الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: في الحاجة إلى الفلسفة

عبد الالاه حبيبي: في الحاجة إلى الفلسفة عبد الالاه حبيبي
لماذا تحكمنا دوما تلك النزعة المتعالية عندما نريد تقويم العمل المهني، أي العمل الذي ينتج تقنيات ومواد تكنولوجية قد تغير الكثير من عاداتنا، وترفعنا إلى مراقي من العيش جد نوعية، حيث نعتبر التخصص المهني طريقا نحو مهنة لا تحتاج بالضرورة للتفكير والنقد والمساءلة، أي لا حاجة لها إلى الفلسفة كخطاب يقدم فرصا نظرية ومنهجية كثيرة بالنسبة لكل المتخصصين، بغض النظر عن طبيعة تخصصهم، بل حتى أهل العلوم الشرعية هم في حاجة إلى الفلسفة، ولعل الفلاسفة المسلمين كانوا أكثر تقدما عندما جعلوا العلوم النظرية رديفة للعلوم النقلية قصد تنوير المشتغلين بالحقل الديني بمناهج دقيقة مستنبطة من المنطق والتأمل الفلسفي والقياسات الرياضية التي تشتغل بالاستنباط والبرهان والتحليل النظري الصوري، حتى يتأكدوا من طبيعة النتائج التي يستخرجونها من خلال تأويلهم وتفسيرهم للنصوص المقدسة، وفي هذا السياق كان نقد ابن رشد للمتكلمين الذين أفرطوا في استخدام" قياس الغائب على الشاهد" هو سبب قصورهم عن تطوير الرؤيا وفهم المعنى الذي يحمله النص في ارتباطه بالحادثة التي تستدعيه، أو بالغاية الأخلاقية التي تطلبه، ليعوضه بتأويل يقوم على "استنباط المجهول من المعلوم"، أي ينبغي أن يكون المعلوم هو المصدر الذي منه نستنبط ماهو مجهول بالنسبة للعقل، إنه نقد إبستمولوجي غاية في الدقة صاغه ابن رشد لتقويم الأداء الفكري والمنهجي للمشتغلين بتفسير النصوص الدينية، فما بالك بالمشتغلين في الحقل العلمي الدقيق، أوفي مجال التكنولوجيا، هم عقول مطلوب منها أن تفكر، أن تقارن، أن تفحص السياقات والاحتمالات، بل أن تنتج خطابا حول المشكلات التي قد تعترض طريقها، وحدها الفلسفة تحمل هذه الإمكانيات التي تم التوافق حولها منذ الإغريق، حيث أن طريق العلم الذي رفع الغرب إلى التطور المتلاحق له هو هذه الرؤيا العقلانية التي تحدث عنها ابن رشد ولكن تم إهمالها ومحاربتها تحت دعاوى "بدائية" تحكمها النزعة التحكمية في الدولة والمجتمع والناس....وفي نفس السياق لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن فرقة المعتزلة كفرقة إسلامية عقلانية قد تمت محاصرتها بالكثير من الوسائل، لا مجال للخوض فيها الآن، نكتفي فقط بواحدة منها، حيث كان خصومهم يسمونهم بالمهن التي كانوا يمارسونها تنقيصا من قيمتهم الاجتماعية مثل "أبو الهذيل العلاف" 'ابراهيم بن سيار النظام، القاضي عبدالجبارالمعتزلي... وهلم جرا من هذه التصنيفات التي تصادر الفكرة بانتماء صاحبها للمهن المحتقرة اجتماعيا حتى ولو كان القضاء مهنة محترمة فمجرد أن يتقلدها "معتزلي" تفقد "كارزميتها التي تمنحها إياها الانتماء إلى تيار التقليد والمحافظة ومناصبة العداء للعقل وأهله، وهو عكس ما نراه اليوم، ممارسة مهنية بدون خلفية فكرية...