في ظل التراجعات التي يعيشها المشهد الثقافي والفني بمدينة اليوسفية، نفتح سجلا حافلا بالإنجازات والتراكمات الثقافية والفنية خلدته ذاكرة الفنان المبدع محمد التويجر في أرشيف المدينة عامة ومصلحة الشؤون الاجتماعية للمجمع الشريف للفوسفاط، خاصة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود من العطاء والابداع والتضحية ونكران الذات، لعل ذلك يشفع لهذه المدينة المناضلة في أن تستفيد مثلها مثل باقي مدن المغرب من فسحة أمل جديدة ومتجددة ثقافيا وفنيا.
جيل من الشباب تتلمذ على يد السي محمد تويجر بفضل حنكته وشخصيته المتواضعة التي بصمت مسيرته بنبضات القلب العاشق لمدينة التراب، رجل آثر على نفسه حمل مشعل الثقافة والفن في عز احتكار مفاتيح التواصل ذات زمن أقفلت أبوابه بسلاسل الادارة وثالوثها المتنفذ والمتواطئ ضد كل ما هو جميل في الضفة الأخرى التواقة للثقافة والفن الراقي المساهم في تحسين الذوق والرقي بالإنسان إلى عالم الانفتاح والتعدد والتسامح وقبول الآخر .
محمد تويجر استغل وجوده كمسؤول بمصلحة الشؤون الثقافية أيام زمان كالنهر المتدفق ليتسرب عبر شقوق الأرض الجافة ويروي ظمأ شرايينها المتعطشة لينبت العشب والياسمين وتخضر بساتينها. هكذا كان ومازال ينبض بقلبه الكبير حاملا أسئلته الصعبة في زمن يصعب أن تحمل فيه مشعل الثقافة والفن المنتصرين لقيم حقوق الإنسان المعرفية كونيا. ألم يكن هذا الرجل وراء العديد من البرامج والفقرات والعروض الثقافية والفنية والمسرحية والسينمائية والموسيقية التي علمتنا مفهوم الانتماء للوطن؟؟ ألم يكن هو السباق لفرض العروض الوثائقية والسينمائية للتعرف على العالم واختزاله داخل قاعة الأفراح باليوسفية أو قاعة السينما الحمراء بحضور فطاحلة الروبرطاج من أوروبا الشرقية والغربية؟؟ وحتى لا ننسى عطاء الرجل على المدينة، هل يذكر العقل "اليوسفي" أن السي محمد كان وراء اختيار العديد من الفرق المسرحية واستضافتها وتقديم عروضها ومناقشتها حتى أضحت المدينة مختبرا لامتحان منتوج المسرح المغربي، كما قالت الوزيرة والفنانة ثريا جبران ومحمد عوزري ذات سنة؟؟؟ وكيف ننسى تجربة مهرجان السينمائيين والروائيين الذي اختطف ذات سنة، حامية الوطيس والمد الفكري، من الجمهور اليوسفي وتحولت قبلته صوب "مركز فوسفاطي آخر" للسبب المعروف مع سبق الاصرار والترصد؟؟؟ وهل سننسى ذلك الترابط الملحمي الذي نسجه مع المجموعات الغنائية الخالدة مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة الذين ساهموا في عز الحراك السياسي والاجتماعي والنقابي في ضخ أوكسجين الهوية الوطنية والاصطفاف في ضفة الشعب والطبقة العاملة دفاعا عن الحق والكرامة؟؟ أم سننسى رواد الأغنية المغربية الأصيلة والعميقة الذين اتحفوا وشنفوا مسامعنا بأغانيهم الخالدة ذات زمن جميل من أمثال عندليب الطرب الراحل محمد الحياني والصوت العذب للفنانة نعيمة سميح وعبد الهادي بلخياط وغيرهم؟
إن الحديث عن الإسهام في بلورة وعي شباب اليوسفية الثقافي والفني بصفة عامة لا يمكن أن نستثني منه شخصيتنا هذه المفعمة بالحيوية والبدل والعطاء، شخصية امتشقت سلم الفكر والابداع بشهاد أغلب المبدعين المغاربة على طول رقعة الوطن من جنوبه وشماله وغربه وشرقه، شخصية بصمة علاقاتها الفنية والابداعية مع المحيط والمركز لتنتج بأسلوبها الراقي جيلا يفتخر بمعاشرته للرجل الكتوم والخدوم الصادق والنبيل العاشق للمسرح والركح الكبير الذي يجمعنا بعيدا عن كواليس الرداءة .
