تعيش عدة جهات في نيجيريا، وخاصة في شمال البلاد، على وقع هجمات تنظيم بوكو حرام، كتيار إسلامي متطرف ومسلح، بشكل شبه يومي تتخلله من حين لآخر مواجهات مع الجيش والشرطة، مما يعطي الانطباع أن للتنظيم اليد العليا في الصراع الذي احتد على الخصوص منذ سنة 2009، مع العلم أن المواجهات مع تيار إسلامي آخر تعود للسبعينات.
إذا كان شعار"ُُالأمن قبل الخبز" يطفو على السطح كلما اشتدت الأزمات في بعض بقاع الأرض، فقد ينطبق هذا الشعار على نيجيريا، بصفة خاصة، وهي التي ضاقت ذرعا بالحرب الشرسة المعلنة من قبل بوكو حرام قصد خلق دولة إسلامية في الشمال ذي الأغلبية المسلمة، علما أن الجنوب غالبيته مسيحية. حرب أدت إلى قتل الآلاف من الأشخاص، جلهم مدنيون، والتهم متبادلة، إلى درجة أصبح فيها من الصعب على المنظمات الإنسانية والجمعيات ووسائل الإعلام متابعة عملية الإحصاء، خاصة في ظل صعوبة الوصول للخبر في عين المكان واستحالته في غالب الأحيان بعد أن أضحت عمليات القتل خبزا يوميا للسكان أيا كان دينهم وعرقهم أو قبيلتهم أو منطقتهم أو لون بشرتهم.
فنيجيريا بلد جميل يعد من أهم دول إفريقيا الغربية، ويحتضن بالعاصمة أبوجا منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ذات الـ 15 دولة عضوا، لكنه تعثر على المستوى السياسي ولم يتخلص نهائيا ممن لهم نفوذ في الجهاز العسكري رغم أن الدولة مرت إلى الحكم المدني منذ سنة 1999.
فهي أول دولة منتجة للنفط الخام في إفريقيا بقوة ديموغرافية هائلة قدرت سنة 2013 بـ 173 مليون و600 ألف نسمة، وهو عدد يضغط بقوة على اقتصاد البلاد التي أعلنت سنة 2014 أنها أصبحت أول اقتصاد في إفريقيا بعد الأخذ بعين الاعتبار، في حساب الناتج المحلي الإجمالي، لإنتاجها في قطاعي السينما و الموسيقى إضافة لقطاع الاتصالات.
أصبحت نيجيريا، إذا، أول اقتصاد في القارة مستحوذة على مكانة إفريقيا الجنوبية التي كانت تحتل هذه الرتبة. لكن هل جلب هذا الوضع عددا إضافيا من المستثمرين لبلد يعرف يوما بعد يوم المزيد من عدم الاستقرار رغم إجراء انتخابات رئاسية سنة 2015 فاز فيها رئيس مسلم من الشمال وهو الجنرال محمد بوهاري الذي كان رئيسا إبان الحقبة العسكرية؟
وهل يعني هذا الوضع شيئا ما بالنسبة للمواطن في حياته اليومية، وقطاعات التعليم والصحة والشغل ما زالت متردية، دون الحديث عن تفشي ظاهرة الرشوة؟
فالملاحظ الأجنبي لا يستوعب مثلا كيف تكون المجانية في التعليم العالي حلما ومطلبا للتلاميذ وأولياء أمرهم في دولة البترول والاقتصاد الرائد إفريقيا، كما قيل.
فما هي أهمية هذا الوضع إذا كانت أسعار السكن والخضر والفواكه جد مرتفعة، مقارنة مع الحد الأدنى للأجور، الذي لا يتعدى 81 أورو شهريا، وإذا كان المستهلك يقف في طوابير محطات الوقود، في بلد النفط، عسى أن يكون مخزون المحطة كافيا للجميع؟
فمن المواقف الشاذة التي يعاني منها المواطن النيجيري الطيب بطبعه ولا يفهمها المقيمون الأجانب، وخاصة في لاغوس كعاصمة اقتصادية وأبوجا كعاصمة إدارية وسياسية للدولة، أن العديد من محطات الوقود غالبا ما تقفل أبوابها بسياج حديدي لأن ليس لديها ما تبيعه مما يدفع بأصحاب السيارات والشاحنات، بما فيهم الطاكسيات، إلى الاصطفاف لساعات طوال في طوابير لا منتهية أمام محطة واحدة أو اثنتين في وسط المدينة وأحيانا دون جدوى، إذ ما أن ينضب المخزون حتى تقفل بدورها، في حين تزدهر فيه تجارة "بيدوات" النفط في السوق السوداء غير بعيد عن محطات الوقود.
