الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

د. رشيد يحياوي: منة ترامب على فلسطين

د. رشيد يحياوي: منة ترامب على فلسطين د.رشيد يحياوي

مرة أخرى يعزل المجتمع الدولي ترامب و يوجه له صفعة نوعية من خلال الاصطفاف إلى جانب الموقف الفلسطيني، و هو الذي اختار أن ينحاز إلى صف إسرائيل عبر كل الطرق باستعمال الفيتو و تحدي العالم بأسره.

هذا الإنكسار الأمريكي تجلى في تصويت الجمعية العامة بمعارضة 128 دولة لمشروع، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس و تأييد 9 و امتناع 35 دولة عن التصويت.

  فبرغم التهديد الأمريكي بوقف الدعم المادي للدول المعارضة للقرار انتفضت معظمها في وجه الإدارة الأمريكية. و عبر ممثلوها عن صرح ممثل فنزويلا بأن العالم ليس للبيع. هذا التصويت و إن لم تكن له صبغة إلزامية قانونيا، إلا أنه يعتبر على الأقل انتصارا للحقوق الفلسطينية و قد حمل عدة دلالات، من بينها:

 1- التصويت وضع حدا للهيمنة المعنوية لإدارة أمريكا وأصحابها و كان بمثابة صفعة.

2- تعبير عن عدم الثقة بترامب و سياسته المتهورة

3- كسب تأييد حلفاء أمريكا للموقف الفلسطيني.

4- خيبة أمل إسرائيل

فرغم أن إسرائيل ضغطت بشدة على شركائها، إلا أنها لم تحصل حتى على أصوات بعض منها كدول أوربا الشرقية و إفريقيا بحكم العلاقات القوية التي تربطها بها.

5- ولو أن القرار غير ملزم و ليس له وقع قانوني إلا أنه يكتسي أهمية سياسية بحيث أنه يدعو أمريكا لسحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، و يؤكد أنها لم تعد ذات ثقة من اجل الوساطة في حل مشكلة فلسطين. 

6- التصويت كان أيضا ضد النظام العالمي الذي كانت أمريكا دائما ما تتحكم فيه، و تحشر أنفها في كل قضايا العالم من خلال الرغبة الملحة و المستمرة في الهيمنة على سياسة و مجال العالم برمته.

إن نهج أمريكا لم يتغير اتجاه قضايا العالم و خاصة اتجاه فلسطين بحيث أنها كانت دائما تميل إلى إسرائيل، إلا أن الأسلوب هو الذي تغير مع ترامب. فهذا الأخير يريد أن يقول أنني التزمت في حملتي الانتخابية  بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس و ها أناذا أوفي بعهدي.

 فتماما كما هو الشأن بالنسبة في مسألة إيران، فترامب لم يهاجمها ولن يغامر بفعل ذلك بل اكتفى بإعلان إلغاء الاتفاق النووي معها و لم يزد شيئا على ذلك. أوفى بعهده أيضا لمنتخبيه و فقط، ولا يهمه ماذا بعد. وبالنسبة للقدس، فهو (أي ترامب) قد اعترف بها عاصمة لبني إسرائيل و لا يهمه فيما بعد هل ستنقل سفارة بلده إليها ام لا. و في تقديرنا أنه لن يتم نقل للسفارة الأمريكية إلى القدس أو على الأقل لن يتم ذلك قبل انتهاء ولاية ترامب.

الواقع أن هناك معادلة جديدة أصبحت مفروضة و هي أن تصويت الجمعية العامة و قبلها الأمم المتحدة رسالة مباشرة لأمريكا مفادها أن المجتمع الدولي يستطيع أن يوازن شؤون العالم إلى حد كبير دون تدخل أمريكا.

روسيا و دول أوربا صوتت لمشروع قرار الجمعية الدولية، وهذا مكسب دبلوماسي مهم ضد قرار ترامب.

الأوروبيون كانوا قد جاهروا بمواقفهم ضد شعبوية ترامبو أكدوا ذلك في التصويت ضده. أما بالنسبة للعرب فقد أحرجوا بنتيجة هذا التصويت وذلك بعد أن اعتبر بعضهم القضية الفلسطينية مسألة هامشية.

فبعد الرقصة المشهورة بالسيف، وعد ترامب حلفائه بإلحاق الهزيمة بمحورسوريا و إيران و روسيا و توجه نحو القدس و هو يعرف جيدا أنها بوصلة هذا المحور، و قد كان يعرف ردات الفعل القوية ضد فعلته، و رغم ذلك نفذ وعده. لكنه ألحق ضررا كبيرا بدور الدبلوماسية الأمريكية في الوساطة في شؤون العالم و فتح الباب على مصراعيه لمنافسه الروسي المتعطش للوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فموقف روسيا حول قرار ترامب و إن كان بطيئا مقارنة بمواقفه حول سوريا، إلا أنه كان مترقبا و غير بعيد. فالرغبة الروسية في الوساطة من أجل حل أزمة فلسطين انطلقت الآن بتنسيق مع الفلسطينيين أولا وعلى العرب أن يدعموها بشكل جدي و سريع وأن يلتفوا حول قضيتهم المركزية و ليست الهامشية كما صرح بعض خليجييهم أو كما يستخدمها أردوغان كبوابة للزعامة على العالم الإسلامي و كبديل عن أفول دور عرب  الخليج الذين لم يذهبوا لقمة العالم الإسلامي التي نظمها لكي لا يعطوه فرصة الانتشاء و الظفر بالريادة.

على كل حال فإن شبه إجماع دول العالم ضد قرار ترامب شكل خيبة أمل إسرائيلية في مقابل انتصار سياسي للفلسطينيين، مما أعاد الأمل و رد لقضية القدس الاعتبار من أجل حل عادل و تلك بعض من حسنات ترامب المتفرعن مثل سابقه في الغابرين فرعون مصر، حين قال له موسى عليه السلام:

"و تلك منة تمنها علي أن عبدت بني اسرائيل". فلو لم يطغ فرعون و يتجبر و يعبد بني إسرائيل لما حظي موسى عليه السلام بشرف مواجهته. و قياسا على ذلك، إن جاز، لو لم يتجبر ترامب على الفلسطينيين و يظلمهم بضم القدس لإسرائيل لما التف العالم إلى جانبهم و لما التفت إلى معاناتهم اليومية منذ زمن طويل. فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.