للعام الثاني على التوالي، يختار العاهل المغربي محمد السادس، بكل شجاعة، أسلوبا ثوريا وجديدا في الخطاب، وفي مقاربة نزاع الصحراء، بالإعلان أولا عن القطع مع اقتصاد الريع، في استجابة لمطلب استمر طويلا مغربيا، وثانيا بإعلان رؤية استراتيجية مغربية، غير مسبوقة إفريقيا، للإقلاع الاقتصادي، ونقل الصحراء إلى موقع قاطرة، تجر التنمية في منطقة غرب إفريقيا.
وثالث الهام من النقاط، في خطاب الملك المغربي، في قرائتي، مد اليد من جديد إلى سكان مخيمات تندوف في الجزائر، ورابعا الرفض الواضح للذين اختاروا أن يكونوا ضد الوطن في قضية الصحراء، وهذا ما ترجمه قبول أي عفو عن الكدانين قضاىيا في أحداث كديم إيزيك، السيئة الذكر، في مدينة العيون.
ففي المنطقة المغاربية، يتأكد وجود إيقاعين اثنين، فسرعة مغربية للتراكم في كل الاتجاهات، وتحقيق نموذج مغربي، ليس استثنائيا، ولكن يستحق الاحترام، من الخصوم قبل الأصدقاء.
وفي الجانب الثاني من المعادلة، باقي الدول المغاربية، تحاول الخروج من الخريف العربي مثل تونس، وفي مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات مع داعش كليبيا، ودول بدون أفق للأسف الشديد، مثل الجار الشرقي للمغرب، أي الجزائر، ودولة مغاربية تراقب الباقين في صمت، واسمها موريتانيا، لا هي مع أو ضد المغرب في نزاع الصحراء؛ أي هي بين صديق وعدو.
وبطبيعة الحال، فالتجربة المغربية، ليست صورة للكمال، بل المشهد فيه نقاط سوداء، تحتاج لمزيد من العمل من الرباط، للتغلب على الأمية وعلى الفقر وعلى العزلة للقرويين، وعلى العدو الأول مغربيا في نظري؛ الفساد، وشحن بطاريات الإصلاح، لأن القطار يعاني من تراجع في التسارع، تحت مظلة دستور الربيع المغربي الناعم.
وبالعودة إلى الصحراء، فإن رمالها تتحرك بشكل إيجابي، بعد زيارة تاريخية بكل الدلالات والحمولات، للعاهل المغربي محمد السادس، في ذكرى مرور 40 عاما على أكبر مسيرة سلمية للتحرير من الاستعمار، في تاريخ البشرية الحديث والمعاصر.
ويبقى العائق المغربي مستمرا، هو ضعف الإعلام المغربي في الوصول إلى العالم، بتقديم مغرب يتحرك؛ ففي ليلة تاريخية بكل المقاييس، للسادس من نوفمبر، انتظر المغاربة نقلا احترافيا لوصول العاهل محمد السادس، إلى مطار مدينة العيون، كبرى مدن الاقاليم الجنوبية المغربية، إلا أن المشهد كان دون المستوى في النقل التلفزيوني، ليشتعل الفيس بوك، الموقع الأول مغربيا في التواصل الاجتماعي.
فأسلحة القرن الحادي والعشرين، هي ناعمة جدا، من القنوات التلفزيونية، وصولا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا يغيب المغرب بإعلامه الحكومي والعمومي والرسمي، وسط تزايد نقمة الرأي العام المغربي، والحاجة إلى جيل جديد من الكفاءات المغربية، القادرة على صناعة نموذج إعلامي مغربي، قابل للمشاهدة.
فلا يمكن لمملكة أنجزت خامس تجربة للمصالحة عبر العالم، ولدولة تتناوب فيها الأحزاب على الحكومة، من اليسار إلى الإسلاميين، ولمملكة يسقط عاهلها القداسة من الدستور، كيف لها أن تواصل الحياة بإعلام مرئي ومسموع، غارق في التخلف، يسيء للمملكة أكثر مما يقدمها بصورة بمصداقية، وقابلة للاحترام من مواطني البلد أولا.
فأمام التغيرات التي يعرفها ملف الصحراء، من زاوية المقاربة الرسمية المغربية، لا بد من قرار استراتيجي مغربي، بإصلاح لحقل الإعلام، لإسقاط المدارس المتجاوزة إعلاميا.
وأعترف بانتمائي إلى الحالمين بخطاب من العاهل المغربي محمد السادس، يسقط الإعلام المغربي الحكومي الحالي، بكل فشله وتراكمه السلبي، ويعلن عن ولادة جديدة للإعلام وللصحافة في المغرب، تكون جديرة باسم المملكة المغربية.
وأرى أن الانتماء إلى الإعلام وإلى المغرب، يفرض إرسال السهام إلى من يواصل تعذيب المشاهدين المغاربة، وتقديم منتوج لا يمكن لغير المغربي للأسف الشديد، أن يختاره للاستهلاك لعدم صلاحيته؛ أتمنى أن تصل روح خطاب العاهل المغربي عن المسيرة الخضراء، في ذكراها الأربعين، كرياح للإصلاح إلى التلفزيون.
وفي الأخير، يحتاج المغرب إلى وجه ثاني في إصلاح الإعلام، وأعني مخاطبة الآخر العالم، في نزاع الصحراء، القضية الوطنية الأولى لكل المغاربة، لأن عدالة القضية لا تكفي، بل يجب صناعة إعلامية لمخاطبة العالم، بعدالة وأحقية المغرب في القضية؛ ففي النهاية هي صحراء غربية جغرافيا ووفق التسمية الصادرة عن الأمم المتحدة ولكنها مغربية.