أدلى الفنان رشيد الوالي بتصريح لأنباء اليوم المغربية بتاريخ 17 فبراير الجاري بخصوص رأيه في مقترح القانون القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 99.71 المتعلق بالفنان، الذي صادق عليه مؤخرا مجلس النواب بالإجماع.. وإن كنت أقر أن العنوان الذي أدرج تحته تصريح الفنان رشيد الوالي، لا علاقة له بمحتوى ما أدلى به.. لكن هذا لا يمنع من توضيح بعض ما جاء في موقفه، حتى ننير الرأي العام الفني والمغربي بشكل عام.
أولا: في الاعتراف
"هنيئا للفنان بهذا الاعتراف"
من الحقائق التي لا يمكن أن يختلف فيها مختلفان.. أن مقترح القانون الجديد لا علاقة له بمسألة الاعتراف.. لأن الاعتراف تم تجاوزه في نسخة 2003.. أما هذه النسخة فهي جد متقدمة ومتطورة بالمقارنة مع الأولى.. ربما في النسخة الأولى كان الهاجس الذي تحكم في مهندسيها.. هو الاعتراف بالصفة أولا وأن يكون للفنان المغربي قانون يؤطر مهنته ثانيا.. لكن هذه النسخة تجاوزت مسألة الاعتراف إلى التقنين والتنظيم.. وفتحت مداخل جد متقدمة بشهادة الفيديرالية الدولية للممثلين.. منها على سبيل الذكر لا الحصر.. المفاوضات الجماعية مثلا التي قد تبدو لغير العارفين مسألة ثانوية.. لكنها بالنسبة للمهتمين بالشأن النقابي تبقى مسألة جد مهمة.. لأنهم واعون بأهمية المفاوضات الجماعية التي تفرض على (الباطرونا) أو المنتجين المنفذين ـ وبقوة القانون ـ الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الهيئات التمثيلية للمهنيين قصد التوصل إلى اتفاقيات جماعية تحمي حقوق الفنان وتصون كرامته.. الشيء الذي لم يكن متاحا في النسخة السابقة مما كان يترك الباب مشرعا أمام للمنتجين المنفذين ليستغلوا المهنيين خاصة فناني الآداء كما شاء لهم فعل ذلك دون حسيب أو رقيب.
ثانيا: في الموديل
"كنظن واش ضروري ناخذوا الموديل ديال فرنسا؟"
لابد من التأكيد على حقيقة أساسية.. ذلك أن بلد موليير وعلى غرار العديد من دول العالم لم يخص الفنان بقانون خاص.. ففرنسا حسمت النقاش حول الوضعية القانونية للفنان واعتبرته أجيرا.. وبالتالي ألحقته بالقانون الاجتماعي/ قانون الشغل.. في حين خص المشرع المغربي الفنان بقانون خاص انسجاما مع ما نص عليه الدستور المغربي خاصة في المادة 26 حين أكد على تنظيم المجال الثقافي والفني بشكل مستقل عبر خصه بقانون خاص به.. كما هو الشأن بالنسبة للمجال الرياضي.
هذا القانون وعلى غير ما يعتقد الكثيرون.. لم يعتمد المشرع في صياغته فقط على المقاربة الفرنسية.. بل تجاوزها إلى العديد من المقاربات المتقدمة في هذا الشأن كالمقاربة الكندية التي خصت الفنان بقانون خاص.. إضافة إلى أنه ارتكن إلى ما يسمى في الفقه القانوني بالفقه المقارن.. بمعنى الاستفادة من التجارب العالمية واختيار الأحسن في الاجتهادات القانونية بما يستجيب وخصوصيات واقع الممارسة الفنية بالمغرب.. خاصة وأن مهندسي هذه النسخة هم في الأصل من أهل الفن وليسوا دخلاء عليه.. رغم أن مسألة تنظيم المجال الفني مرتبط بخصوصية المجال في حد ذاته كمجال ملفوف بالمخاطر أكثر مما هو مرتبط بخصوصية بلد ما.
