الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

بدر الصيلي: تشغيل الأجراء المعاقين والأجانب في ظل مدونة الشغل

بدر الصيلي: تشغيل الأجراء المعاقين والأجانب في ظل مدونة الشغل

من أهم المستجدات التي عرفتها مدونة الشعل، إيراد أحكام خاصة، تتعلق بتشغيل وحماية الأجراء المعاقين (نقطة أولى)، وكذا أحكام خاصة تتعلق بتشغيل وحماية الأجراء الأجانب.

- النقطة الأولى: تشغيل الأجراء المعاقين وحمايتهم

نشير بداية إلى أن من بين أهم المستجدات التي عرفتها مدونة الشغل، النص ولأول مرة في تاريخ قانون الشغل المغربي، على أحكام خاصة بتشغيل الأجراء المعاقين وحمايتهم. تترجم إرادة المشرع في الالتفات إلى هذه الفئة من الأجراء، التي سنحاول بإيجاز الوقوف عند شروط تشغيلها كما وضعتها مدونة الشغل (أولا) والوقوف عند المظاهر الحمائية لهذا التشغيل (ثانيا).

- أولا: شروط تشغيل الأجراء المعاقين:

تتعلق شروط تشغيل الأجراء المعاقين، بالمنع من كل تمييز في تشغيلهم بسبب الإعاقة وبضرورة التصريح بهم لدى مفتش الشغل من طرف المقاولة المشغلة، بالإضافة إلى خضوعهم للفحص الطبي المسبق، وللمراقبة الطبية الدورية.

- المنع من التمييز في التشغيل

إذا كان الأجير، ومن منطلق مبدأ الحرية في الشغل، له كامل الحرية في الاشتغال من عدمه، وإذا ما قرر الاشتغال، فهو حر في اختيار طبيعة ونوع العمل الذي يمارسه، فإن ذات المبدأ يسري على المشغل، حيث إنه حر في قبول أو عدم قبول، من يتقدمون للاشتغال عنده، مادام أن دوافع القبول أو الرفض مبنية على مجرد الاعتبارات المهنية، ومن هذا المنطلق ينص المشرع المغربي(1) على منع كل تمييز بين الأجراء بسبب الإعاقة، يكون من شأنه خرق أو تحريف مبدأ تكافؤ الفرص، أو عدم المعاملة بالمثل في ميدان الشغل، لاسيما فيما يتعلق بالاستخدام، وإدارة الشغل وتوزيعه، والأجر والترقية.

- المادة التاسعة من مدونة الشغل.

وبصفة عامة لا يمكن أن تكون الإعاقة سببا في التمييز بين الأجراء، في الاستفادة من الامتيازات الاجتماعية أو التدابير التأديبية، آو الفصل من الشغل، وكل مشغل خالف هذه الأحكام، يتعرض لعقوبة الغرامة من 15000 إلى 30000 درهم، وفي حالة العود تضاعف الغرامة(1).

بل إنه، وفي حالة ما إذا أصبح أجيرا معاقا لسبب من الأسباب، فإنه يحتفظ بمنصب شغله، ويسند إليه شغل يلائم نوع إعاقته، وذلك بعد إعادة تأهيله، اللهم إلا إذا تعذر ذلك لحدة الإعاقة، وهذا كله بعد أخذ رأي طبيب الشغل، أو لجنة السلامة وحفظ الصحة(2).

- التصريح بتشغيل المعاق

إذا كان يستوجب على كل شخص طبيعي أو اعتباري، يخضع لمقتضيات مدونة الشغل، يعتزم فتح مقاولة أو مؤسسة أو ورش، لكي يشغل فيه أجراء، أن يقدم تصريحا بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل، فإن مقتضيات مدونة الشغل، ألزمت هذا المشغل، بأن يقدم تصريحا مماثلا، في حالة ما إذا قرر تشغيل أجراء معاقين، وذلك حتى يكون عون التفتيش على علم بهذا التشغيل، وبالتالي القيام بواجبه المتعلق بمراقبة شروط وظروف تشغيلهم.

