في انتظار توفر مزيد من المعطيات حول بيان وزراء الداخلية العرب المصنف لحزب الله منظمة «إرهابية»، لابد من الاحتراز بشدة في هذا الصدد، فنحن كحقوقيين لا يمكن أن نسمح بأي إرهاب كيفما كان نوعه أو نشرعن له، وكل أشكال العنف الذي يطال الأهداف غير العسكرية، ذلك الإرهاب الفكري الذي ينظر إلى حركة مقاومة الاستعمار والاستيطان، دولة ومؤسسات، والاعتداء على السيادة الوطنية كحركة إرهابية، لأن مقاومة العدو الاستعماري بجميع تلاوينه حق مشروع ولا يمكن لأي كان أن ينازع فيه.
لقد عانت حركات التحرر الوطنية من هذا الإرهاب الفكري واعتبرت حركات إرهابية، منذ بداية القرن الماضي.. وقد أتبتث التجربة أن خيار الكفاح المسلح كان مفروضا واختياريا حيث لا مناص من مواجهة العنف إلا بالعنف المشروع أو الثوري، حسب الأدبيات السياسية والفكرية التحررية والتقدمية، لذلك ينبغي إدانة كل موقف يروم تصنيف حزب الله إرهابيا فيما يخص كفاحه على جبهة مقاومة الحركة الصهيونية الاستيطانية في جنوب لبنان، ونقصد تلك المقاومة التي كانت تستهدف المصالح الحيوية لإسرائيل دون استهداف المدنيين العزل بالاغتيال العشوائي.
هذا موقف يقتضي الثبات على المبدأ الحرص على تأكيده والدفاع عنه بكل الوسائل، مادام لاستعمال العنف والسلاح ما يبرره ويشرعن له تجاه الكيان الصهيوني، لأن أي نقد أو نقض خارج هذه القاعدة سيضر بالمقاومة ويفتح إمكانية خدمة العدو أو النقيض التناحري المدان دوليا كمجرم حرب، مع تسجيل كامل التحفظات تجاه نسبية تعريف المقاومة وماذا تعنيه، باعتبار أن للحقوقيين تعريف خاص بالمقاومة.. وهذا يشترط حفظ الحق في المساءلة تجاه التصفيات الدموية التي استهدفت رجال الفكر والمقاومة التقدميين في بلاد الشام أو المنطقة، والاتهامات ذات الصلة في حق هذا الحزب وغيره من الحركات الدينية والمذهبية ومسؤولياته إزاء الانتهاكات الجسيمة، غير الدولتية، للحق في الحياة والحق في الاختلاف.
وهنا السياق لا يسمح ولا يبرر أية إدانة خارج محاكمة عادلة مؤسسة على قرينة البراءة، وهو موضوع ينبغي تفادي تخويله ذريعة لمهندسي المخطط الصهيوني الرامي إلى تدمير كل قلاع المقاومة والممانعة، وهذا يتطلب منا جميعا تخصيص مناظرات نقدية لثقافة التسويات والمساومات وكل وسائل التطبيع المسجلة والكمينة .
أما فيما يتعلق بمبررات وزراء الداخلية، فلا يمكننا سوى تقييم موقف المغرب وان اقتضى الأمر تقويمه، إن كان له موجب، خاصة وأن المسألة لم تكن محل نقاش وطني، خاصة وأن وزير الداخلية عضو في الحكومة تحت قيادة رئيس سياسي لأغلبية حزبية برلمانية، والذي مطلوب منه تمكين البرلمان من المعطيات المعللة والموجبة لاتخاذ الموقف. وهنا لا يمكن الاحتجاج بكون الموقف مستمد من «استراتيجية الأمن القومي» كمجال تبث أن الأحزاب السياسية، ما زالت تعتبره مجالا محفوظا لرئيس الدولة، والتي ينبغي رفع التماهي الحاصل فيها بالفصل بين الموقف السياسي وبين الإجراءات العملية التي يقتضي الأمر اتخاذها لمواجهة «الإرهاب» المزعوم.
فصحيح أن حزب الله، الذي اختار «المقاومة الإسلامية» شعارا له، أي الدين الإسلامي مرجعية له، ويوظف انتصاراته على العدو في ترتيب موقعه الداخلي ضمن الخريطة اللبنانية، كعضو في الحكومة ومكون أساسي فيها، إلى درجة أنه استراتيجيا يعمل في اتجاه تحويل لبنان إلى دولة حزب عن طريق أسلمة الشأن العام باسم المقاومة. لكن هذا يعد لحد الآن شأنا داخليا لا يخصنا بشكل واضح ومباشر، اللهم إذا كانت هناك معطيات خفية، بلغت من الدرجة حد تهديد أمننا القومي أو تفرضها التزامات الدولة المغربية تجاه «حلفائها».
لذلك فالحق في المعلومة، والحق في معرفة الحقيقة حق مشروع، بنفس قدر الحق في الأمن والدفاع عن الحدود والسيادة الوطنية وكذا الحق في مقاومة المستعمر، بغض النظر عن الحق في احترام الشعور الوطني والقومي للمغاربة ومشاعرهم.
من هنا لا مناص من الإسراع في تشكيل المجلس الأعلى للأمن مع توفير كل امكانية مرافقته بالرقابة المتطلبة ديموقراطيا .