الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبدالمجيد مومر:الرسالة الملكية في المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية هي تجسيد لثورة الملك و الشباب.

عبدالمجيد مومر:الرسالة  الملكية في المنتدى البرلماني  الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية هي تجسيد لثورة الملك و الشباب. عبدالمجيد مومر الزيراوي، كاتب ورئيس جمعية الاختيار الحداثي الشعبي
"وفي هذا الإطار، يتعين على كافة الفاعلين، أخد بعين الاعتبار التغيرات المجتمعية التي يشهدها المغرب، وذلك عبر وضع مسألة الشباب في صلب النموذج التنموي المنشود، والتفكير في أنجع السبل من أجل النهوض بأحوال شبابنا، باعتبارهم الرأسمال الحقيقي لبلادنا، وثروته التي لا تنضب.ولنا اليقين، أن نجاح أي تصور في هذا الإطار يبقى رهينا بتغيير العقليات، باعتباره السبيل الوحيد، ليس فقط لمجرد مواكبة التطور الذي يشهده المغرب، في مختلف المجالات، بل بالأساس لترسيخ ثقافة جديدة للمبادرة والاعتماد على النفس وروح الابتكار، وربط المسؤولية بالمحاسبة ".
هكذا جاءت مضامين الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، الذي ينظمه مجلس المستشارين تحت شعار "رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجديد".
و منه فلن نستطيع خلخة المعيقات الذهنية و الموانع الداخلية و الخارجية التي حَذَّرَ منها جلالة الملك محمد السادس إلا بالتمسك بروح الخطابات و الرسائل الملكية وبصريح مضمونها و الثقة المستمرة في الأفكار الملكية الذكية الساعية إلى تدشين مرحلة مشرقة من الإنماء و البناء المتواصلين لمغرب الحاضر و المستقبل.
و قد تبدو الموانع المادية كإكراهات ذات أولوية ، إلا أن معظم الشباب يجدون أنفسهم أمام عقليات تثبت أن الموانع التي تبنيها المؤثرات الزمنية النفسية و السيكولوجية تصبح في حالات كثيرة صعبة التجاوز ، فالتأويل السياسي الخرافي يقود الإنسان بشكل مباشر إلى جمود العقل و تحجر العقليات ، فهو تأويل غير قائم على المعرفة و المواكبة و المسايرة ، تأويل لم يأخذ بالأسباب و لم يستجلب الشباب بالترغيب في المواطنة .
و ذاك ما جعل الشباب المغربي يعتنق - في غالبيته- مذهب ” اللامبالاة السياسية ”، ويعاني من حرِّ الغياب أو التَّغْيِيب عن ذوق الثقافة. إنها الكتلة الناشئة لزمن ” بعد ما بعد الحداثة ” ؛ شباب يعاصر فوضى وفرة المعلومة و ينخرط إراديا أو لاإراديا في ما اصطلح عليه ب « المواطن العالمي» ، و لو افتراضيا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي. هذا الشباب إرتفع حجم مطالبه في ظل وضع اجتماعي و اقتصادي جد قاسٍ، و قبل هذا و ذاك هو شباب منفتح في السلوك و المعاملة. إنه بالمحصلة نتاجٌ إنساني وجب أن يستقيم سلوكه بالتشبع العقلاني بسمو الاعتدال و نبذ العنف ومواجهة الإقصاء و التمييز ، مع رفض الغلو و التكفير و المساهمة في إحقاق العدالة الاجتماعية و المجالية و التشبث بمبدأ المواطنة الدستورية.
إن مضمون الرسالة الملكية السامية يستدعي شحذ هِمَم الشباب قصد الانخراط الشجاع و المثمر في تغيير وضع لم يعد مقبولا استمراره ، و تستلزم العمل الجماعي الفعال لإحقاق الصعود المنشود، وربح معركة الوحدة الترابية وكسب رهان التنمية المتوازنة، وترسيخ الديمقراطية التشاركية في إنجاز المشروع التنموي المنشود.
هذا الانخراط الشبابي وجب أن ينطلق من الحسم في الاختيار، و الإعتماد على عملية المعرفة والاجتهاد ، مع الالتزام المسؤول والمحاسبة والمكاشفة . إذ لابد من القطع مع مظاهر التسيب والسلبية والتزمت والانغلاق و العدمية و الاسترزاق من خلال السمو بالمدلول الوطني النبيل للحوار الوطني حول المشروع التنموي المنشود الذي يتخلى عن الاتكالية المقيتة والفردانية الأنانية لينصهر في ضمير جمعي واحد قصد استكمال بناء دولة المواطنة و إحقاق مبدأ المواطنة الدستورية.
