السبت 18 مايو 2024
فن وثقافة

المنتج أبو الفضل: دفاتر الخلفي لم تنتج سوى إعدام أغلب شركات الإنتاج التلفزيوني

 
 
المنتج أبو الفضل: دفاتر الخلفي لم تنتج سوى إعدام أغلب شركات الإنتاج التلفزيوني

منذ العمل بدفتر التحملات في قطاع التلفزيون العمومي المغربي سنة 2011، بدأت شركات إنتاج توصف بـ "الصُغرى" تتساقط كأوراق الأشجار في فصل الخريف، فيما احتفظت شركات معدودة على رؤوس الأصابع، بحظوظ وافرة للظفر كل موسم بكعكة برامج التلفزيون في قنوات القطب العمومي، فرغم أن الوزير مصطفى الخلفي، عمل منذ مسكه لحقيبة وزارة الاتصال، على تنزيل قوانين لتنظيم قطاع التلفزيون العمومي، إلا أن العديد من النقاد والمتتبعين والمهنيين يرون أنها زاغت عن الأهداف المسطرة لها نظريا : ("تكافؤ الفُرص" و"الشفافية" و"القطع مع الاحتكار")، لتمكين كل المهنيين من حظوظ الاشتغال في جو من الديموقراطية بعيدا عن "باك صاحبي". بل ويرون أنه تطبيقيا لم يلمسوا سوى الحيف واستمرار الاحتكار، وإعدام شركات إنتاج وتمكين أخرى من صفقات بمبالغ خيالية.

"أنفاس بريس" تعيد نشر الحوار الذي أجرته أسبوعية "الوطن الآن" عدد 640، مع الإعلامي والمنتج التلفزيوني "إدريس أبو الفضل" الذي تحدث فيه عن واقع صفقات برامج التلفزيون من وجهة نظره، بعد أكثر من 4 سنوات من تنزيل دفتر التحملات لتقنين القطاع..

أنت من بين المنتجين الذين ينتقدون بشدة الوزير مصطفى الخلفي بسبب تنزيله لدفتر التحملات بالقطاع العمومي للإعلام السمعي البصري. هل الأمر مرتبط فقط بعدم حصولك على برامج تلفزيونية؟.

قبل أن أجيب على سؤالك لابد أن أوضح أني لا أتحدث من عدم، أو أنتقد من باب السلبية، بل أبدي رأيي في سياسة إعلامية أفسدت قطاعا بأكمله. قبل دخول "كنانيش الخلفي" حيز التنفيذ، اشتغلت وتعاونت في عدة مشاريع تلفزيونية، منها على سبيل الذكر لا الحصر : سلسلتين وثائقيتين، من 48 شريطا موضوعها غنى الساحل المغربي، (اجتماعيا، اقتصاديا، ثقافيا وتاريخيا) بعنوان "رجال البحر" من 2002 إلى 2005، و"محطات بحرية" موسم 2010 وموسم 2011، ولازال البعض من هذه الحلقات يقدم بـ "القناة الرابعة".. أضف إلى ذلك أني ابن الإعلام المكتوب، فقد اشتغلت في صحف : "بيان اليوم والبيان" و"الحياة اللندنية" وكذلك في "القدس العربي"، وأظن أن هذا مسار مهني يؤهلني للدلو بأفكاري في الموضوع. لست الوحيد الذي ينتقد هذا الوضع. منذ صدور دفتر التحملات لم أحصل على أي مشروع تلفزيوني، رغم التجربة التي تملكها شركتي ورغم أني تقدمت لكل طلبات العروض المُعلن عنها بملفات تقنية وفنية وإدارية مستوفية الشروط. الأمر يتعلق في نظري بعدم استجابة دفتر التحملات لتطلعات أغلب المهنيين، فقد خذلهم الدفتر المعلوم، وخذلهم الوزير مصطفى الخلفي، إذ سنَّ قوانين تنظيم قطاع التلفزيون، دون أن يأخذ بعين الاعتبار شروطا تطبيقية للسهر على حسن تنزيلها، من موقعه كوزير وصي على القطاع.

هل راسلت وزير الاتصال لإبلاغه بهذه الأمور؟

إذا اتصلت بالوزير "مصطفى الخلفي" للشكوى من عدم قانونية بعض نتائج الصفقات التلفزيونية، لا يجيب ويتماطل ويدفعك إلى المحكمة، في حياد تام غير مقبول بالنسبة لي، رغم أنه من المفروض تخفيف العبء على المحاكم وتسيير قطاع التلفزيون بشكل صارم، للقطع مع الاحتكار والظلم، والدليل هو إقفال العديد من شركات الإنتاج لأبوابها، وتسريح مستخدميها. فإذا كان دفتر التحملات قد أنتج إعدام الشركات ودفع بمهنيين إلى العطالة، فأرى أن لا فائدة منه وأنه فقط زاد الطين بلة. دفتر التحملات يليق بالبناء والطرقات وتشييد القناطر، أما الإبداع التلفزيوني فيخضع لأمور أكثر عمقا، بعيدا عن جودة الإسمنت و"سُمْكْ وقوة الحديد".. هي أمور متعلقة بحسن قراءة وقع وأثر وجودة الإبداع السمعي البصري.