ثالثا: في التعويض عن الشوماج
" الموديل الفرنسي ما نجاحش لأنه كيشجع على الشوماج اكثر ما كيشجع على حاجة اخرى"
أشرت في معرض تصريحك إلى أن النموذج الفرنسي يشجع على العطالة/ الشوماج أكثر مما يشجع على أشياء أخرى.. وهو قول للأسف الشديد عار من الصحة.. ذلك أن القانون الفرنسي حين اعتبر الفنان أجيرا وألحقه بالقانون الاجتماعي.. فقد منحه نفس الامتيازات التي يستفيد منها كل العمال والأجراء بما فيها التعويض عن فقدان الشغل.. أو ما سميته بالشوماج.. لكنه حصر هذا الحق في مدة زمنية محددة متى تجاوزها الفنان سحبت منه البطاقة المهنية.. وشطب عليه من قائمة الفنانين المحترفين.. ثم إن هذا التعويض الذي يستفيد منه الفنان العاطل مؤقتا عن العمل.. يدخل ضمن الاقتطاعات التي كانت تقتطع من أجره حين كان يشتغل.. وحين توقف عن العمل لأسباب ما.. منحه القانون الحق في الاستفادة من تلك الاقتطاعات.. كما هي الحالة في أنظمة التأمين الصحي.. عملا بالقاعدة التضامنية (الصحيح يخلص على المريض.. والخدام يخلص على اللي ماخدامش)..
رابعا: في الاشتغال والكسل
"اللي كيخدم راه غيبقى كيخدم واللي ما كيخدمش وكيتكاسل راه غيبقى دائما كيعاني من المشاكل..."
لا أحد ينكر أنك كنت ذكيا في تغييرك للقبعة التي عرفك بها الجمهور.. فقد عرفك ممثلا.. لكنك اخترت الآن قبعات أخرى.. خاصة قبعة المنتج.. وهذا اختيار محمود ومعروف في الدول التي تعتبر فيها السينما صناعة.. فأغلب الممثلين الأمريكيين مثلا هم مخرجون ومنتجون أيضا.. اختيارك لهذا الحل سبيل كفيل ليقيك مذلة طرق باب المنتجين والمخرجين بحثا عن دور ولو بأجر هزيل.. وبالتالي فإنك لن تشعر أبدا بمفهوم العطالة.. وموقعك الجديد يحقق لك لا محالة شرط الاجتهاد والبحث عن مشاريع إنتاجية جديدة.
غير أن الأمر جد مختلف بالنسبة لفناني الآداء الذين كنت يوما واحدا منهم.. فأنت أعلم من غيرك.. أن عمل فنان الآداء عمل موسمي.. يشتغل بالمناسبات كما الحال في الإنتاجات الدرامية الرمضانية.. التي لا يستفيد منها إلا القلة القليلة التي تفرضها مؤسسات الإشهار.. بل حتى الذي يعتبر نفسه اليوم مطلوبا في سوق الشغل.. قد يصبح غدا غير مرغوب فيه.. ولأنه غير محمي بقوانين تؤمن عطالته.. فقد يعيش نفس الوضعية الاجتماعية التي عاشها من كان مطلوبا قبله.. أو حتى من لم يشتغل أصلا.. فقد بينت التجارب أن نهاية جل الفنانين المغاربة.. غالبا ما تتشابه في مأساويتها.. إلا من كان محظوظا وظفر بمأذونية أو بهبة شهرية.
لهذا.. فالقانون الحالي في حالة تنزيله على مستوى القوانين التنظيمية بنفس الاجتهاد الذي عرفه هذا القانون.. فالأمر سيكون مختلفا جدا.. حينها لن يكون فنان الآداء مجبرا على تقديم التنازلات تلو التنازلات لفائدة المنتجين المنفذين للظفر بفرصة عمل.. بل سيصبح اجتهاده وعمله هما المعيار الوحيد الضامن لانخراطه في سوق الشغل بما يضمن له حقوقه وكرامته.. وحتى حين لا يشتغل.. فالقانون سيكون قد حصن عطالته.