و ذاك ما سيجعل من الشباب المغربي جيل المستقبل ، جيل الارتقاء نحو حياة أفضل ، جيل تواق للحرية و المسؤولية و المحاسبة مسعاه تحويل الإحباط و الفشل و الألم إلى دافعة نفسية إيجابية نحو سبيل الابداع الإنساني المتنور.
إن الديمقراطية التشاركية ينطلق حوارهامنالفكر و الثقافة أولا ، و إذ نحن أخطأنا في الممارسة السليمة فحتما ستكون النتيجة من أخت الفشل . كما أن غاية الديمقراطية المفيدة و فلسفتها العتيدة تجعل من قوة الدولة و هيبتها أعمق آلياتها الاستراتيجية .
ويمكن الجزم بأن الوضع الراهن بجميع تمظهراته و جميع أفراحه و خيباته ، يدفع كل عاقل لبيب نحو صدق المكاشفة و وضوح التحليل ، لأن إنجاز المشروع التنموي المغربي المنشود يجد ركيزته الأساسية في صناعة الاستثناء الثقافي و جعل الشباب المحرك الأساسي للإنماء الفعال ؛من خلال المضي قدما في معركة التحديث و الحداثة ، معركة العصرنة و المعاصرة ، معركة الحاضر من أجل المستقبل ، معركة تغيير العقليات.
لأن الشعوب تبلغ مقام التحضر و تصنع حضارتها المتميزة بحفظ نظامها و المعرفة و التعلم ، و ليس بالفوضى والتسيب و التواكل ، فلم و لن نعلم عن تجارب صعود دول بلغت مراميها في التقدم دون نجاح المنظومة التعليمية في ضمان العقل السليم، و دون تمكن المخطط الصحي من ضمان الجسم السليم . فمن شروط تحقيق التنمية ارتفاع مردودية التعليم و الصحة بشكل يزيد من إمكانية ارتقاء العنصر البشري ، و بين هاتين العجلتين يستمر حصان الاقتصاد في إثبات مدى قوة جرِّه للعربة قصد بلوغ الأهداف المأمولة من رفع تحدي عشرية الصعود.
ثلاث مؤشرات علمية نستحضرها من بين أخرى بكل تبسيط ، ثلاث مؤشرات تساعد من يبحثون في الأمر على إدراك مسار التنمية الشاملة . و لا يمكن لأثنين أن يختلفا حول تدني الحصيلة الميدانية للإدارة المغربية و كذلك تعثر المنظومة الحزبية في توفير جهاز تنفيذي فعال في إنجاز التوجهات الإستراتيجية المتطورة للدولة المغربية.
كما أن استكمال إصلاح منظومة العدالة و القضاء يعني توفير حماية قوية لسيادة القانون و سمو قاعدته و حسن تطبيقه بكل نزاهة وحياد ، فالتشبث بدولة المؤسسات يفرض وجود هذه السلطة القضائية المستقلة و التي تعمل وفق مبدأ " توازن السلط المتعاون" و تدرك أن هيبة هذه المؤسسة الدستورية هي من هيبة الدولة المغربية .
من كل ما سبق نسترسل في التأكيد على أن صناعة الاستثناء الثقافي يشكل المدخل الأساس لتثبيت التحول الديمقراطي المنطلق منذ المصادقة الشعبية على التعاقد الدستوري، هذا العقد الاجتماعي الذي يرسخ رؤية مغرب منفتح و متعدد.إنه دستور 2011 الذي يتمثل في هندسته مغرب المواطنة و تكريس المساواة بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الانتماء اللغوي أو الفئوي أو المجالي أو الديني. مغرب نتساوى أمام سمو قانونه من حيث الحقوق والواجبات، فصناعة الاستثناء الثقافي تشكل المدخل العقلاني لإفراز المشروع التنموي المنشود .
و نختم بالتذكير بما سبق أن نبه إليه جلالة الملك محمد السادس في فقرة من رسالة ملكية سامية سابقة سنة 2016 : " ليس غريبا إذن أن يجد تطلعنا المشترك إلى العدالة الاجتماعية الذي ما فتئت أجسده قولا وفعلا بشكل متواتر، والذي تم التعبير عنه أيضا بأشكال مختلفة من طرف فئات مجتمعية وفاعلين سياسيين ومدنيين متعددين، ترجمته الواضحة، غير القابلة للبس، في تصدير دستور بلادنا الذي يكرس اختيار المملكة الذي لا رجعة فيه، في إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة ".