طرح موضوع المساجد ووضعياتها بكندا له أبعاد اجتماعية ودينية بل وسياسية متداخلة، من الصعب تجاهله وعدم الخوض فيه على اعتبار ارتباطه بواقع المهاجر المسلم في بلد علماني يفصل الدين عن الدولة.
فالمساجد كمكان للعبادة وممارسة الشعائر الدينية سواء اليومية أو خلال الأعياد الدينية المرتبطة بالإسلام تطرح معها إشكالية الهوية والانتماء والاندماج، ومدى قدرة المساجد على الالتزام بقوانين البلد المضيف الذي يؤمن بحرية العقيدة لجميع المواطنين بدون دعم أو تمويل. خاصة أن الانطباع الرئيسي للمواطنين الكنديين بصفة عامة يتجه نحو اتهام الجالية المسلمة بصعوبة اندماجها في مجتمع لائكي على عكس الجاليات الأخرى، مما يفتح نقاشا سياسيا جوهريا حول الصراع الخفي غير المتكافئ بين الديانات بمجتمع حداثي يضمن احترام كل المعتقدات في حدود الحرية الفردية التي لا تتجاوز حرية الآخر.
المساجد بكندا في صورتها السطحية يتم تدبيرها من طرف جمعيات دينية تخضع للقانون الكندي - قد ينتمي مؤسسوها لنفس البلد الأصلي أو من أصول مختلفة - مما سهل انتشار هذه المساجد بشكل واسع في مختلف المدن والأحياء، ولعل الدول المغاربية هي الأكثر حضورا في تدبير المساجد نظرا لتجربتها، وكذا رغبتها الحثيثة في التأطير الديني لشبابها والتزامها بهوية الدين الإسلامي المعتدل في توجهاته.
وتعمل هذه الجمعيات على توفير إمكانيات هائلة مادية وبشرية لقيام بدور التوعية وتأمين البعد الروحي والتربوي والثقافي.
غير ان الواقع يكشف أحيانا خبايا يستعصي على الإنسان فهمها، فما يروج خارج أسوار هذه المساجد بين العارفين بكواليس التدبير يفتح المجال للشك في مصداقية هذه الجمعيات والتي تنحرف عن الأهداف التي خلقت من أجلها، حيث الصراعات واحتكار بعض الأشخاص التسيير وتمركز التدبير المالي في يد قليلين من أعضاء هاته الجمعيات، ما يخلق الاحتقان والتطاحن في تنافي صارخ للديمقراطية التي تشهدها الدولة المضيفة، علما أن التمويل الرئيسي لهذه المساجد يأتي من الهبات العينية للجالية وكذا الدعم الخارجي كما هو حال المساجد المغربية التي تتوصل بإعانات مالية مهمة من المملكة المغربية.
فإذا كانت بعض المساجد تتوفر على أطر وكفاءات توفر المناخ الملائم للعبادة بتدبير مالي شفاف يعرف تفاصيله الجميع، فالعديد من المساجد الأخرى تخبط خبط عشواء وتتميز بالفردانية في التسيير خلقت فقط خدمة لمصالح شخصية صرفة.
بل وأن مسيريها هم في عزلة تامة عن العالم الخارجي، ومنهم من لا يتقن حتى لغة البلد الذي يقيم فيه.
كما لا تفوتنا الإشارة إلى احتكار هذه الجمعيات لتسيير مدارس اللغة العربية والدين الإسلامي في أسلوب تجاري يستغل تعطش الجالية لتعليم أبناءه اللغة الوطن الأصل وتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي نهاية الأسبوع، حيث تفرض رسوم يعتبرها بعضهم رمزية في حين أنها مصاريف لا تؤدى في المدارس العمومية كما أنها غير مصرحة.
عموما يصعب رصد واقع المساجد بكندا نظرا لاختلافها وتنوعها من حيث الطاقات البشرية والطائفية وأحيانا الإيديولوجية لكن أساسه ينبني على الحفاظ على الهوية الدينية في بلد غربي، يجب أن تلتزم الجمعيات المسيرة لها بقوانين الدولة المستقبلة وأن تبحث عن سبل الخروج من قوقعتها التي تسيء لصورة الدين المنفتح ، فإذا لم تستطع هذه الجمعيات استثمار الموارد المالية التي تتوفر عليها في المجتمع المستقبل لتلميع صورة ديننا الحنيف فأقل ما يمكن فعله هو الالتزام بما يقتضيه وجودها.
ملاحظة لابد منها: وهي صورة مصغرة لخرق هذه المساجد للقانون الجاري بكندا ويتعلق بحركة السير، فبالقرب من كل مسجد هناك خرق سافر لقانون السير، مصلون يعرقلون السير، يركنون سياراتهم بكل عشوائية في حين نحمل نحن من يتحامل علينا كمسلمين، ونحن من نسيء لديننا.