- الفحص الطبي والمراقبة الصحية

إذا كان المشرع المغربي، قد أقر بحق الأشخاص المعاقين في الشغل، فإنه ألزم أي مشغل يريد أن يشغلهم بضرورة عرضهم على الفحص الطبي، على إنه، يحق للعون المكلف بتفتيش الشغل، في أي وقت وحين، عرض جميع الأجراء المعاقين على طبيب بمستشفى تابع للوزارة المكلفة بالصحة العمومية، وذلك بهدف التحقق من أن الشغل الذي يعهد به إليهم، لا يفوق طاقتهم، أو لا يتناسب مع إعاقتهم، حيث يحق لمفتش الشغل الأمر بإعفاء أي أجير معاق من الشغل، بدون أي إخطار، إذا أبدى الطبيب رأيا مطابقا لراية، وأجرى عليهم فحص مضاد بطلب من ذويهم(3).

وبصفة عامة، يجب على كل مشغل يقوم بتشغيل أجراء معاقين، أن يحرص على توفير كل شروط الوقاية الصحية، والسلامة المهنية لهؤلاء، ويسهل شغلهم، خاصة من حيث تجهيز أماكن الشغل بالولوجيات اللازمة لتسهيل عملهم تحت طائلة التعرض لغرامة  مالية تتراوح ما بين 2000 إلى 5000 درهم.

المادة 12 من مدونة الشغل.

المادة 166 من نفس المدونة

المادة 144 م.ش.

- ثانيا: تنظيم شغل الأجراء المعاقين

لا تقف حماية المشرع المغربي، من خلال مدونة الشغل، للأجير المعاق عند تحديد شروط تشغيل، تضمن له عدم التمييز بسبب الإعاقة، والتصريح الخاص بتشغيله، وخضوعه للفحص الطبي قبل التشغيل، وإنما تمتد إلى الظروف التي ينفذ فيها الشغل، سواء من حيث نوعية وطبيعة الأعمال التي قد تناط به، أو من حيث حمايته من العمل الليلي، ومن الفصل بسبب إعاقته.

- الأعمال الممنوعة على الأجير المعاق

على غرار الأجراء الأحداث والنساء، تدخل المشرع المغربي، حماية لفئة الأجراء المعاقين، ومنع عليهم جملة من الأعمال، التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم إعاقتهم، أو تشكل خطورة على حياتهم.

وهكذا، يمنع تشغيل الأجراء المعاقين في أشغال قد تعرضهم لأضرار، أو تزيد من حدة إعاقتهم(1)، كما يمنع تشغيلهم في المقالع، وفي الأشغال الجوفية التي تؤدي إلى أغوار المناجم(2)، وفي جميع الأعمال التي قد تعيق نموهم، أو تساهم في تفاقم إعاقتهم، وهذا سواء كانت هذه الأعمال تؤدى على سطح الأرض، أو في جوفها(3)، وبصفة عامة، يمنع تشغيل الأجراء المعاقين في كل عمل من شأنه أن يشكل خطورة بالغة على حياتهم، أو يفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة ، حيث أحالت مدونة الشغل، تحديد لائحتها على نص تنظيمي(4).

- الشغل الليلي والراحة الأسبوعية

إذا كانت مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 172 من مدونة الشغل، تمنع على الأجراء الأحداث، دون سن السادسة عشر، الاشتغال ليلا، فان الفقرة الأولى من المادة 175 منها، تخول المشغل استثناء، إمكانية مخالفة حكم المادة 172، وبالتالي تشغيل الأجراء ليلا، ولو كان سنهم دون السادسة عشر، إذا اقتضى الأمر تفادي حوادث وشيكة الوقوع، أو تنظيم عمليات نجدة أو إصلاح خسائر لم تكن متوقعة، وهذا الاستثناء، لا يمكن مطلقا العمل به إذا كان الأجير معاقا(5).

المادة 167 من مدونة الشغل.

المادة 179 م.ش.

المادة 180 م.ش.

المادة 181 م.ش.

الفقرة الاخيرة من المادة 176 من م.ش.

أما بخصوص الراحة الأسبوعية، إذا كان يمكن وقفها في الحالات التي تبررها طبيعة نشاط المؤسسة، أو المواد المستعملة، أو إنجاز أشغال ذات صبغة استعجالية، أو زيادة غير عادية في حجم الشغل، فإن نظام وقف الراحة الأسبوعية لا يطبق على الأجراء المعاقين، وذلك في الأحوال التي يحددها نص تنظيمي(5).

