الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد بن الطاهر: ... عندما يستغل جهلة الإسلام الدين لأغراض سياسية

محمد بن الطاهر: ... عندما يستغل جهلة الإسلام الدين لأغراض سياسية

ونحن أمام هذا التزايد المرعب لنسب درجات الخوف من الإسلام، نجد أنفسنا أسرى مجموعة من الأسئلة الملحة حول ما إذا كانت هناك أسباب تستدعي منا الاعتذار أم معفون منه؟، وإن كان الجواب بالإيجاب، فعلى أي أساس سنعتذر، وباسم من، ثم لأي شخص أو مؤسسة أو جهة؟.

وعليه، هل يجب علينا أن نعتذر لكوننا ولدنا بقارة شاء القدر أن تكون موطن الإسلام والمسلمين منذ قبل نحو 1400 سنة؟

وهل علينا الاعتذار باسم الشعوب العربية والبربرية للمغرب العربي، والتي ساهمت في إشعاع الحضارة الإسلامية وألهمت عالم الأنوار بالغرب وأمريكا؟

وهل يجب علينا أن نعتذر لأننا خلقنا دون استشارة بسحنة وبشرة ولغة المسلمين المهانون على مدار السنة؟

وهل علينا الاعتذار إذن، لأن تقريرا لائتلاف مناهض للإسلاموفوبيا بفرنسا أعلن سنة 2013 عن ارتفاع مذهل لعدد الأعمال المعادية للمسلمين بلغت نسبة 57,4 في المائة؟

وهل يجب علينا أن نعتذر لمطالبة الثورة الفلسطينية بحقها في الحرية بناء على دولتهم وليس من منطلق دينهم؟

وهل علينا الاعتذار بدلا عن السفاحين الذين يقتلون مرتين أكثر المسلمين وغير المسلمين، خاصة منذ غزو القوات الأمريكية للعراق سنة 2003؟

وهل يجب علينا أن نعتذر عوضا عن ظلامية "طالبان" الذين هشموا تماثيل "بودا" بعد أن دربتهم وسلحتهم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها؟

وهل علينا الاعتذار نيابة عن جماعة "بوكو حرام" التي تتخذ الإسلام ذريعة لغاية العودة إلى التمرد على الامبريالية؟

وهل يجب علينا أن نعتذر عندما قال وزير الداخلية مانويل فالس في غشت من سنة 2013 خلال ندوة بأن الإسلام لا يتوافق مع الديمقراطية؟

وهل علينا الاعتذار لأن الغرب المسيحي، ولمدة 450 سنة، اختار مقابل التعايش مع الإسلام كدين عالمي، اعتباره منافسا يلزم الحذر منه؟

وهل يجب علينا أن نعتذر لأن المسيطرين السابقين مضطرين إلى الدخول ومن جديد على خط العالم القبلي، ويصرون على رؤية مشاكلهم دون مشاكل الآخر؟

بالتأكيد لا..

إن بطاقة هويتي التي تدل على أنني أوروبي، تكفي لعدم تمييزي عن أي شخص آخر. ومن راحوا ضحية الضربات العدوانية هم مثلنا، مواطنون أوربيون، وعلينا التضامن معهم ومع عائلاتهم.

إن جواز سفري الذي يثبت كوني مواطنا فرنسيا، يكفيني لألا أطالَب بتبرير عندما يستغل جهلة الإسلام هذا الدين لأغراض سياسية.

فلما إذن نعتذر، ولمن؟

إن أعضاء الدولة الإسلامية "داعش" لا علاقة لهم بـ "الدولة"، ولا بما ينص عليها الإسلام من خلال القرآن والأحاديث، ولا أيضا برؤية هذا التنزيل السماوي الذي يعتنقه أزيد من مليار شخص في العالم. لهذا أتساءل: هل يجب الاعتذار لهم لأنهم يتحدثون باسم المسلمين؟

وبما أنني من أولئك الذين اختاروا العلمانية في معناها الأصلي، والمؤسسة على حرية الاعتقاد وفصل الدين عن الدولة، أستفسر كذلك عما إذا كان علينا الاعتذار للجمهورية العلمانية بحكم أننا لم نولد علمانيين ثم أصبحنا كذلك؟.

أم يجب علينا الاعتذار أمام الغرب الذي نقدر تقدمه عندما يعترف بتاريخه الإمبريالي كما جاء على لسان جاك شيراك في أحد أيام سنة 2007: "باسم الدين دمروا ثقافتهم، والآن علينا أن نصنع أشياء أكثر أناقة ونحقن أدمغتهم بالمنح وتقديم الدروس. فالملاحظ هو أن الأوضاع بإفريقيا ليست في أحسن حال، ومجتمعاتها عاجزة عن إنجاب النخب".

وبعد كل هذا، أعاود السؤال: هل من واجبنا الاعتذار لهؤلاء؟ أم أمام المجتمع الدولي ومجلس الأمن، على هامش تصريح رئيسة الأرجنتين كرستينا كيرشنر في الـ 24 من شتنبر 2014 خلال اجتماع رفيع المستوى تم فيه مطالبة مجلس الأمن الدول الأعضاء بالتعبئة ضد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وهي تقول: "نجتمع اليوم لتجريم تنظيم "داعش" ومحاربته. وكلنا نعلم بأن الأخير مدعوم ومساند من قبل دول معروفة لدينا جميعا وهي أعضاء بمجلس الأمن".

لذلك، هل علينا الاعتذار لهذا النفاق؟

بالتّأكيد لا..

ومن ثمة، لا يستقيم كختم مخَلص من تلك التساؤلات المرهقة، سوى دعوة من يتبجحون بتقديم الدروس وارتداء جبة الأستذة، إلى النظر مليا في مرآة تاريخهم، فهي المحكمة الوحيدة التي لا تخشى أحدا، وبالتالي الصوت الكفيل بإجابتهم على النحو الشافي المقنع، طالما أن "مقدمي مقاطع ونغمات النجوى الرومانسية، يتبادلون تفاهاتهم تحت الأغصان الفاتنة والساحرة"، كما نظم الشاعر "بول فيرلان".