الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

تدمري عبد الوهاب: الحراك الشعبي بداية النهاية لزمن التوافقات وفرصة سانحة لبناء مرحلة التعاقدات..

تدمري عبد الوهاب: الحراك الشعبي  بداية النهاية  لزمن التوافقات  وفرصة سانحة  لبناء مرحلة  التعاقدات.. الدكتور تدمري عبد الوهاب
لست مستعدا للدخول في نقاشات هامشية حول من يعتبر نفسه يمتلك الحقيقة كلها أو نصفها أو من يعتبر نفسه الأصل وما تبقى فرع .من يبخس حق الآخرين في التعبير عن آرائهم و ما يعتبرونه صوابا .لست مستعدا للدخول في متاهات اللامنتهي من كلام المقاهي، حول من هو المناضل الصنديد من غيره، وكل ما يتمخض عن ذلك من تحقير للآخر، و تخوين في حق كل من انتهج منهج تفكيك المقدس سبيلا لبلوغ ما يعتبره حقيقة، أو من آمن بأفكار وآراء سياسية قد نتفق أو نختلف عليها شرط أن تبقى في حدود التعبير عن الرأي، وان لا تكون معدمة لحق الآخرين في الاختلاف.
أقول قولي، هذا لأني مؤمن أننا مهما أولينا من عناية للحراك الشعبي، ومهما اعتبرناه مهما لما يشكله من مرحلة مفصلية في تاريخ المغرب السياسي المعاصر، ومهما ما نكنه من تقدير واحترام للتضحيات التي قدمها ولا يزال نشطائه المعتقلين وعائلاتهم.
إلا أني، كذلك، مؤمن بأن النضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية دربه شاق وطويل .وأن ما نحن عليه الآن هو نتاج تراكمات لمن سبقونا إلى النضال وأدوا ما أدوه من تضحيات .وأن الحراك لا يشكل قطيعة مع ما سبق ،وليس ميزة تتباهي به بعض الذوات عن طريق اللايف او التدوينات التي اتخذت من الحراك ومن المعتقلين وذويهم مطية لتصفية الحسابات. وكأن النضال خلق مع الحراك وسينتهي مع انتهائه بالشكل الذي يجعل منه حالة ظرفية معزولة في ما يشهده الريف وكل الوطن من حراك وصراعات.
أقول قولي هذا لأني مؤمن بمسألة التراكم والتطور وعلينا واجب تطوير الحراك شكلا ومضمونا ،بما يتطلبه من إطلاق لديناميات جديدة ترقى بوعينا الجمعي لتجاوز الصعاب والتحديات.لأني مقتنع أن ما يعيشه العالم من مآسي انسانية، ونزاعات اجتماعية وعسكرية، أعادتنا الى زمن التقاطبات مع كل ما يتمخض عنها من حروب باردة تجعل من قضايا حقوق الإنسان موضوعة توظف من أجل شرعنة التدخل في شؤون الدول المسماة "مارقة"، وفق منطق الكيل بمكيالين، في مقابل غض الطرف عن ما تقترفه الأنظمة الحليفة من انتهاكات.
كما أني بقدر ما أحيي عاليا ما يقوم به إخواننا بالمهجر على اختلاف انتماءاتهم وتصوراتهم، من تحركات للترافع عن معتقلي الحراك والتعريف بمشروعية مطالبه، والاستمرار في رفع شعلته، بقدر ما أني مقتنع كذلك أن قضية إطلاق سراح المعتقلين لا يمكن تناولها من جانبها العاطفي والانفعالي، على الرغم مما شكلته وتشكله من مأساة إنسانية لذويهم وللمعتقلين أنفسهم ،علاقة لما يعيشه العالم من تجاذبات وصراعات لم تعد فيه مثل هذه القضايا تشكل أولية لدى الدول المتحكمة في مصير الشعوب والمجتمعات، شأنها في ذلك شأن المبادرات التي تروم على مستوى الداخل إلى البحث عن صفقات اعتبرها مشبوهة ومذلة لما تبطنه من استعطاف للجلاد على ضحاياه حتى وان تحججت بالدوافع الإنسانية للمعتقلين وذويهم وما تختزله من معاناة.
أقول هذا لكوني مدرك أن مطلب إطلاق سراح المعتقلين بقدر ما يفرض نفسه كأولوية في النضال نظرا لبعده الإنساني، بقدر ما هو كذلك في اعتقادي مطلب عاطفي غير قابل للتحقيق إن استحضرنا ما يشهده العالم من تغيرات ألقت بالحقوق والحريات إلى ذيل الترتيب على سلم الاهتمام والأولويات، وأصبح الكيل بمكيالين منهجا يحتكم إليه المجتمع الدولي في شيطنة الخصوم أو التغطية على الحلفاء والمغرب في هذا لا يشكل حالة استثناء .انه مطلب عاطفي حتى علاقة بالداخل وما يتسم به من احتقان سياسي واجتماعي واحتدام لعملية الصراع جعلت الريف وكل الوطن علي فوهة بركان ،خاصة مع استمرار الدولة المخزنية في غلوها واستقوائها بالدعم الخارجي وبما تمتلكه من أدوات امنية وقضائية في مواجهة الحركات الاحتجاجية بالشكل الذي يزيد الأوضاع تأججا و احتقانا ويرفع بالمقابل من منسوب الكراهية إزاء الدولة وما تمثله من مؤسسات.
