بشكل من الغرابة الوجودية، تزامن نشر رواية "رعشة الجنون" بوفاة الكاتب المفاجئة إثر أزمة قلبية حادة.
كان إحساس الكاتب وحدسه بوفاة منتظرة يشكل عائقا نفسيا ومعرفيا أمام تحقيق طموحاته اللامتناهية، والتي اتسمت بصرامة وشهامة، في اتخاذ مواقف إنسانية تجاه الآخر وتجاه متبطات المجتمع، ومما يدعم هذه القناعة المبدئية قوله في روايته ص61:
"الصمت عدم، والطمأنينة عبث، والتوازن فناء. وإذن صارع أمواج أفكارك بكل قوة وإصرار، وإلا ابتلعك يم الخيبة، وتجرعك وادي اليأس، هذا ما كانت تنادي به أفكاري المهزوزة".
تشكل طيبوبة الكاتب حسن حلفيشي وصرامته في جعل المكبوت وتحويله إلى سلطة معرفية بناءة، مفتاحا لطرح تساؤلات فلسفية، بسيطة في شكلها، وعميقة في مضمونها، وهي تساؤلات كان يرددها باستمرار، دون أن يجد لها جوابا شافيا ومقنعا:لماذا يختار الموت، في غالبيته، الإنسان الطيب، وفي سن مبكرة؟
إن رواية "رعشة الجنون" تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة المحرقة، في زمن موبوء عاش فيه المؤلف أحلك لحظاته، ومعنى ذلك أن الشهرة التي توخاها الكاتب حسن حلفيشي اصطدمت بهزيمة نكراء، جراء عدم اعتراف (الواقع المعاش) بالكفاءات، بقدر ما يعمل على إحباطها، يقول في الصفحة 90/91:
"يبتسم المجنون على مضض ابتسامة محبطة، تعبر عن هزيمته النكراء ويقول بيأس أخير: ولكن ما وقع لم يكن وهما، ولا هلوسة، وليس حلما، إنه الحقيقة مجردة".
وهل فعلا تؤدي المعاناة إلى الجنون؟ أم أن المعاناة هي مصدر كل إبداع وحلق؟ وكيف يمكن للجنون أن يتحول بطرق وآليات بسيكولوجية خاصة، إلى مصدر تصبح فيه المعرفة جد يقينية، وجد حاسمة، حسب تعبير فريدريك نيتشه.
إن تأثر الكاتب حسن حلفيشي عمالقة الأدب الروائي كدوستويفسكي ونجيب محفوظ وعبد الرحمان منيف، جعله يطمح إلى الرقي بكتاباته إلى هذا الصنف، وليس الأمر ادعاء، بل إننا نلمس مدى النفس الطويل والعشق في الكتابة، وإعطاء الكلمة قدسية وعمقا في تحليل الشخصيات وسرد للأحداث بلغة سلسة وخيال مرهف، نلمس من خلاله حسا روائيا بامتياز.
كان بإمكانه تحقيق مبتغاه، لو أن "صدفة الموت" رحمته وساعدته على إكمال مشواره.