إذا تتبعنا مسار طالب سيكون رجل قضاء في المستقبل، نجده قد زار مدرجات الكلية لتدوين المحاضرات القانونية إلى أن حصل على الإجازة، ثم نسخ مقرر امتحان ولوج السلك القضائي فحفظه بنهم بين ممرات الحدائق العمومية، فإن حالفه الحظ وجد نفسه في قاعة المعهد العالي للقضاء يستمع لدروس هي أقرب إلى ما ألفه في الجامعة منه إلى تدريب عملي، فيصبح هاجسه الأول أمام هذه الرتابة انصرام العامين ليلتحق بالمحكمة التي سيعين بها.
فكان من الأولى أن توضع معايير في اختيار المؤطِر ويُسن ّنظام إذعاني على المؤطَر، تراعى فيه وضع برامج تنصب على الجانب الإخلاقي للقاضي سواء في العمل أو خارجه واستشعاره بعظم المهمة وجعل هدفه الأول والأخير، تحقيق العدالة قبل تطبيق القانون مع تلقينه أبجديات المرفق العمومي واستراتيجية التدبير وكسر شوكة التكبر والأنا لديه، ليستشعر همّ الضعيف وأنين المظلوم ويتجرع مرارة الحقوق المغصوبة، ولا ننسى هنا جانب "الإيتيكت" من لباقة وفن التعامل في الملتقيات الدولية والوطنية بما فيها طريقة الأكل بالشوكة والسكين، لأنه سيُصبِح سفيرا لبلده وممثلا لها في الملتقيات الدولية، وعلى مستوى التدريب العملي لابد له من قضاء فترة بمحكمة النقض كأعلى هيئة قضائية ليعلم أن ما سيحرره من أحكام قضائية سيكون موضع تشريح علمي من طرف ثلة من قضاة هذا الهرم القانوني.
ولازلت أتذكر في إحدى اللقاءات مع وزير العدل، حول موضوع التكوين والتكوين المستمر، أعلن خلالها أن الوزارة خصصت ميزانية للمؤطرين، فاستبشر البعض خيرا بهذا الخبر، في حين كان ردي أن رابطة قضاة المغرب مستعدة لتقديم خدماتها مجانا للملحقين القضائيين من خلال دروس يلقيها قضاة متمرسين بمحكمة النقض، بما لهم من تجربة تفوق الثلاثين سنة في كل المواد القانونية، كمعروف منها ورد جميل لهذا البلد، وللإشارة وللتاريخ فالمداخلة لازالت مدونة لدى مقرر الجلسة تشهد أن هذه الجمعية حملت من بين أهدافها الرقي بقضاء المغرب لما يصبو إليه ملكه وشعبه، لأن الوطنية لم تكن يوما في التلقي والأخذ وإنما في العطاء والبذل والتضحية، لأن الوطنية أم مُرضع، والأنانية طفل رضيع لا يفطمه إلا الموت.