الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد المرابط: هوامش المعنى في حراك الريف، بين نسختي بروكسيل وستراسبورغ للبرلمان الأوروبي

محمد المرابط: هوامش المعنى في حراك الريف، بين نسختي بروكسيل وستراسبورغ للبرلمان الأوروبي محمد المرابط

أكيد أن ندوة البرلمان الأوروبي حول حراك الريف ببروكسيل 28 فبراير 2018، تمثل نقطة تحول في ملف هذا الحراك، سواء على مستوى الوعي الجمعي لريفيي الدياسبورا، أو استمرار انشغال هذه المؤسسة الدولية بما يجري بالريف من خلال نسخة ستراسبورغ المقبلة، أو اتساع وتيرة قطيعة ديموقراطيي وجمهوريي الحراك. لكن سأقف بمجهر هذه الأهمية على هوامش المعنى في ذلك، من خلال ما يلي :

1- إن حضور الأستاذ عبد الصادق البوشتاوي مكان الأستاذ عبد العزيز النويضي لهذه الندوة، في أعقاب احتجاج الجمهوريين على ورود اسمه، كموفد من هيأة الدفاع عن المعتقلين، مثير للتساؤل. فرضوخ كاتي بيري النائبة، البرلمانية عن حزب العمل الهولندي، والداعية لهذه الندوة، لضغوط الجمهوريين ،وبشهادتهم، يبين أن حضور الأستاذ البوشتاوي تمليه اعتبارات دغدغة مشاعر هؤلاء، وليس خدمة الحقيقة. والثمن هو دعوة الجمهوريين إلى التصويت على بيري وحزبها. وتدعونا هذه الصفقة إلى التساؤل: لماذا لم تحرص بيري من باب التوازن، على حضورهما معا، ليتولى البوشتاوي -ضمن فعاليات الصباح بالاتحاد الأوروبي- حشد التأييد لاستحقاق الزفزافي لجائزة ساخاروف لحرية الفكر، (حتى وأن علاقة الحراك بحرية الفكر فيها نظر)، في حين يتدخل النويضي في ندوة المساء؟ ولا أعرف ما إذا كان حضور البوشتاوي يحظى بتزكية منسق هياة الدفاع، أم يخضع لمزاج كاتي بيري؟ وأعتقد أن الأمر يحتاج لتوضيحات من يعنيه الأمر. وبصرف النظر عن هذا الملحظ، فإن  البوشتاوي كحراكي، وهو يتداخل فيه الذاتي والموضوعي، قد يكون مفيدا أكثر، في المساهمة بمساعي مع القوى الحية من أجل الحل السياسي لملف الحراك، وتفعيل التغذية الراجعة مع المعتقلين. وبهذا سيقدم خدمة كبرى للمعتقلين وللملف المطلبي للحراك.

2- لقد كان الزفزافي الأب، موفقا في كلمته بالوقفة أمام البرلمان الأوروبي، بمعية الأستاذ البوشتاوي، لكن كلمته داخل البرلمان، رأى فيها البعض فكرة الحث على التدويل، للضغط على المغرب. فيوبا الغديوي، اعتبر أنه قد تم الآن تدويل قضية الريف، وإن كان اعزي أحمد قد حاول نفي ذلك وبتبسيط بريء، وهو يجيب التيجيني في قناة "مغرب تي في"، وكأن العلاقات الدولية بتلك البساطة بين الأصدقاء الطبيعيين.

صحيح أن المخزن، حسب شواهد الماضي، له قابلية بعقليته الاستبدادية أن يخضع للضغوط الخارجية، على أن يستجيب لمنطق التعاقدات الداخلية. لكن مع ذلك عشنا محطات لتوافقات داخلية مهمة، كان من نتائجها إلغاء ظهير "كل ما من شأنه"، والعفو العام سنة 1994، مما يجعلنا نراهن اليوم على تعاقدات جديدة تنهل من ثقافة العدالة الانتقالية، والمشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي لمحمد بن الحسن في بداية عهده، والاختيار الديموقراطي بخلفيته الحقوقية في دستور2011، وذلك لإلغاء ظهير العسكرة -ولو من خلال إشارة في خطاب صاحب الأمر، إلى واقع النسخ الضمني لهذا الظهير ضمن المنظومة القانونية للهندسة الترابية- وإلغاء ظهير مصادرة ممتلكات أعضاء حكومة مولاي موحند، والعفو عن معتقلي الحراك وجبر الضرر بالريف.

3- لقد شاهدنا يوما قبل ندوة بروكسيل، بلال عزوز، ملازما للزفزافي الأب، كما في جولته السابقة. فحرص بلال على بناء كاريزما حضوره في حراك أوروبا، على ملازمته السابقة لناصر، وادعاء اتصال عائلات المعتقلين به، وادعاءه مؤخرا أنه لا يخطو خطوة إلا باتفاق مع عائلات المعتقلين، كل هذا يشوش على أفق الحل. فأي فائدة للحراك ومعتقليه، من شخص يسب رئيس الدولة صباح مساء، وفوق هذا يدعي أن تحركاته بمباركة عائلات المعتقلين؟ هل بهذه "التزكية" المسكوت عنها لهذا السب، يمكن توفير المناخ المناسب للإفراج عن المعتقلين؟ على اعزي أحمد الحسم في جانب من هذه العلاقات -كما حسم في أصل المعادلة لما تبرأ من الجمهوريين، فعبر يوبا الغديوي ورضوان أسويق عن الانزعاج من ذلك وبصيغ مختلفة- وذلك لتفادي كل الالتباسات في حقل التلقي. إذ أن متطلبات الثقة المتبادلة لها مقتضياتها الفكرية والسلوكية.

4- هناك في الأفق حضور للزفزافي الأب وزوجته وآخرين، في البرلمان الأوروبي بستراسبورغ في 14 مارس 2018، مع تنظيم وقفة خارجه. وقد ناهض الجمهوريون ذلك. وستتلو محطة ستراسبورغ، جولة للزفزافي بدوسولدورف وفرانكفورت وليون وجنيف وباريس. في حين سينظم الجمهوريون مسيرة بباريس في31 مارس 2018، على خلفية أن باريس عاصمة المغرب ويجب احتلالها. كما يحاول هؤلاء الانعطافة نحو اللجن الساهرة على المساجد لمحو الآثار السلبية لتهجم بعضهم على الدين. ونظرا لجهلهم الفرق بين الدين والأصولية يطالب بعضهم باستبدال مصطلح "نشطاء الحراك" بـ "المجاهدين". لذلك من المحتمل الالتقاء بين الجمهوريين والأصوليين في أوروبا، في تحالف العقلية التخوينية مع العقلية التكفيرية.

كل هذا الجرد يفرض على اعزي أحمد الانشغال بمسألة بناء الجبهة الداخلية أولا، وقدرا من اليقظة في الخارج، لتجاوز فخاخ أكثر من جهة متربصة. قد يبدو الرهان على الخارج هو أقصر الطرق لإطلاق سراح المعتقلين، لكنه رهان غير مأمون العواقب في ظل غياب رؤية جامعة لبنية الإشكال السياسي في الداخل.