تحكي المرويات أن آدم كانت قامته ممتدة إلى غاية السماء حيث عرش الرحمن. ولقد آلمه أن يكون مطلعا، رغما عنه، عما كان يحدث بين كائنات الفضاء العالي من خصام . أشياء كثيرة فيها تنابز وتدافع. فحتى هناك في الأعالي ثمة كدح وجهد لتحصيل الرفعة في المقام.
لم يكن آدم ليقبل بوضعية الرجل الذي يعرف كثيرا كما في فيلم لهيتشكوك بذات العنوان، فطلب من ربه أن يبعد قامته عن السماء. استجاب الرب لدعوته فأعاده إلى الأرض بعد أن سوى من هيأته، فصار بقامة عادية، ابنا للأرض من الرأس حتى القدمين.
ومذاك الحين هنأت أذناه من سماع شجار العِلِّيين.
لما صار لآدم ذرية، تركها تجد في السعاية قوتا وحكاية . لقد حرم أب العالمين على نسله من الأرضيين كل سرد السماء, فكان أول أب يمتنع أن يكون حكواتيا لصغاره.
لنا أن نتخيل أب يهدهد أطفاله لكيما يناموا وهم جوعى من كل حكاية . كبر الأطفال واستعظموا السماء وما فيها , وخلعوا على خدامها كل النور والقداسة . ولو حدثهم أبوهم بمخزون أذنيه, لما كانتا كمسبار صنع في واد السيليكون في لاس – آلاموس، هائمتان في أعالي الملكوت، لَمَا آلَ للبشر ذاك التوقير القادم من زمن أبناء نسجوا حكايات إجلال اتجاه مخلوقات لم يكن والدهم ينظر إليها بالهيبة التي استحدثوها .
عظمة آدم أنه ترك لأبنائه تعلم حكيهم الخاص اتجاه السماء ومخلوقاتها. لم يكن أب واشِ. لذالك فالبشرية لم تنحدر من جاسوس.
على الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية أن تنسى- كما آدم- كل مروياتها النضالية ضد " المستعمر" ومن بعده " المخزن"، وعليها أن تترك الماضي يمضي وألا تجعل منه مكانا أثريا تستخرج منه "لُقى " لمواجهة الدولة كلما لم يسعفها الحظ في النجاح السياسي والانتخابي والوظيفي؛ حيث توكل لشبيباتها – لكي لايطالها اللوم- الإتيان ب" الفعل الغِرِّ.
إنه لنكوص أن يحول " الزعيم الوطني" شبيبته إلى مدبرة اكلينيكية لهوس الماضي تستدعيه تحت الطلب للتنديد بواقع الحال من حيث انتسابه إلى جملة ممارسات "نظام الحسن الثاني".
أجِمَ الملك الراحل عن سرد حكاياته السياسية لولي عهده. لم يكن مستشاره عبد الهادي بوطالب يفهم الأمر إلا في حدود " معاقبة الأذن الأميرية ومنعها من السماع " ، فيما كان الملك يهيء خليفته " لفهم هوياتي – شخصي " للوقائع يتأولها وجيله في أفق بناء استراتيجيات توافقية حول "الحقائق".كل الحقائق..
