعتبر "خدمة" خاصة للبعض الذي يقدم على أنه في "خدمة" دينية تحسيسية تعبوية لجعل "المتلقي" يفهم أن الملقن وأصحابه في السياسة والدعوة هم البديل الدنيوي بالتصويت عليهم الذي يجنبهم دخول النار على عكس التصويت للبعض الآخر الذي قد يدخل النار هو وحزبه والذي سيصوت عليه ، كما قال واحد منهم ؟؟

لهذا نعود لنطرح السؤال الأكبر "من يخدم من " ؟؟ وسنقتبس أجوبة من الخطاب الشعبي الذي يرى الحكومة “من خدام الشعب” أي “تخدم الشعب”، حيث السياسات العمومية المعتمدة من طرف الحكام ببعض الحكومات والتي يقدمونها للناس على أنها “خدمات” مباركة وفيها الخير الذي لا خير غيره، ما هي في واقع الأمر إلا “خدمة” – بتسكين الحاء – الهبت الأسعار، ومنعت ما كان حلالا ومباحا وحرمت الإضرابات، وتراجعت عن حقوق ومكتسبات ، وضيعت الشباب والأطر والكفاءات  وأضعفت التعليم والتعلم، وعقدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية، وأثقلت المالية العمومية بالديون ورهنت مستقبل الشعب والبلد بالتزامات ستؤثر سلبا على الأوضاع المعيشية والتوازنات بكل أنواعها …الخ.

إنها كما يقول الشعبيون “خدمة” “خدمتنا بها الحكومة” لا نعلم لحد الساعة نتائجها التي قد تكون متوافقة مع المثل العربي”على نفسها جنت براقش ..؟؟” إن من غير المقبول في موضوع الخدمة أن يتحول إلى براغماتية انتهازية ظاهرة وخفية قد تحبط وتفسد المناخ السياسي والفكري والديني بأي بلد فتسن بدعا تشجع على الارتزاق و الاستئناس به تعلق الأمر بالوطن أو الشعب أو الارض أو الدولة .. فتصبح التبعية النفعية العمياء أكثر خطورة على الوطن والشعب من الأعداء الخارجيين الحقيقيين و المفترضين … لهذا نبه الشرع والعقل إلى خطورة إحباط الأعمال حتى وإن كانت عبادات… فمن قدم نفسه أو حزبه أو منظمته على أنه "هم” يدعون للإسلام وللإصلاح لكي يقول الناس عنهم أنهم مصلحون ومتعبدون ، فإنه يحشر نفسه في مجالات المنهي عنه… قال تعالى -: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ “سورة هود”. وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: “وما الشرك الأصغر؟”، قال: ((الرياء، يقول الله – تعالى – يوم القيامة إذا جازَى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤُونَ في الدنيا، فانظروا هل تَجدُون عندهم جزاء؟) إن البعض يسعى بمواقفه وقراراته وكلامه الذي يوجهه لجهات معينة إلى أن ينتزع "الرضى" لكي يحصل على المكافآت و”بدل” عن الخدمة المقدمة للجهة المعنية بخطابه وقد يجد من يزايد عليه، حتى أن المستمع والقارئ لكلامهم سيبدو له وكأنهم في “سوق الدلالة” يسعون بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، الشرعية وغير الشرعية لعلهم يحضون برضى الناس لاستقطاب أصواتهم مقابل ”الخدمة” التي يقدمون أو سيقدمون معتبرين الناس مجرد أوعية فارغة يمكن التأثير عليهم بسهولة أما لحسن نيتهم وبساطة رؤيتهم السياسية، أو لأنهم - أي البعض من الناس- يسعون أيضا إلى مقابل لخدمة قدمت لهم أو ستقدم عاجلا أو لاحقا ؟؟؟

وقد يقال أليست العديد من المبادرات التي يعلمها العام والخاص ولا تخفى على الصغير والكبير التي تستغل هموم الناس ومشاكلهم لتقدم لهم ما يفترض أن يكون حقا من حقوقهم والذي لحقه الضرر بالبيروقراطية وانعدام الضمير والطمع  على أنه “خدمة” والتي هي هنا الوساطة عينها في الحقوق وأحيانا الامتيازات مقابل رد الخدمة في المحطة التي يريدها صاحب الخدمة الاولى ؟؟ أليست كل هذه الممارسات تسعى لوضع ثقافة هجينة بديلة تقوم على التناوب على أداء الخدمة بقاعدة ”اخدمني” “اخدمك” …؟؟ أليس ما حصل في تركيا مؤخرا كان بسبب حركة “خدمة” التي أصبح زعيمها وأتباعه في جميع القطاعات متهمون بمحاولة الانقلاب على الديموقراطية والتي اعتمدوا فيها كل ما أشرنا إليه سابقا لاستقطاب وتأطير وتنظيم أنصار يطيعون وينفذون وفق المطلوب منهم ؟

إن الدولة عندما تخدم الشعب والشعب يخدم الدولة ومؤسساتها وهما معا يخدمون الوطن بصدق ونكران ذات وتكامل وعمل مشترك لبناء نهضة حقيقية باستفادة ديموقراطية عادلة لا تقصي أحدا من خيرات الوطن تعود بالنفع والرخاء والاستقرار القوي على الدولة كلها. عن أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم"، قال: “فقرأها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات”، قال أبو ذَرٍّ: “خَابُوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله ؟”، قال: "المُسْبِل، والمَنَّان، والمنفِّق سلعتَه بالحلف الكاذب".