هناك عشرة مؤشرات تؤخذ بعين الاعتبار من طرف خبراء التخطيط الحضري بالعالم للحكم على جاذبية وقوة مدينة معينة. وهذه المؤشرات هي :
أولا، عدد السكان، أي هل المدينة ذات حجم ديمغرافي كبير أم أن عددهم صغير لا يمثل أي رهان استهلاكي أو إنتاجي أو معرفي.
ثانيا، حجم الرواج بالمطار (بملايين الوافدين) لمعرفة هل المدينة مدرجة في الخريطة العالمية للتنقل أم لا؟ وهل تفتح شهية السياح ورجال الأعمال أم لا؟
ثالثا، عدد الأقطاب التكنولوجية الموجودة التي تسيل لعاب الشركات الباحثة عن يد عاملة مؤهلة.
رابعا، فورة البورصة بالمدينة، أي هل السوق المالية تعرف تكثيفا واندفاعا للشركات والأفراد للاكتتاب أم هي مجرد سوق "شطيبة مالية"، لا تروج فيها سوى بضعة ملايين من الدولارات.
خامسا، المهرجانات الكبرى، أي هل المدينة تنظم فيها المهرجانات التي تقوى على جذب السياح من كل الأقطار .
سادسا، المؤتمرات، أي ما هو عدد المؤتمرات والصالونات واللقاءات الدولية (اقتصادية، سياسية، رياضية) التي تحتضنها المدينة، وكم عدد الوافدين عليها لعرض بضائعهم أو أفكارهم أو مشاريعهم.
سابعا، المآثر والمنشات الفنية أو الترابية التي تختزنها هذه المدينة بحكم أن هذا المؤشر يغري العاشقين للسياحة الثقافية والبيئية بالعالم.
ثامنا، الميترو والترام والطوبيس، أي هل المدينة تتوفر على وسائل نقل جماهيرية جيدة وفعالة وأنيقة ونظيفة تتيح تنقل الاف المواطنين في يسر وسرعة وفي ظروف آدمية.
تاسعا، مخطط التنقلات الحضرية، أي هل المدينة لديها مخطط التنقلات يجيب عن إشكاليات التنقل (طاكسيات، حافلات، باركينات، سيولة السير بالشوارع، تناغم الإشارات الضوئية، وحجم صبيب السيارات، تنظيم الملتقيات الطرقية..إلخ.)
عاشرا، حصة المواطن من المساحات الخضراء بمدينته، وهل هناك حدائق ومنتزهات وتشجير بكل الشوارع والساحات العامة تضفي بهجة ومسحة جمالية على المدينة، أم أن هذه الأخيرة عبارة عن سجن عمراني بالإسمنت، "يهرف" على كل المجالات بدون ضمان حق المواطن في رؤية الخضرة.
هذه هي الشبكة المرجعية التي تمثل الحدود الدنيا للقواسم المشركة في جل مراكز البحث والتخطيط الحضري بالعالم. وهي المراكز التي يمكن لأي مسؤول مغربي أن يستفيد من تراكم بحوثها حول الظاهرة الحضرية بربط الاتصال بأقرب سفارة أوربية أو أمريكية من منزله بالرباط. ورغم سهولة الحصول على كل هذه البحوث والدرسات، فالمتأمل لما يجري بمدننا يكشف أن المغرب يسير وكأنه لا يتوفر على سياسيين عندهم "الكبدة" ولا يتوفر على مهندسين ولا على خبراء في التعمير ولا على على متخصصين في التهيئة الحضرية ولا على أطر كفؤة في إنجاز المنشات الفنية (les ouvrages d art) ولا على إداريين قادريين على إحكام "الغرزة".
لنأخذ مؤشرا واحدا من المؤشرات العشرة المذكورة وقياس مدى توفر الدار البيضاء، مثلا، على مقومات مدينة عالمية، ونعني به مؤشر التنقل. إذ لا يخفى على أحد أن التنقل بالدار البيضاء أضحى أخطر من خوض الحرب في الصحراء ، فسواء كان المرء راجلا أو راكبا أو مستعملا للسيارة والدراجة، فإن التذمر والغليان هو السمة البارزة بحكم حجم الضياع الذي يهدره المرء في التنقل والاختناق المروري بالعاصمة الاقتصادية .
والأفظع أن معظم مسيري الدار البيضاء مهندسون، بدءا من الوالي وانتهاء بالعديد من العمال مرورا ب "جيش)" من المهندسين الذين يبلعون حوالي 20 مليارا من الأجور كل سنة من ميزانية البلدية والعمالة والجهة والوكالة الحضرية، بدون أن ينعكس هذا الإرهاق المالي الذي يتكبده المواطن على تحسين جودة العيش بالعاصمة الاقتصادية.