- الحماية من الفصل بسبب الإعاقة

إمعانا في حماية الأجير المعاق، وفي حماية حقه في الاستقرار في شغله، نص المشرع المغربي صراحة، على أن الإعاقة لا تعد من المبررات المقبولة لاتخاذ عقوبة الفصل من الشغل، اللهم إلا إذا كانت تحول دون أداء الأجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة المشغلة، وهو الحكم الذي كرسته أيضا المادة 166 من المدونة، التي تنص على احتفاظ كل أجير أصبح معاقا، لسبب من الأسباب، بمنصب شغله، حيث يسند إليه شغل يلائم نوع إعاقته بعد إعادة تأهيله، اللهم إلا إذا تعذر ذلك لحدة الإعاقة، أو لطبيعة الشغل وذلك بعد اخذ رأي طبيب الشغل، أو لجنة السلامة وحفظ الصحة.

- النقطة الثانية: تشغيل الأجراء الأجانب

نشير إلى أن حرية الشخص في العمل، تعتبر من الحريات التي تتبناها الإعلانات والمواثيق الدولية، والتي تنص عليها كذلك دساتير العديد من الدول، فكل شخص حر في أن بجعل عمله في خدمة شخص آخر، وكل شخص حر في أن يقبل أو يرفض أي شخص في العمل لديه، طالما أن القبول أو الرفض، لا يستند سوى على الاعتبارات المهنية.

ومع ذلك فان التشريعات المقارنة(1)، تورد في هذا الصدد، قيودا بعضها يستند على اعتبارات اجتماعية، تتعلق بتشغيل الأحداث والمعاقين والنساء، في حين أن البعض الآخر يستند على اعتبارات تتعلق بالاقتصاد الوطني وأساسا بحماية اليد العاملة الوطنية من مزاحمة اليد العاملة الأجنبية، وذلك حتى لا يتعرض الأجراء من أبناء الدولة للبطالة من جهة، وحتى لا ينقص مستوى أجورهم  بسبب مزاحمة الأجراء الأجانب الذين يقبلون عموما أجورا أقل من جهة ثانية.

(انظر:المادتان 26 و27 من قانون العمل المصري رقم 137 لسنة 1981 مع تعديلاته.المادة 21 من قانون العمل الجزائري رقم 90-11 بتاريخ 21 ابريل 1990 الخاص بعلاقات العمل.المادة 1 وما يليها من القانون التونسي رقم 146 لسنة 1956 المؤرخ في 15 نونبر 1959 والمتعلق بحماية اليد العاملة الوطنية).

لذلك تضع التشريعات المقارنة من القيود ما من شأنه أن يحد من هذه المزاحمة، تتحدد في ضوء اعتبارات متعددة، أهمهـا حاجة الدولة نفسها إلـى تلك الأيدي الأجنبية أو عدم حاجتها إليها،  حيث إن هذا يجعل الدولة تخفف من القيود او تزيد منها بحسب ما إذا كانت في حاجة إلى اليد العاملة الأجنبية، أو ما إذا كانت اليد العاملة الوطنية متوافرة لديها(1).

أما بخصوص التشريع المغربي، فإنه لم يورد تنظيما شاملا لكل ما يتعلق بعمل الأجراء الأجانب، فهؤلاء يتمتعون بذات الحقوق وتقع عليهم ذات الالتزامات التي على الأجراء المغاربة، فكل ما يفرضه المشرع المغربي(2) في هذا الصدد، هو ضرورة حصول كل مشغل، يرغب في تشغيل أجير أجنبي، على رخصة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، تسلم على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل، وكل تغيير قد يحدث في هذا الأخير، يخضع بدوره لتأشير السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، التي يبقى لها في كل وقت سحب الرخصة.

ويجب أن يكون عقد الشغل الخاص بالأجانب، مطابقا للنموذج التي تحدده السلطة الحكومية المكلفة بالشغل(3)، وأن يتضمن، في حالة رفض منح رخصة الاشتغال للأجنبي المعني، التزام المشغل بتحمل مصاريف عودته إلى بلده، أو البلد الذي كان يقيم به(4).

بقي أن نشير، إلى أن كل مشغل قام بتشغيل  أجير أجنبي، دون الحصول على رخصة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، أو قام بتشغيله بمقتضى عقد لا يطابق النموذج المنصوص عليه من لدنها، أو لم يتضمن العقد الالتزام بتحمل مصاريف عودة الأجير الأجنبي في حالة رفض منح الرخصة له بالاشتغال، يعاقب بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم(5).

(توفيق حسن فرج: قانون العمل في القانون الليبي والقانون المصري الجديد، بيروت، 1986، ص 189 وما بعدها.

المادة 516 من مدونة الشغل.

المادة 517 م.ش.

المادة 518 م.ش.

المادة 521 م.ش