بخصوص مشروع قانون منع التدخين في الأماكن العامة الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية، ورغم وجود قانون 15.91 منذ 1996،أنا أتفق معه كليا وأدعمه دعما مطلقا. فبغض النظر عن مرجعية العدالة والتنمية وعن أية خلفية سياسية أو حسابات سياسية حزبية يمكن إقحامها في قراءة هذا الموقف الحزبي أو ذاك إذا صدر من أي فاعل سياسي سواء من الأغلبية أو من المعارضة أو من أية جهة أو لون أو تيار أو مذهب، فهو موقف يعبر عن مطلب فئة عريضة وواسعة من المغاربة مغبونة في راحتها في الفضاء العام بسبب تسيب وخبث ووقاحة وعدمية ولا إنسانية الكثير من المدخنين الذين يتخذون من الفضاء العام المشترك فضاء سياديا لنفث سمومهم القاتلة والضارة نفسيا وصحيا بالعديد من المغاربة الذين يحرمون من حقهم في لحظة هادئة ومريحة. بل يجدون أنفسهم، أحيانا، في وضع لابد أن يقبلوا به بلا حياء ولا أخلاق للمدخنين من غائبي الوعي والإرادة وراء نكهات سيجارة تلوى الأخرى. فهناك العديد من المدخنين لا يستحيون من نفث كومات وكومات من الدخان من حولهم ومن ورائهم وأمامهم دون أدنى اعتبار للآخرين. وهناك من تصل رائحة السيجارة/السيكار والسيارة الأليكترونية ألى عشرات الأمتار وتزكم النفوس وتؤثر على الناس ألما حقيقيا في الرأس وتخلق لهم توترا وتربك حسابات وقتهم وأشغالهم.
ويكبر المشكل إذا كان غير المدخن مرفوقا بعائلته.
فالفضاء العام المشترك أصبح حكرا على المدخنين وانتزعوا فيه الامتياز والأسبقية والأولوية حتى تحول من فضاء عام إلى فضاء خاص ومخوصص وهذا، أصبح أمرا يتطلب تفعيل القانون الموجود بقوة وكرامة وحزم بكل أشكال الزجر وتوسيعه ليشمل كل أشكال التدخين حماية وإنصافا لغير المدخنين وحفاظا على مفهوم الفضاء العام وانسجاما مع ميثاق البيئة.
فحق التدخين ليس حقا مطلقا، وتنتزع عنه صفة الحق كلما خرق حق غير المدخن. ولعل الضرر ثابت علميا وباعتراف شركات التدخين ومكتوب بعض أنواع السجائر، ولا مجال للنقاش فيه.
بيد، أنه من حق غير المدخن التوجه إلى القضاء ضد المدخن وضد صاحب المقهى وطلب توقيف نشاط المقهى إلى أن تتوفر شروط سلامة غير المدخنين والتزام المقهى بذلك، أو الإغلاق تطبيقا للقانون كما يمكنه طلب التعويض. وهو الحق نفسه لسكان الحي أو العمارة مثلا. ولعل الشرطة الإدارية لها دورها الذي لا تقوم به. وهي تقف على أدوات التدخين وتعاين المدخنين أمامها وكأن الوضع سليم والأمر عادي. هذا غير موجود البتة رغم أنه من صميم عملها حتى إذا افترضنا حسن النية في عملها والقيام به بنزاهة.
وهناك مقاهي تغض الطرف عن تعاطي المخدرات التي لا تقف رائحتها عند حدود المقهى وإنما تنتشر في الشارع أو الزقاق وتصل وتصعد إلى المنازل وخاصة مقاهي الشيشة التي تختلط بها وفيها كل الممنوعات على مرأى ومسمع من السلطات ومنها ما يوجد في شوارع عامة وأحياء رئيسية وسط كبريات المدن في مشاهد وصور
غير قانونية ولا إنسانية ولا حضارية بل في صور للرعونة والفتوة والبلطجة نهارا وليلا وفي جميع المناسبات الوطنية والدينية.
ولهذا، فمقترح قانون منع التدخين في الأماكن العامة أمل أغلب المغاربة جاء متأخرا وطال انتظاره. وتتحمل السلطات في تغييبه وعدم تطبيقة المسؤولية الأولى. ذلك، أن السهر على حماية المواطن وصحته هو أولويتها التي لا تقبل التراخي ولا التواطؤ. ولهذه الاعتبارات، لايجب النظر لمنع التدخين من زاوية هوية مقترح القانون وإنما من وجهة نظر إحداث الضرر ومصلحة غير المدخن. فهذا مقترح قانون،يجب أن يتحقق حوله الإجماع الوطني والمؤسساتي ويجب أن يدعم ويفعل إسوة بعدة دول سبقتنا إلى ذلك رغم الاختلافات المرجعية والقيمية المجتمعية معنا والتي تؤكد أننا نحن الأولى بإقرار المنع وتغريم المدخن حماية للمواطن ولصحته مع التشدد مع من تثبت في حقهم حالة العود من المتهورين ومن المستهترين بالقانون حماية للصحة العامة وصونا لمفهوم الفضاء العام.