الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: وطني ليس حقيبة للعابرين!

عبد الحميد جماهري: وطني ليس حقيبة للعابرين!

لا يليق بأي كان أن يجرب حيلة المنتحر، في حق بلاده، ثم يحاول أن يجعل من ذلك عقدة أو -أحيانا- عقيدة وطنية!

فالذي يحدث مع المسيرة الثانية في الرباط أن الكثيرين يعللون نفورهم من شعبهم لعدم الانتقاء، ايديولوجيا وبشريا وأخلاقيا، من يتظاهر ومن لا يتظاهر.

أولا في حق الدولة الدعوة أم لا للمسيرة:

- ننسى أحيانا أننا كنا بلدا مستعمرا، وننسى أحيانا كثيرة أن الحماية كانت بعطب في الدولة، وننسى أن من داخل الدولة، بل من داخل الملكية نفسها من ساعد الاستعمار على تبرير استعماره لنا (بن عرفة والباشوات الموروثين والقياد الخونة، وبعضهم حكمنا في الاستعمار وفي الاستقلال معها وقادة الجيش الإمبراطوريين في الهند الصينية… الخ)، ولهذا ارتبط صراع الاستقلال بصراع السيادة للدولة، حتى أن إدغار فور تفاجأ برد عبد الرحيم بوعبيد عندما رفض استقلالا لا يعيد بن يوسف إلى عرشه، واتهمه بعبادة الطوطم، كما في إفريقيا الجنوب!!!

ولهذا عندما تقوم الدولة بترشيد تاريخها والمساهمة فيه من باب الوطنية، علينا أن نصفق، بدون تمجيد وأن نسارع إلى أن نعترف بأنها لم تخرج عن ميثاق الوطنية الأول، السيادة والعرش معا!

كان الوطنيون والتقدميون الراديكاليون يتهمون النظام بأنه «لا وطني»، لأنه لم يكن يساير الإرادة الشعبية في التحرر وكان يسعف النظام الرأسمالي العالمي في تجاربه السلطوية في العالم الثالث: فهل يحسن بنا أن نتهمه بأنه وطني زيادة إذا هو انحاز إلي رغبة شعبه وقواه الوطنية في قضية الصحراء وفي المسيرة؟

أطرح السؤال لأني لا أجيد غيره، فقط!

الجماعة القوية تعلل رفضها الدخول في المنطق الوطني، لأنها مسبقا رافضة للدخول إلى المنطق السياسي العام.

حقها الذي لا ينازعها فيه أحد، واستقلالية، في الوهم أو في الحلم، لها أن تقرر، لكن من الضروري أن نسألها: هل يمكن أن نفكر بنفس العقل بدون التمييز بين الوطن والبرلمان؟ هل يمكن أن نفكر أن عدم الدخول في المشروعية السياسية، يقتضي بالضرورة عدم الدخول، في المشروعية الوطنية؟ وكيف يمكن أن نفكر غدا معا إذا لم يكن الوطن قاسمنا المشترك، وكيف نجعل الموقع السياسي متطابقا مع الموقع الوطني، وهل الخروج من السياسة المؤسساتية يقتضي الخروج من الوطن؟

لا أحد بملك الحق في الجواب سوى الذين وجدوا أعذارا لم نفهمها للخروج من المسيرة.

- هل يملك الوطن وحده الحق في التظاهر، ولا يملكه المواطن، وهل نفكر بالوطن مجردا من مواطنيه: بمعني كيف يكون الشارع مفتوحا للمتظاهرين للوطن ويغلق في وجه المتظاهرين للمواطنين؟

أعتقد أن السؤال رغم منطقيته يبقى منطقيا لكنه غير معقول: الوطن لا يقارن بمواطنيه، والفارق بالضبط بينهما هو السياسة، عندما تنحاز للزمن.. وليس من حق الدولة أن تمنع المواطن من التظاهر، كما لا يمكن أن يمنعنا أي أحد من التظاهر للوطن لأن الدولة عاجزة عن الفهم وعاجزة عن الديموقراطية.

ويمكن أن يتعلل الذي لا يقيم للوطن وزنا في سلوكه السياسي، بل من يجد ألف مبرر للقاء الأعداء، بهذا الأمر يمكن أن نجد مبررا لكي نعانق الانفصاليين ولا نجد سببا واحدا لنخرج في مسيرة إلى جانب الوطن..

