فنُ التاريخ فنٌ عزيز المذهب جم الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ،والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم، وسياساتهم ، حتى تتم فائدة الإقتداء لمن يرومه. وكلما دارت عجلة التاريخ، كلما ظهرت أحداث عظيمة على الساحة استطاعت أن تؤثر على قادم الأيام والشهور، والسنين، والقرون، حيث ترتقي هذه الأحداث حسب تفاوتها في الأهمية لتصبح أعيادا، ونقاط تحول كبرى في كافة مجالات الحياة.. ونعيش جميعا كمغاربة في هذه الأيام على وقع الاحتفالات المخلدة لذكرى الاستقلال العزيزة على قلوبنا.
ويعتبر الاستقلال من حيث المفهوم السياسي هو أن تكون للدولة كامل السيادة على أرضها، ولمواطنيها حرية التنقل والعيش بكرامة داخل وطنهم وإعطائهم الفرصة للمشاركة في تقرير مصيره، وصناعة غده ومستقبله.
وحيث أن الله جلت قدرته ربط ما بين الواقع والتاريخ، وجعل سياسة الحاضر هي تاريخ المستقبل، وأنعم علينا بالعقل والعلم، لنستنبط من مجريات الأحداث، وسُنٓنِ التداول، دروسا نفهم من خلالها ما سلف، لنحسن سياسة ما خلف .
فما هو واجبنا جميعا تجاه من درجوا من قادة هذا البلد غير مقصرين في حق ولا قاطعين لرحم؟؟؟ وما هو واجبنا في حق من مازالوا على دربهم في القيادة الحكيمة والرشيدة لهذا البلد؟؟؟ وما هو واجبنا تجاه هذا الوطن العزيز بأهله وأرضه؟؟؟
فإذا كان الاستقلال جاء ثمرة جهود أبناء عظام لهذا البلد حرصوا على توحيده وحريته، فإن استكمال مسيرتهم واجب في أعناقنا، وهو، حسب رأيي، لن يتأتى إلا بالعمل المتواصل عبر:
- أولا: الاتحاد خلف الشرعية الملكية التي وهبنا الله في زمن تكاثرت فيه الْفِتَن باسم الدين على شرعية هذه الأمة وانشغال بعض من يُحسبُ على الدين بالعقيدة لإخراج أولى الأمر منها متناسين أن مبدأ الخلافة في الأرض المَنُوط بالإنسان هو أصل العقيدة بما هَيّأ اللهُ البشرَ لعبادته وحده. فاحتاجوا إلى مَن ينتظمون صفا في ظله لتتحقق إقامةُ أَوَدِ التوحيد. ومن هنا كانت طاعة أُولي الأَمر أَصلا عظيما من أُصولِ العقيدة، ولذا أدرجها أَئمَة السلف في جملة العقائد، وقلّ أَن يخلو كتاب من كتب العقائد إِلا تضمن تقريرها وشرحها وبيانها .
- ثانيا: الابتعاد عن جميع أشكال التطرّف والتعصب، والعنصرية والدفاع عن مكتسبات هذا الوطن الذي من الإجحافِ به أن نعتبره وطن تنتهي حدوده جغرافيا حيث رسمها المستعمر، فالمغرب أكبر من ذالك والتاريخ خير شاهد على ذلك.. فربوع الصحراء الكبرى التي تمتد من سجلماسة إلى نهر النيجر مرورا بأتواة في الجزائر فضاءات كانت تدين بالولاء لسلاطين المغرب باعتبارهم الممثل الشرعي الوحيد في تلك المنطقة.. إذًا فالمغرب حضارة وثقافة سقت بمعينها ربوع هذه الصحراء وحافظت على استقرارها ونمائها طيلة المراحل السابقة ولازالت ولله الحمد قادرة على ذلك.
إن الاستقلال الحقيقي هو أن تستقل نفوسنا بالعلم والأدب والتحضر لنستطيع قيادة هذه الشعوب التي لم ولن تستغني عنا مهما كانت الظروف.
- ثالثا: عدم وقوفنا موقف المدافعِ عن قضيتنا الوطنية، وانتظارنا إلى الغير ليصنع الحدث قنثور بطرقٍ متباينة ومتفاوتة، ثم نتناسى ذلك حين تنقضي العاصفة.
إن مهمة الدفاع عن صحرائنا ليست حكرا على مؤسسة بعينها، بل هي مهمة الجميع دون استثناء.. إذ كيف يُعقل أن يشكك البعضُ في جزءٍ لا يتجزأ من أرضنا، ويتناسى أننا كنّا مرابطين على ضفاف الأطلسي ننشر العلم والحكمة والأدب.. وله أن يتساءل أين قبر المجاهد الكبير أبو بكر بن عامر؟؟!! ذلك الرجل الذي طلّق نعيم الوسط المغربي وجماله وذهب يقاسى الشدائد والصعاب من أجل نشر الدين والعلم والأدب !!
فالمغرب بالنسبة لهذه المنطقة كالقلب في الجسد، إذا صلح صلح سائر الجسد. فعلينا جميعا أن نسهرٓ على أمنه وازدهاره خلف جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره...