الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: قبر فارغ لرجل حلم بقصور في الرمل!

عبد الحميد جماهري: قبر فارغ لرجل حلم بقصور في الرمل!

من سوء حظنا أن الانفصال لا يموت بالضرورة مع صاحبه، لا سيما عندما يكون جزءًا من مخطط استراتيجي استطاع البقاء بعد نهاية حرب باردة وسلام مسلح وفترة انقلاب استراتيجي.…

لقد كانت أمامه أزيد من 12 فرصة، بعدد المرات التي تولى فيها قيادة البوليزاريو، ليثبت بأنه يملك تقديرا آخر غير التقدير الجزائري لملف الصحراء، لكنها كانت كلها فرصا ضائعة استهلكت 40 سنة من الفكرة الانفصالية، و40 سنة من عمره »السياسي والعسكري» في خدمة مخطط سابق عليه!
ومن سوء الحظ أيضا أن التدبير الجزائري للملف، جعله غير مستقل أصلا في قراره، حتى أصبح مطلب تحريره من قرار المرادية والمخابرات العسكرية، سابقا ربما ، إن لم يكن مدخلا لمطالبته بتحريره من فكرة …الانفصال.
هو ذا المأزق الذي سقطت فيه الحركة التي أطلقها المصطفى السيد.
ومن مكر الصدف أن الرحيل الذي تم في أمريكا، يعطي نهاية بطعم ماكر وساخر لمسيرة الرجل وفكرته الانفصالية.
لقد بدأت الفكرة، بطرح ثوري، في مخاض الصراع مع السلطة، وكان الذين يؤمنون بالبؤرة الثورية يعتبرون الحركة جزءا من مد ثوري ضد نظام »لا وطني، لا شعبي، لا ديموقراطي» حسب أناجيل الثورة الستينية والسبعينية.
وعليه كان الذين يعرفون الوجه الآخر للقضية، باعتبارها تصفية استعمار إسباني كان قد قسم المغرب شمالا وجنوبا، ينبهون إلى مأزق الفكرة الثورية وهي تضع تشي غيفارا، صاحب نظرية البؤر الحمراء المتنقلة، في خدمة … فرانكو الذي سهر على تهييء بنيات بشرية وعسكرية لفائدة «الاستقلال».
الفكرة نفسها التي انحرفت عن مسارها الذي من أجله كانت جبهة تحرير الساقية الحمراء، تنتهي في أحضان أمريكا..
كما لو أن فكرة مثل تقرير المصير التي بها كانت الشعوب تفلت من ربقة الامبريالية، تنتهي في أحضان أمريكا ،بدعم من لوبيات أمريكية تغرف من استراتيجيات تقليص الشعوب في أفكار قزمة مثل الانفصال!!
لقد عادت حشود وافرة من مؤسسي البوليزاريو، واقتنع جيلان على الأقل بأفقها المسدود، وضاع التاريخ الثوري في وصفة انشقاقية، كما أن الخارطة التي رسمها الثوار سرعان ما دخلت الغرف المغلقة للقادة العسكريين في الدولة الجزائرية، الباحثين عن طريق إلى البحر وسط الرمال، غرب بلادهم!
طوال سنوات عبد العزيز المراكشي تم امتحان الكثير من الأفكار ومن المشاريع:
فكرة المغرب الكبير ظلت معلقة، وفكرة الدولة الوطنية المستقلة والديمقراطية مازالت توسع من هامشها في تاريخ يتقلب بين مخططات من هنا ومخططات من هناك، وتم امتحان الحرب الأهلية، وانهيار الأنظمة غير القادرة على الخروج من الأفق المسدود.. ولنا أن نتأمل قدرة فكرة غير تاريخية على أن يكون لها حضور سياسي في أربعة عقود، فكرة تتأصل خارج أهلها، بتحولات الأجيال التي ملأت معسكراتها… طوال هذه المدة.
إن الفكرة التي حلقت بخيال أجيال وانحرفت، انتهت إلى مسألة جنائية عبر السرقات التي مست الخبز..!
يا إلهي بعد أن حاول تحويل غيفارا إلى خادم لدى فرانكو، ثم لينين في خدمة أمريكا، تنتهي القصة كلها بسرقة موصوفة برعاية دولة ذات سيادة اسمها الدولة الجزائرية..
ماذا لو يطرح تقرير المصير على كل شعوب المغرب الكبير، هل تتحمل الدولة الجزائرية كنظام، نتائج هذا الاستفتاء؟…
لقد رحل عبد العزيز، وأرادوا دفنه لتستمر الأسطورة الواهمة، والقبر الآن فارغ حتما، لسبب بسيط، لأنه في أرض لا يملكها..!
ومن لا أرض له، لا قبر له!