الجمعة 3 مايو 2024
سياسة

حكيم قرمان: هذه ثلاث مقاربات لتفسير خرجة إسماعيل العلوي الأخيرة

حكيم قرمان: هذه ثلاث مقاربات لتفسير خرجة إسماعيل العلوي الأخيرة الباحث حكيم قرمان (يسارا) وإسماعيل العلوي

في إطار مواكبة ردود الفعل التي تركتها التصريحات الأخيرة لإسماعيل العلوي، القيادي بحزب التقدم والاشتراكية، والتي اعتبر فيها أن النخب السياسية التي تربت في أحضان الاستفادة والريع أصبحت هي صاحبة القرار وقادرة على تهديد المؤسسات في سبيل الدفاع عن مصالحها، اتصلت "أنفاس بريس" بحكيم قرمان، باحث في علم السياسة، من أجل قراءته للموضوع الذي أشار في البداية بأن خرجة إسماعيل العلوي الأخيرة تحتمل ثلاث مقاربات :

- المقاربة الأولى:

إذا خاطبنا إسماعيل العلوي بصفته كرئيس للحزب، فأنا أطرح عليه سؤالا بسيطا: إذا كنت ترى بأنه إذا لم تساير الدولة تصوراتك، فضمنيا أنت تهددها بأن الذين استفادوا من الريع يستطيعون الانقلاب على المؤسسات، وبالتالي فلماذا اليوم فقط الذي تتكلم فيه بمثل هذا الكلام؟ وأين كنت من قبل، وأنت الرجل الحكيم والعارف بالسياسة وتحملت المسؤولية في مجموعة من لمواقف؟ علاش سكتت ذات زمان لأنه كان فيه كلشي زوين، أما اليوم تخرج عن صمتك وقد وقع ما وقع وتم فضح الحزب بعد محاكمته في قضية الحسيمة.

- المقاربة الثانية:

تتعلق في أن اسماعيل العلوي رجل يتكلم بثقة في النفس، وكأنه هو وحده الذي يتوفر على التحليل المنطقي والصحيح، بينما يشهد الواقع أن قراراته الأخيرة قبل سنة أو ستة أشهر على الأقل، كانت كل مواقفه فيها عبارة عن متناقضات، ويمكن أن أعطي أمثلة واضحة على ذلك: فقد خرج في وقت قريب وقال أمام لجنته المركزية إنه تلقى رسائل من الجهات العليا تدعو إلى الدخول والبقاء في الحكومة، لكنه في حوار آخر مع منبر إعلامي قال بالحرف: "أنا لم أقل شيئا، ولم أبلغ شيئا، بل أنا ليس لي أي موقع في الحزب".. وهكذا فإن مثل هذا الموقف المتناقض للعلوي لا يمكن إلا أن أعطيه توصيفا خاصا، فهو ناتج عن انحطاط الخطاب السياسي وأزمة الفاعل الحزبي بصفة عامة في المغرب، وأيضا غياب الرؤيا وغياب المنطق وغياب أي تصور للمجتمع حالا ومستقبلا.. ودعنا نعكس الآية: إذا كان إسماعيل العلوي يهدد الدولة ويقول إذا ما وقع تغيير من شأنه أن يمس مصالح أصحاب الريع، فهؤلاء سينقلبون على المؤسسات، فأنا أقول له بنفس المنطق المعكوس: إنك تمارس نفس الضغط على الدولة، لأنك ربما تنتمي لهذه الفئة من أصحاب الريع والمصالح.

- المقاربة الثالثة:

وهي بيت القصيد، فلأننا في إطار نقاش منهجي لتحديد المسؤوليات نريد أن نعرف ما هو وضع سي اسماعيل تحديدا؟ فتارة يقول بأن ليس له أي موقع في الحزب وهو مجرد مناضل بسيط فيه، وتارة نجده يخاطب الملك ويخاطب المؤسسات والحكومة ويدعي بأن البيجيدي هو وسط اليسار.. والمهم أنه في خرجاته الكثيرة نسجل بأنه يظهر وكأنه الصوت الأساسي في الحزب.. وإذا كان كما يزعم ليس له موقع في الحزب، فما محل كل هذه الخرجات التي يقوم بها في كل وقت وحين من الإعراب، وما هو مغزاها؟ خاصة وأن الوضع الذي يوجد عليه الحزب هو وضع مؤسف.. واسمح لي أن أعرض مرة أخرى بعض الأمثلة لذلك: كيف وافق اسماعيل العلوي بكل صفاته التي ذكرنا خلال المؤتمر الوطني الأخير للحزب على ما مورس في هذا المؤتمر من أبشع صور التزييف والتزوير لإرادة المناضلين، حيث تم تشكيل لجنة مركزية هلامية يفوق عدد أعضائها اللجنة المركزية للصين الشعبية!؟ وأيضا تم تشكيل مكتب سياسي عن طريق "التعيين" وفق لائحة كانت في جيب نبيل بن عبد الله ومكتوبة بخط يده، ووزعوها على منسقي الفروع الذين أتوا بأوراق معبأة سلفا، ووضعوها في الصناديق، وأوهموا الناس على أن هنالك عملية تصويت فعلية، لكن ذلك غير صحيح.. والدليل هو أنه "طلعت" في النهاية تلك اللائحة نفسها التي كانت في جيب بن عبد الله بأسمائها دون زيادة أو نقصان!!، وهكذا فعملية تزوير أشغال المؤتمر الأخير للحزب ترتب عنها أسماء الوزراء الذين عينوا في الحكومة خلفا للمقالين، بل وبمعنى آخر، فكل ما جاء كنتائج بعد المؤتمر سنعتبرها مزورة تبعا للقاعدة الفقهية التي تقول ما بني على باطل فهو باطل.. من هنا نستنتج إذن أن كل ممارسات إسماعيل العلوي خلال التجربة الحكومية الأخيرة هي ممارسات حزبية باطلة، وهو يدعي ويعطي الدروس للدولة في الدمقرطة والحداثة؟! ويحذر الدولة من الانحراف، ويحذر المؤسسات من أنها ستسد القوس للإسلاميين، وكأنه إسلامي ونحن لا علم لنا بذلك؟! والغريب أننا نعرف بأن له مرجعية وله تاريخ مستقل إديولوجيا وفكريا، وأنه مهما كان الخلاف أو الاختلاف مع وجهات نظر في الدولة فهذا لا يعني أن يصبح اسماعيل العلوي ناطقا رسميا باسم حزب آخر له مرجعية أخرى، الذي ربما تحالفت معه من أجل مصلحة البلاد في هذه المرحلة، لكن هذا لا يخول لك الحق يا سي اسماعيل في أن تخون ذاكرة الشهداء، وتخون ذاكرة مسار ثمانية عقود من نضال أجيال مختلفة من التقدميين واليساريين، وتبيعهم في المزاد للعدالة والتنمية، لمجرد أن هذا الحزب منحك حقائب معينة استفاد منها الأقارب بالأساس، ولم يستفد منها المناضلون.