Monday 5 May 2025
مجتمع

سجن العرجات يشرع أبوابه للصحافيين، وغرفة للسجناء من أسرة واحدة

سجن العرجات يشرع أبوابه للصحافيين، وغرفة للسجناء من أسرة واحدة

ببزته شبه العسكرية افتتح خالد، أحد حراس السجن، اليوم التواصلي الذي نظمته المندوبية العامة لإدارة السجون، قرأ قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، ففي الساحة الرئيسية للسجن المحلي العرجات 1 بسلا، تجمع العشرات من فعاليات المجتمع المدني، رفقة مسؤولين من الإدارة المركزية والجهوية، والمناسبة هي الاطلاع على مرافق هذا السجن الذي تم افتتاحه قبل أشهر قليلة، ضمن سياسة المندوبية التي تعتمد على المستوى الاستراتيجي تدشين عدد من السجون وفق معايير تحفظ إنسانية السجناء، وتحولها إلى فضاءات للتأهيل وإعادة الإدماج..

كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا من يوم الأربعاء فاتح يونيو 2016، توقفت حافلة نقل الصحافيين على بعد أمتار قليلة من الباب الرئيسي لسجن العرجات، العرجات منطقة قروية تعد مدخل غابة المعمورة، هي قبلة ساكنة الرباط وسلا، باعتبارها متنفسا غابويا، كما أنها معبر المسافرين نحو شمال المغرب، اسمها يقترن بالشواء، لهذا سعت المصالح المختصة لدك سوقها الشعبي، والشروع في بناء سوق يليق بمنطقة العبور، لكن العرجات لم يعد اسمها يقترن فقط بروائح الشواء ونادي الرماية، بل انضافت إليها معلمة أخرى، هي السجن المحلي العرجات، فعلى بعد أقل من 500 متر، من "الشانطي"، يبرز برج للمراقبة، بلون ابيض ونوافذه المطلة على الجهات الأربع، وأسلاك شائكة تعلو أسواره العالية..

اصطفت فرقة للحراس خارج السجن تؤدي التحية الوطنية، وأمام السور العالي، الذي يعلوه العلم الوطني، كان الحارس الرئيسي يطل من شباك بالكاد ترى عينيه للاطلاع على من يقرع الباب، "هاذو مجموعة من الصحافيين، ضمن الوفد الزائر للسجن"، يقول الزميل محمد الرسمي، المكلف بالتواصل الإعلامي داخل المندوبية العامة لإدارة السجون، يحدق الحارس طويلا في بعض الأوجه، ويبدو أن كاميرات التصوير، ضغط على زر المكالمة عبر جهاز "طالكي والكي"، وأعطى رمزا معينا لمدير السجن المحلي، "حول، البرقية وصلت، مسموح الدخول"، كان هذا أول حاجز حديدي للمرور، حيث يقف رجال أشداء، تعددت الحواجز الحديدية والبشرية حتى وصلنا إلى الساحة الرئيسية، فعلى مساحة بضع هكتارات يقع السجن المصنف ضمن السجون الحديثة، بطاقة تسع 1200 سجين من الجنسين، وفي أفق الملء، فهو اليوم يتوفر على 284 سجينا من بينهم 50 سجينة، محكومين بين 6 أشهر و10 سنوات، تم استقدامهم من السجون القريبة، "هذا السجن يعد موافقا للمعايير الدولية للسجون من حيث عدد النزلاء في المتر المربع، مما يحافظ على أنسنة الفضاء السجني ويحفظ كرامتهم"، يقول خالد المانع، مدير السجن المحلي العرجات، في لقاء مع "أنفاس بريس".. خالد شاب في الأربعينيات من عمره، تولى مهمة الإدارة وهو يتسلح بتجربة إدارية مماثلة في سجن أزرو، ومع ذلك بدا التوتر على حركاته، وهو يحاول التواصل مع الإعلاميين، وفي نفس الوقت ينسق مع طاقم إدارته لإنجاح هذا اليوم التواصلي، فأي خطأ بسيط قد يكون له ما بعده، تم توزيع العشرات من الحراس، بعد أن تم استقدام مجموعة منهم من خارج السجن، في الممرات وقرب الزنازن والمصالح الطبية، هم من الجنسين معا، مادام أن الزيارة شملت كذلك سجن النساء، كانت الحيطان حديثة الصباغة، وآثار تنظيف الممرات والمرافق واضحة، ومع كل تحرك جماعي أو فردي كانت العيون تترصد، وفوق ذلك كاميرات المراقبة في كل الأركان..