إذن وفي غياب أي مقاربة أخرى تحتكم إلى الاجتماعي برمته، وتتمثل مخرجات الحل الشامل لما نعيشه من أوضاع سواء من داخل الدولة أو المجتمع ،سيكون من الغباء أن نقتنع بشيء اسمه اطلاق سراح المعتقلين، على الرغم من مشروعية هذا المطلب وما يتسم به من حالة انسانية استعجالية،لأن الدولة المخزنية في وضعها الحالي المدعمة من حلفائها الغربيين والخليجيين غير مهتمة بالدواعي الإنسانية كما يراها البعض من داخل الحراك، خاصة و أنها لم تتبلور لديها بعد إجابات سياسية على الأوضاع المأزومة التي تكاد تعصف بها ، والتي تشكل لديها نقطة ضعف علينا استثمارها لصالح إحقاق المطالب الخاصة والعامة للحراك ، ولكونه كذلك مدركة أن اطلاق سراح المعتقلين في الظروف الحالية، وفي غياب حلول شاملة، كمن يصب الزيت على نار هادئة ستزيد ، لا محالة ، من اتساع رقعة الاحتجاجات.
إن تحدثت بهذه الجرأة فليس لكوني متحاملا على المعتقلين وذويهم أو لست متعاطفا ومتضامنا معهم، بل فقط من أجل تقويم مسارات نضالاتنا حتى لا نرتهن في عملية تفكيرنا لشعارات تكاد تكون مستحيلة التحقق على أرض الواقع في وضعنا الحالي، بما يتسم به من اكراهات ان على المستوى الدولي أو الوطني . كما أني اعتبر أنه مهما علا شأن تحركات أهلنا بالمهجر في سبيل التعريف بالحراك ومعتقليه إلا أنها لن تكون مؤثرة في مجرى الأحداث إن لم تكن مقرونة بديناميات الداخل بما يقتضيه هذا الربط من انخراط لكل الفعاليات الديمقراطية والحداثية بالداخل والخارج في النقاشات العمومية حول كل القضايا التي تهم الريف وكل الوطن ،في أفق الارتقاء الجماعي إلى وطن يتسع لجميع مواطنيه ومواطناته.
وبالتالي فإن أي اختزال للحل، لما يعيشه الريف والمعتقلين من أوضاع انسانية صعبة، في أوروبا الغربية وحصر النضالات في مطلب الإفراج عن المعتقلين، هذا علاقة بما تشهده من دينامية جماهيرية، لن يعدو أن يكون موقفا انفعاليا وعاطفيا ما لم تصاحب هذه الدينامية الميدانية نقاشات عميقة حول قضايا التنمية والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وهي القضايا التي كانت سببا في انطلاق شرارة الحراك الشعبي في الريف وفي الكثير من جهات الوطن.
أقول قولي هذا لكوني مقتنع أننا نمر بمرحلة مفصلية في تاريخ المغرب المعاصر لا يجب تفويتها، نظرا لما يعيشه بلدنا من احتقان شعبي ونظرا لما تشهده الدولة المخزنية من أزمة بنيوية عميقة تطال هياكلها ومنظومتها السياسية والفكرية المتهالكة التي لم تعد قادرة على تجديد دورتها المخزنية بعد أن شاخت نخبها ولم تعد الأحزاب والنقابات التي شاخت هي ايضا فعمرها البيولوجي، قادرة على تزويدها بما تحتاجه من نخب ضرورية لضمان استمرار وجودها بالشكل الذي هي عليه الآن .وبالتالي فعلى النخب الفكرية والثقافية الديمقراطية والحداثية التي لم تتورط في الريع المخزني، أينما تواجدت بمختلف انتماءاتها الفكرية والمذهبية، واجب الانخراط الفعلي في طرح النقاشات العمومية حول أي شكل للدولة والسلطة نريد لمغرب المستقبل الذي يجب أن يقطع مع مفهوم التوافقات التي أطرت الممارسة السياسية لمغرب ما بعد الاستقلال وهي التوافقات التي أصلت لتحكم الدولة المخزنية في كل مناحي الحياة، والمرور بدل ذلك إلى مرحلة التعاقدات الاجتماعية من خلال إصلاحات سياسية ودستورية عميقة تؤسس فعليا للدولة الديمقراطية القائمة على مفهوم الأمة المتعددة، والديمقراطية التشاركية التي تضمن حق الجهات التاريخية في تقرير مصيرها والتي يجب أن تكون فيه هذه الأخيرة شريكا حقيقيا في صياغة القرار الوطني، وفي سن وتنفيذ السياسات العمومية أن على المستوي الجهوي أو الوطني بما يقتضيه كل هذا من ربط للمسؤولية بالمساءلة والمحاسبة ونفاذ القانون.
.كما أن هذه النقاشات العمومية حول مجمل هذه القضايا التي يبدو أن لا مفر للدولة المخزنية من مجابهتها والخوض فيها كذلك،علاقة بالوضعية الصعبة التي تمر بها والتي تؤشر علي قرب زوال منظومتها المخزنية المتهالكة من جهة، وما يشهده المجتمع من إحتقان وازمة اقتصادية وسياسية شاملة تهدد الدولة والمجتمع معا من جهة أخرى ، يشترط كذلك مصالحة حقيقية للدولة مع الشعب، التي يشكل إطلاق سراح جميع معتقلي الحراك الشعبي سواء بالريف أو زاكورة أو المعتقلين المحتملين من جرادة الخ….مدخلها الأساسي لضمان نجاح أي تعاقدات تنأي بالدولة والمجتمع مما يتهددهما من مخاطر وتحديات ،لن ينفع معهما لا دعم خارجي ولا أي تحالفات.