هل هذا يعني أنه قبل دفتر التحملات كانت الأمور أحسن؟.. كيف يمكن لقوانين تنظيم قطاع التلفزيون أن تتحول إلى ضد الغاية منها في نظرك؟.

أنا لا أقول أن الفترة التي سبقت دفاتر التحملات كانت موسومة بتكافؤ الفرص والشفافية، لكن على الأقل لم تنتج إعدام شركات إنتاج دون غيرها، بل بالعكس تكاثرت في الفترة السابقة شركات الإنتاج والإنتاجات التلفزيونية، وأصبحنا قبل 2011 أمام رصد للكم والكيف على مستوى الإنتاجات التلفزيونية، وكان المسار في اتجاه تحقيق الجودة والتراكم وتطوير طريقة اشتغال كافة شركات الإنتاج، أما اليوم فالقطاع في الحضيض، وشركات داخل القطاع "دون غيرها"، تموت يوما بعد يوم، وإذا استمر الحال على ما هو عليه الآن، يُمكن أن تختفي كل شركات الإنتاج التي تتعرض للإقصاء بشكل مُمنهج، وتبقى فقط 5 شركات تصول وتجول في قطاع التلفزيون، ولا أظن أن مثل هذه العلامات دليل على نجاح فكرة سن دفتر التحملات، بل هي علامة بارزة على الفشل الكبير في تسيير القطاع التلفزيوني بالمغرب. وأقترح أن يعود الحال إلى ما كان عليه قبل سابقا، فعلى الأقل يُمكن أن نوجه النقد والعتاب لمخاطب وحيد "مسؤول" مثلا : (مدير الإنتاج أو مدير القناة)، اليوم نواجه بنود قوانين جافة، ولجان تحكم على اقتراحات مكتوبة على الورق وأظرفة تـُفتح وتـُغلق دون أن يتطور القطاع إلى الأحسن.

لماذا تحمل مسؤولية ما وصفته بالفشل الكبير في تسيير قطاع التلفزيون بعد إصدار دفتر التحملات للوزير مصطفى الخلفي؟

كمهني ومنتج تلفزيوني لا يمكنني إلا أن أحمل المسؤولية للوزير مصطفى الخلفي، لأنه كوزير وصي على القطاع، كان عليه أن يضع في الحسبان هذه الأمور المتعلقة بإعدام شركات إنتاج وتسريح المستخدمين،  ويعمل باستشارة مع المتدخلين، على ضمان فرص الاشتغال لكل الشركات وأن يحمي كل المهنيين من الإقصاء، فبالصيغة والشكل الذي جاء به دفتر التحملات يبدو أن الوزير وصي فقط على الشركات التي تـُوصفُ افتراضيا بالكبرى التي تحصل على الصفقات بشكل دائم واحتكاري، والسؤال الذي أطرحه عليه عبر منبركم هو : هل جاء دفتر التحملات لإعدام شركات دون غيرها؟ .. إذ أرى أن سياسة الوزير الخلفي لا تؤمن بالكفاءة، بل تؤمن فقط بحجم الشركة افتراضيا وحضورها القوي على مستوى دهاليز القرار، والوضع الاعتباري لمدراء ها ومن يدورون في فلكهم.

يُفهم من كلامك أنك تنادي بإعادة صياغة دفتر التحملات لضمان حق الاشتغال للشركات التي تُنعت بـ "الصُغرى" التي لا تحصل على مشاريع تلفزيونية.. فما ردُّك؟

المشاريع التلفزيونية يتم تمرير أغلب صفقاتها في إطار "تنفيذ الإنتاج" لا نملك بالمغرب شركات بالمفهوم الصحيح للإنتاج، والتمويل مصدره المال العام، لذلك من غير المقبول في رأيي وصف شركة إنتاج في القطاع بالصغرى، لأن نتيجة الصفقة على مستوى ما يُقدم وجودة المنتوج التلفزي هي من تحدد قوة واحترافية شركة إنتاج من عدمها، وليس عدد الكاميرات وضخامة المقر، وعدد المستخدمين... رغم أن أغلب التقنيين يشتغلون بصفة حرة داخل الشركات دون ترسيم، فيمكن لشركة تأسست حديثا أن تنتج عملا تلفزيونيا راقيا، بعيدا عن التصنيف الجائر، أنا أنادي بإلغاء دفتر التحملات في قطاع التلفزيون، لأنها لم تحقق الغاية منها، أي تكافؤ الفرص والشفافية، على الوزير الخلفي أن يكون شجاعا ويُعلن عن فشل دفتر التحملات في القطع مع الاحتكار وتحقيق الجودة في قطاع التلفزيون، وعليه أن يعلم أن التاريخ لا يرحم، فكما يُصدر البلاغات بخصوص "المراقبة الأخلاقية" لما يُبث في التلفزيون العمومي، كما وقع مع "جونيفير لوبيز"، عليه أن يصدر بلاغا يوضح فيه ما يقع في القطاع من احتكار ويبحث عن حلول موضوعية وتطبيقية، لضمان الحق في اشتغال كافة شركات الإنتاج دون تمييز..