خامسا: في مبدأ التضامن
"ذاك الشي اللي يمكن غادي يبقى يتخبى على الفنان وغيبدا يخلصه فليكونطرا...."
اسمح لي أن أوضح أمرا في غاية الأهمية.. في القانون الجديد.. لا شيء سيكون خفيا على الفنان.. فالمشرع كان واضحا في شأن الاقتطاعات ونص على اقتطاع نسبة 5% من أجرة الفنانين المغاربة.. ونسبة10% بالنسبة للفنانين الأجانب.. وعليه سيستفيد الفنان وتقني وإداري العروض الفنية وبوجب المادة 23 من مشروع القانون الجديد من جميع التشريعات المتعلقة بحوادث الشغل/ الضمان الاجتماعي/ التغطية الصحية الأساسية.. وستعمل الدولة على إحداث آلية لتمويل الخدمات الاجتماعية الخاصة بالفنانين.
كما أن الاجتهاد الذي ذهب إليه المشرع في اعتبار الفنان أجيرا.. سيمنحه الحق في أن تشمله نفس الحماية التي يخولها القانون للأجراء.. خاصة فيما يتعلق بحماية سلامته وصحته وكرامته أثناء قيامه بعمله.. ويقيه بعض السلوكات الشاذة كالتحرش الجنسي مثلا.. وهذا ما أكدته المادة 24 من مدونة الشغل حين نصت على أنه "يجب على المشغل بصفة عامة، أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، وكرامتهم. لدى قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته، وأن يسهر على مراعاة حسن السلوك والأخلاق الحميدة، وعلى استتباب الآداب العامة داخل المقاومة".
ناهيك عن العديد من الحقوق التي منحها المشرع للأجراء والتي ستكون موضوع مفاوضات جماعية بين الباطرونا والهيآت التمثيلية للمهنيين منها مثلا ساعات العمل القانونية.. الحد الأدنى للأجور.. حماية الأجر.. تشغيل الأحداث والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.. إضافة إلى التعويض عن فقدان الشغل وفق شروط خاصة جدا يمكن العودة إليها فيما بعد.
على سبيل الختام
لا أحد كان يمكن أن يجزم ومنذ أن تقدمت فرق الأغلبية النيابية بمشروع تعديل وتتميم القانون المتعلق بالفنان.. ان الإجماع سيكون حليفه داخل قبة البرلمان.. على الأقل إلى حدود اللحظة.. وذلك لاعتقادنا الخاطئ بجهل السياسي لخصوصية المجال الفني ولخطورته.. لكنه ومع توالي الأيام.. وجدنا أنفسنا أمام مفارقة غريبة.. ذلك أن السياسي ولأنه يتعامل مع الفن كظاهرة مستقلة عن ذاته.. ويقرؤها من الخارج.. استطاع أن يفهم بعض تناقضات المجال الفني مما جعله يقتنع بمقترح القانون ويدخل عليه تعديلات مهمة.. هذا الاقتناع سيتجسد عمليا في التصويت عليه بالأجماع وعلى مرحلتين.. مرحلة لجنة التعليم والثقافة والاتصال.. ومرحلة مجلس النواب.. في انتظار عرضه على مجلس المستشارين.
أما الفنان.. ولأنه ينظر للفن من الداخل.. ولا يتعمامل مع الفن كظاهرة مستقلة عن ذاته.. فإنه وعن غير وعي منه.. يقوم بإسقاط شخصيته وحالته وموقعه على الظاهرة الفنية لحظة مقاربته للقانون.. مما يحول دون فهمه لروح القانون وتمثله على الشكل الصحيح.
هذه المفارقة ستضعنا أمام سؤال مهم..
هل الفنان المغربي يكتسب فعلا الآليات التي تسمح له بالفهم الحقيقي للقانون وتمثل روحه.. أم أنه يبقى في حاجة إلى لقاءات تلو اللقاءات لفهم طبيعة المجال الذي يشتغل فيه وخصوصيته.. وبالتالي فهم.. خصوصية القانون المنظم له؟