يمكن أن نجد ألف مبرر لنكسر «الطابو» الخاص بالبوليزاريو، ويمكن أن ننام وإياه في سرير واحد ولا نجد مبررا لكي نغادر سريرنا من أجل الوطن..

يمكن الكثير لنصاب بعطب في الوطنية، ولكن لنكن سليمين ونعلن الأشياء بمسمياتها ليحلو السجال!

يصعب أن يكون المنطق سليما في هذا ولكن مع ذلك، لا يمكن أن نكون متحررين في الابتعاد عن الوطن وغير متحررين في الاقتراب من أعدائه!

ولهذا يبدو أحيانا منطقيا أن نحرج الوطن ونعتقد بأننا نحرج الدولة!

كانت المعادلة منذ أول الاستقلال واحدة لدي الوطنيين: الوطن القوي لا يكون مغلقا على الأقوياء فقط، والوطن القوي هو الوطن الديموقراطي والوطن الصامد هو الذي يشكل أبناؤه جداره القوي، ولكنه الجدار الذي يتحرك!

- يمكن أن نترفع قليلا عن التظاهر مع جملة من المواطنين البسطاء والأميين، ونجد مبررا لكي نسخر «من المخزن»، يمكن تماما أن نفضل السخرية المرة على تعب الشمس والطريق والشعارات، لكن لم يسأل أي من الساخرين: كم من الوطنيين الذين قتلوا وعذبوا في العهد الاستعماري الأول ثم الثاني، كانوا أميين وبسطاء وعاديين مثل شجر السرو في الريف ومثل الأرز في الأطلس؟

يمكن أن نقول لهم: اتركوا لنا الفقراء والمهمشين ندافع معهم مع الوطن واختاروا منطقة ظليلة في المنطق الدولي لحفظ السلام منا، لكن لا تسخروا من خبزنا ومن بحرنا وهوائنا ومنا.. لأننا نحب الوطن بالكبد لا بمدونات السلوك القانوني في المجتمع الرخو لسادتكم!!

التظاهر؟، ماذا تقولون في الاتحاديين الذين اعدموا صبيحة عيد 1973، ولكن لما استشارهم عبد الرحيم، إلي جانب عمر بنجلون عن المشاركة في مجهودات الدفاع عن البلاد، طالبوه بالمشاركة وبقوة لأن البلاد كما قالوا ليست بلاد الحسن الثاني، الدول والملوك يرحلون ويبقى الوطن!

- الوطن ليس خارطة للتجريب، وليس مبررا لتخوين أي أحد يبحث عن سبيل أقل لحب البلاد، ربما بزيادة قليلة في العقل على حساب العاطفة.

لكن هل يمكن أن نترك الوطن لدولة ثم نستغرب: لماذا سرقت منا حبه الذي نريده لنا وحدنا؟

هل يمكن أن ننتحر ونقتل أحزابنا وجمعياتنا ونقاباتنا، ثم نقول: يا وطن انتظر حتى ننبعث من الرماد لنشعلها وطنية وثورة؟

هل نترك للبسطاء والطبقات الرثة جمرة في يدهم ثم بعد أن نرتدي القفازات نطلب منهم أن ينسحبوا لكي لا يشوشوا على وطنيتنا الأنيقة الجميلة المعطرة صباح الأحد؟

هذا الوطن لم نأخذ منه مناصب ولا أخدنا بقعا أرضية ولا أخذنا حظنا كاملا من التعليم أو من الصحة، ورثنا أمراضه وأتعابه وقساوته وجلاديه وقتلته و«فقصاته» المغربية السليمة الأصلية، ورثنا حزنه وفقره وبؤسه، واخترنا أبطاله وقادته الأبطال والقادة الأصليين والقادة الشهم والفقراء المناضلين والباعة المتجولين والعسس الليلي في الطرقات والمثقفين البوهيميين الذين يبكون عند منتصف الروح والليل سيان..

هذا الوطن الذي لا نضعه على طاولة التفاوض لا نتناقض معه!

اسمحوا سذاجتنا، واسمحوا نزعتنا الإصلاحية المرتعشة واسمحوا لنا جوعنا الثوري وقلة حيلنا في وطننا، ونريد أن نكون جنب الدولة في الدفاع عن الوطن لا جنبها في توزيع الثروات!