ويفسر الخبراء هذا الوضع كون نيجيريا لم تضع ضمن أولوياتها التوجه نحو تكرير النفط رغم بعض المحاولات المحتشمة، وبقيت إذا منتجة ومصدرة للبترول الخام. فالحكومة، توضح بعض الجرائد المحلية، تعطي امتيازات مالية للشركات التي تنوي استيراد البترول المكرر، تفاديا للأزمة، ولكن بعضها يستفيد من الدعم دون أن يلتزم بالاستيراد.
لذا يمكن التساؤل عن أي استثمار جديد سيجلبه الوضع الجديد لنيجيريا كأول اقتصاد في القارة إذا كانت حياة المقيمين عبارة عن معانات متجددة مع الوقود في أكبر دولة منتجة للنفط في إفريقيا؟ ومما يزيد من هذه المعانات كذلك، كوضع شاذ بالنسبة للأجانب، انقطاع الماء والكهرباء بشكل يومي ليل نهار. فإذا كانت العاصمة أبوجا تعاني من هذه الانقطاعات الممنهجة يوميا ولساعات طوال، فلا داعي لوصف الوضع في المدن الصغرى والقرى والبوادي، مما خلق سوقا لتجارة المولدات الكهربائية أجبر قطاعات الصناعة والتجارة والأبناك والإدارات وكذا الخواص ذوو الإمكانيات على اللجوء إليه. إلا أن تشغيل هذه المولدات الكهربائية بالبنزين وإصلاحها بانتظام يعد طامة أخرى بالنسبة للجميع.
وإذا كان المثل يقول إن مصائب قوم عند قوم فوائد، فالوضع الاقتصادي والاجتماعي ببنياته التحتية المتواضعة يعطي للمستثمر الأجنبي فرصا جد ضخمة للاستثمار في كل مناحي الحياة، بهذا البلد ذي التراث الطبيعي الهائل الذي كان بالإمكان أن يجعل منه وجهة للسياحة، لولا الانفلات الأمني. فتنقل الأجانب دون حيطة وحذر أو مرافقة، إن بين المدن أو داخلها، يعد مغامرة محفوفة بالخطر.
وبخصوص الشق الأمني المقلق تجدر الإشارة إلى أن تعبير "بوكو حرام" تعبير مختصر لتوجهات التنظيم، بالهوسة كلغة قومية في نيجيريا ورسمية في شمال البلاد، يعني أن التعاليم الغربية حرام. أما الاسم الرسمي للتنظيم فهو "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد". ويلاحظ، في هذا الصدد، أن بعض الجرائد النيجيرية تلقب قائد المجموعة أبو بكر شيكاو بالشيخ كما يلاحظ أن حبل الاتصالات المناسباتية، من أجل السلام، بين السلطة وهذا التنظيم يظل قائما عبر وساطات محلية في الشمال مما يعني أن مواقعه ليست بالمجهولة. وقد سبق لقائد الجيوش الماريشال إليكس باده أن صرح، بعد اختطاف 276 تلميذة من داخلية إحدى الثانويات في الشمال سنة 2014، أن مكان التلميذات معروف لكن هناك خشية على حياتهن خلال أي محاولة من الجيش لإنقاذهن. وللإشارة، فما زالت الأغلبية الساحقة منهن رهن الاحتجاز لدى المجموعة.
يبقى تساؤل الملاحظين مشروعا إذا حول مشكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية في الوصول إلى هذه المواقع رغم تغيير الرئيس النيجيري السابق جودلاك جوناطان، وهو مسيحي، للقيادات العسكرية العليا التي نعتتها بعض وسائل الإعلام المحلية بالتقصير في أداء مهامها ضد التنظيم الذي يقتل كتنظيم ذي أهداف سياسية ويختطف بمعية عصابات إجرامية دون حسيب ولا رقيب.
وعلى ذكر الاختطافات فقد عرفت سنتي 2013 و2014 أكثر العمليات سواء في صفوف الأجانب على الخصوص أو من شخصيات نيجيرية في شمال البلاد حيث تضرب بوكو حرام وفي الجنوب على حد سواء وهو معقل الحركة الانفصالية "حركة استقلال ديلتا النيجر" موازاة مع عصابات البترول التي تطلب الفدية دائما.
فمن خلال هذه المؤشرات يظهر أن الإشكالية في نيجيريا ليست أمنية فقط، بل هي مزدوجة أمنيا وتنمويا، وكأن لسان الحال يقول، أمام الوضع الصعب: إذا عمت المصيبة هانت.