من المصحة، إلى الطبيبة العامة وطبيبة الأسنان، إلى الأخصائي النفسي، إلى المطبخ إلى الصيدلية مرورا عبر قاعة الزيارة وجهاز التفتيش الآلي، وملعب كرة القدم.. كانت الشروحات تعطى للزائرين، وكان الموضوع الرئيسي هو أن كلمة الاكتظاظ ليست مقترنة بهذا السجن الحديث، فالزنان لا تتعدى 8 نزلاء، إلى جانب زنانزن اتفرادية وغرف مزدوجة، لمن تربطهما علاقة أسرية أو عائلية، غير أن الجناح الذي توقف عنده الكثير هو  "النساء المرفقات بأبنائهن"، هو عبارة عن ممر بثلاث غرف، كل واحدة تضم 6 أسرة للأمهات السجينات وعدد مماثل من أسرة أولادهن، حيث كان أحد الرضع، يلعب بيديه ورجليه، استأثر باهتمام الزوار، غرف تحترم شروط التهوية وأشعة الشمس، بمرحاض ودوشين، أما أبواب هذه الغرف رغم أنها حديدية فإن طلائها كان يوحي وكأنها مصنوعة من الخشب، وتتشدد المعايير الدولية في حفظ كرامة ووضعية الأمهات السجينات رفقة الرضع، وفي آخر الممر، خصصت قاعة كبرى، تحمل اسم روض الأطفال، يسهر عليها مربيات، حيث تم تجهيزها بمجموعة من الألعاب لأطفال لايتعدى أعمارهم الأربع سنوات، وهي السن التي اعتمدها مشروع مسودة قانون السجون بالمغرب في الوقت الذي تتحدث فيه المعايير الدولية عن سن 3 سنوات، كحد أقصى لبقاء الطفل مع والدته في السجن..

ولأن التغذية تعد معيارا مهما من معايير السجون، ومدى احترامها للكرامة، فقد تم تفويت صفقة التغذية بهذا السجن، لشركة تابعة لمجموعة "رحال"، يقودها طاقم مهني في الطبخ برئاسة الشاف مريم العسري، رفقة مساعدين من نفس الشركة، كما يسعدهم 8 سجناء طباخين، تؤدى أجور عملهم، ويمنحون شهادة الطبخ في فترة معينة تخول لهم الاندماج بعد الإفراج، وحسب مسؤولة الطبخ بهذا السجن، فإن خوصصة هذا القطاع، جعل من التغذية تتحسن، وتخفف الضغط على المصالح الإدارية، حيث يبقى الإشراف والتأكد من الجودة ومراعاة الحالات الصحية الخاصة للسجناء، ضمن مهام فريق مختص..

ومن روائح المطبخ المجهز بأحدث التجهيزات، كان صياح لاعبين لكرة القدم خلال مباراة جمعت قدماء الجمعية الرياضية السلاوية، مع فريق للسجناء، تجري أطوارها تحت أنظار الحراس، وهو ما يشكل تجليا للحق في الترفيه وممارسة الرياضة، لتختتم الزيارة بحفل فني على أنغام أغاني ناظم الغزالي، وهو ينشد شعرا لإيليا أبو ماضي:

 أيّ شيء في العيد أهدي إليك   يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟

أسوار؟ أم دملجا من نضار؟     لا أحبّ القيود في معصميك..

وكأنها رسالة للنزلاء والنزيلات على رمزية القيود في المعاصم..