لنمارس قليلا شغب ثقافة الاعتراف ونقول كلمة حق في هذا الهرم الذي جعل اليوسفية ذات زمن قبلة وفضاء "سوق عكاظ" نتبضع منه دون مقابل ونمتح من ينبوعه المتدفق زلال المعرفة ونغتسل منه جميعا ببركات "رجال لبلاد" المثقفين والمفكرين والفنانين والمبدعين والسينمائيين والمسرحيين.. فكيف تحدث عنه البعض ممن التقاهم موقع "أنفاس بريس"؟؟
1ـ الأستاذ عبد الجبار أبهام.. مهووس بالمسرح لدرجة الجنون:
إن الحديث عن المسرح في اليوسفية بمعزل عن ذكر المبدع السي محمد تويجر يبقى حديثا أجوفا بالنظر لكونه يشكل حلقة انتقالية لتجربة المسرح اليوسفي، حلقة فتح فيها هذا المبدع عيون جمهور اليوسفية من مسرح الكوميديا الاستهلاكية إلى دائرة المسرح التجريبي، وكان ذلك نتيجة طبيعية لاحتكاكه بالرواد الأوائل من خلال تتبعه وتواصله المنبهر بمجموعة سهر الليل (بضم السين) التي كانت تضم وجوه الاحتفالية في فن التمثيل الغنائي، وجوه مؤلفة من شباب ثائر أفرزته هزيمة 67 وأقلقته راهنية المدينة المهمشة على وقع الحي العصري (ديور النصارى) والأحياء الشعبية الكادحة، فوجد في الدراما الغنائية والمسرحية متنفسه.. بدأت ذكرياتي الحقيقية مع ابن حي لبلوك من خلال مسرحية "عندما تسقط الأقنعة" التي قمت بإخراجها صيف 1984 وعرضتها فرقة الرابطة المسرحية التابعة آنذاك للجمعية الثقافية بالمكتب الشريف للفوسفاط، ساعدني بتلقائية في السنوغرافيا وتقنيات الإنارة، كان ومازال رجلا رائعا وشغوفا بالخشبة ومشخصا خطيرا/ سلسا وهزليا، يتوغل فيك من حيث لا تعلم. كان ولا يزال مهووسا بالمسرح إلى درجة الجنون، يضحي من وقته وماله وعمله وعلاقاته العائلية من أجل الخشبة، إبداعاته الكثيرة النابعة من وحي قراءاته لهموم الواقع العربي ومشكلاته جعلت منه كاتبا مسرحيا وسينوغرافيا مبدعا بامتياز ووجها مسرحيا يستحق أن تشهد له فرقة مسرح اليوم بذلك"...
2ـ الأستاذ زكي بوكرين.. بولحية فنان جميل في زمن قبيح:
تقريبا ربع قرن عشت في هذه المدينة الجميلة و ابني ذو السادسة عشرة ربيعا حمري زيادة وخلوق، وهذا يشفع لي أن أتحدث عن إنسان خلوق، بدون بوق، وفي لحظة صدق صدوق.. خلينا من هاذ الهضرة واهضر هضرة أخرى، "الهضرة مشي عليك الهضرة فالميزان" مسرحية جميلة للمبدع السي محمد تويجر شاهدتها قبل 23 سنة وكان السي محمد موفقا لأبعد الحدود في التصور والسينوغرافيا وإدارة الممثلين واللون الأسود الجميل والإيقاع السريع، يجعلك ترى الكلمة قبل أن تسمعها.. ونص المسرحية لا يمكن إلا أن تعشقه.. والدليل حضوره ضمن منافسات الدورة الأخيرة لمسرح الهواة.. ماذا يمكنني أن أقول عن السي محمد تويجر بولحية الطيب الخجول المتواضع الخدوم العارف والعازف والمتمكن من تملك وسائل عشق الجمهور.. أعرف أنه لا يقلق من لقب "بولحية"، فكل أصدقائي المسرحيين بمختلف أعمارهم يعرفون ويقدرون ويحترمون الرجل المعروف عندهم بالسي محمد تويجر بو لحية، وحتى تويجر الأكبر والده الله يطول عمرو يقول عنه بولحية، وقد جالست الحاج مرتين ففهمت سر توهج وتمكن الفنان من أدواته الفنية.. الكلام كثير وخلاصة القول السي محمد فنان جميل في زمن قبيح محترف رغم أنف الهواية.. وبلغة المسرح نقول حرايفي في زمن قل فيه الحرايفية وسيطر فيه الهرايفية، وبين الحاء و الهاء "حب كبير لك وهنيئا لليوسفية بك".
3ـ الأستاذ حميم فاتح.. ما عندي ما نقول السي محمد نميرو واحد:
يتردد الواحد منا كثيرا أو قد يعجز في وصف الجمال... في ذاكرتنا المشروخة كنا حين نسأل عن إنسان ما يكون الجواب إما بالترقيم والترتيب، فنقول هذاك الراجل نميرو واحد، أو نقول هذاك الراجل معاندي. فعلا تعجز الكلمات والصور على استيعاب حجم الحب الذي نكنه للسي محمد تويجر.. ابن البلد الطيب الصبور.. أتمنى أن أرى يوما سي محمد غاضبا.. مبتسم أبدا، حارس الأحلام الذي لا يمل، فنان في الحياة في الركح في كل التفاصيل.. فأنا الغاضب المتقلب التشيع للسي محمد أدافع بعلمي وبجهلي عن فنه وإبداعاته.. هو الفنان ابن البلد هو الإنسان "ما عندي ما نقول السي محمد نميرو واحد".