بعد الانفراج الذي عرفه ملف الأساتذة المتدربين، وبعد التوقيع على المحضر المشترك الأخير بين الأطراف المتدخلة ، بما فيهم الحكومة ، و النقابات، و التنسيقية الممثلة للأساتذة المتربين، و أطر المبادرة المدنية ، يوم 13 أبريل 2016 .
وبعد نتائج اللجنة الوظيفية المشتركة لتصفية الخلاف و صياغة الأجرأة و التفعيل . لا بد من الوقوف على موضوع الملف في كليته و سياقه و تفاعلاته ، لإبراز مجموعة من المؤشرات الأساسية ،والمعطيات ذات الصلة التي أطرته ، و الأخرى التي قد تربطه موضوعيا بملفات أخرى مرتقبة، قد تأخذ نفس المنحى ، أو قد تتجاوزه ...
كما نشير ، وفي نفس الموضوع ، أننا تطرقنا لهذا الملف في مقالات سابقة : ( ملف الأساتذة المتدربين و اللعب بالنار - .. وبعد الصحراء ، التعليم أيضا قضية وطنية ..- إلى أيم يمضي بنكيران بصراعاته ؟ ...) ... مقالات اعتبرها البعض هجوما على الحكومة و رئيسها ، واستنكروها ، و أوشك بعضهم بلوغ لغة التهديد ، و استفزني آخرون ... ولم يكن قصدي غير تحليل واقع الأمر بعيدا عن الديماغوجيا والمزايدة و المحاباة ، و رأفة بالحكومة و المؤسسات و الشعب و الوطن .
وهنا و الآن ، لا بد من الوقوف على المعطيات و المؤشرات التي تمت الإشارة إليها سالفا ، و الأخرى المتولدة عن كرونولوجيا الأحداث التي أطرت الملف:
- المرسومين منذ البداية لم يراعيا توقيت التنزيل ، و لم يتداركا الحسم القانوني و الفعلي لتاريخ إقراره وتنفيذه من قبل الحكومة التي غامرت في بداية الموسم الدراسي بذلك ، ولم تمهد لتمريره بالشكل الكافي وفق التواصل و الإستراتيجية اللازمة .
-الحكومة لم تعتبر السياق و الهشاشة التي تطبع قطاع التربية و التعليم ( العمومي و الخصوصي ) و المنظومة التربوية ككل ، و التي تمر حاليا من أكبر أزمة يعرفها التعليم بالمغرب ، من مدخلاته إلى مخرجاته ، مرورا و ارتباطا بأزمة التربية و القيم التي يعرفها العالم ككل . مع الإشارة و التنبيه إلى القنبلة الموقوتة التي يشكلها الخريجون المتزايد عددهم و الذين لم يجدوا بعد حسما لمسارهم المهني .
-التحولات التي يشهدها المجتمع و خصوصا الشباب ، في تحول و تغيير محاور و أساليب التعبئة ، إذ أصبحت المواقع الاجتماعية مكونا أساسا في إشراك و تشارك و تبني المواقف ووجهات النظر ، و استنساخ نماذج للنضال و الاحتجاج و التنسيق .
-هشاشة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي بالمغرب ، و في ظرفية تستدعي الكثير من الحكمة لتدبير القرارات الاجتماعية المتخذة .
-تعامل الحكومة مع الملف بشكل عاطفي و غير عقلاني ، وتبلور موقف عناد غريب اتجاه الحلول التي كانت مقترحة .
-ضعف تأثير الأحزاب و النقابات على الحركات الاحتجاجية ، وبروز التنسيقيات الخاصة بكل ملف أو فئة للمبادرة من أجل النضال وفق خصوصية الملف أو الفئة ، وهو ما يشكل خطورة بليغة على النقابات و الأحزاب . وقد سبقت مجموعة من التحركات التي قادتها تنسيقيات مستقلة ونجحت في تدبيرها نسبيا .
-الاستهتار بالتحركات و التظاهرات الشعبية و الفئوية و مجابهتها بالرفض و القمع المبالغ فيه ، مما قد يقود في أي لحظة إلى انفلات قد يصعب التحكم فيه ، خصوصا إذا قرأنا جيدا المشهد المغربي و الإقليمي ، و الكمون الذي لا زال يؤطر أو يأسر بعض المكونات السياسية ...
-التأخر في حسم الملف سيؤثر بالضرورة على جودة التكوين الخاص بأساتذة الغد، إذ سيتم في مجال زمني ضيق ، أمام ضغط نهاية الموسم ، وبداية موسم جديد يتسم بإكراهات تنزيل تدابير الرؤية الإستراتيجية للتعليم 2015/2030 و التي تجابهها بدورها صعوبات جمة ( مادية ولوجستية و مالية و بشرية و حتى إستراتيجية ) .
فإذا كانت هذه فقط ، رؤوس أقلام لمعطيات و مؤشرات مرتبطة بأزمة كادت تأخذ أبعادا و تفاعلات أكثر خطورة ، فإن العديد من الملفات الأخرى المشابهة و المرتبطة بتدبير الشأن العام بالمغرب لا تقل أهمية وحساسية قد تنسج سيناريوهات أخرى مغايرة سيصعب التحكم فيها و التنبؤ بسيروراتها ، إذا لم يتم التعامل معها باستباقية ، أو على الأقل في حينها ، ووفق المقاربة و الحكامة الملائمة .