الجمعة 10 مايو 2024
سياسة

كيف يسخر رسامو الكاريكاتير المغاربة من بنكيران؟

كيف يسخر رسامو الكاريكاتير المغاربة من بنكيران؟

يقال دائما إن السخرية تنقذ الشعوب من الاكتئاب، وكل أنواع المرض النفسي والعضوي والاجتماعي، خاصة حين تكون هذه الشعوب تجتاز ظروف التصدعات الشرسة، أو الحروب الأهلية، أو ترزح تحت نير الأنظمة الشمولية، أو ما شابهها. وتأخذ هذه السخرية الاضطرارية تعبيرات مختلفة، إما في شكل نكت أو طرائف أو رسوما كاريكاتورية... ذلك ما حدث خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أو خلال أيام الحكم المغلق لصدام حسين أو الأسد الأب والابن أو معمر القذافي، وكذلك خلال مخاضات ما سمي بـ «الربيع العربي» في مصر وتونس واليمن، وغيرها من البلدان العربية، وذلك ابتداء من يناير 2011.

وبالنسبة إلينا في المغرب، فقد ازدهرت السخرية بمختلف تجلياتها خلال سنوات الرصاص التي عرفها المغرب، خاصة في السبعينيات من القرن الماضي، حيث كان المغاربة يجدون نوعا من التنفيس، أو التعويض بالمعنى النفسي للكلمة، من خلال تداول طرائف حول وجوه سياسية، حزبية أو وزارية، في صدارتها، خلال تلك الحقبة، كل من محمد أرسلان الجديدي وخطري ولد سعيد الجماني.

كان الأول، ذو الأصول النقابية، قد تقلد عددا من الحقائب الوزارية في حكومات الحسن الثاني، وكان يتميز عن نظرائه الوزراء بلهجته البدوية الواضحة، وبخطبه المرتجلة، سواء أمام قواعد حزبه في التجمع الوطني للأحرار أولا، وفي الحزب الوطني الديمقراطي لاحقا، أو في مناسبات جماهيرية مفتوحة. وبلهجته تلك، وبكلامه المرتجل كان يلفت إليه الأنظار لدرجة أن المغاربة لا يزالون يحفظون كلاما منسوبا إليه من قبيل العبارة الشهيرة «لقد صيفطني صاحب الجلالة»، وكذلك "أننا غادي نرجعو دكالة كلها بقر إن شاء الله".

كانت خرجات المرحوم الجديدي لا تتوازى في الخفة سوى بما يحكى عن زميله خطري ولد سعيد الجماني، العضو السابق في البرلمان الإسباني الذي التحق بنداء المسيرة الخضراء، ومثل بين يدي المرحوم الحسن الثاني في نونبر 1975 لتجديد البيعة في لحظة حاسمة في ملف قضيتنا الوطنية. والمغاربة إذ يحفظون هذا الموقف الوطني للجماني، يحفظون في نفس الوقت النكت التي أحيطت بشخصيته، حتى وإن كان مقلا في تناول الكلمة جماهيريا، ولذلك رسموه في المتخيل الشعبي نموذجا للسذاجة السياسية المثيرة للسخرية.

نخلص من هذا الاستذكار التاريخي إلى أن الشعب المغربي كغيره من شعوب الكون يعرف كيف يبدع في أحلك أيامه، وأكثرها انغلاقا أساليب للترويح عن النفس بابتداع نكت وطرائف قد تكون صحيحة النسب إلى أصحابها أم لا، ولكنها تعبر بالسخرية السوداء عن مواقف المواطنين من السياسة العامة، ومن علاقات الحكام بالمحكومين. ومناسبة هذا الاستذكار ما صرنا نلاحظه اليوم من عودة الطرافة السياسية بشكل حي مجسد إلى المشهد العام بعد تولي عبد الإله بنكيران (أمين عام حزب العدالة والتنمية) مسؤولية العمل الحكومي منذ 2011.

يقول أحد المواطنين مفسرا هذا السياق الجديد "إن الله أراد أن يمتحننا بحكومة ضعيفة تخالف تطلعات الشعب المغربي، لكنه جل جلاله منحنا في نفس الوقت رئيسا حكومة من النوع الكوميدي بامتياز. وذلك، يضيف المواطن، لحكمة ربانية تخفف عنا أوزار هذه الحكومة التي لولا بنكيران، جازاه الله، لأصيب أغلب المغاربة بضغط الدم، وبارتفاع نسبة السكري، وبـ «الفقسة»، إن لم نقل السكتة القلبية لا قدر الله".

تفيدنا هذه القولة، التي لا تخلو من دعابة، في استنتاج أن بنكيران قد توفق في أن يعيد المغاربة إلى زمن الضحك السياسي، سواء بسلوكه داخل الحكومة، أو في البرلمان، أو في اللقاءات الدولية. ولذلك تميز عن كل نظرائه الذين ترأسوا الحكومات السابقة بـ «بروفيل» خاص يلتقي فيه التعبير الشفوي مع التعبير المظهري، لغة السياسة مع لغات الشارع، "التدخلات المكتوبة مع الخرجات غير المحسوبة".

لم يسبق لوزير أول أن خاطب نائبة برلمانية أمام العموم، وتحت قبة البرلمان، بحديث ساقط فيه لغة البارات والبورديلات وفيه: "الكبير والصغير ديالي وديالك".

لم يسبق لوزير أول أن نعت جزءا من نواب الأمة بالسفهاء.

لم يسبق لوزير أول أن أهان المرأة المغربية بالنظر إليها كمجرد ثريا البيت، مثلها مثل «طباسل الطاوس» أو باقي الأثاث.

لم يسبق لوزير أول أن أدخل الحيوانات المفترسة إلى حلبة السياسة العامة بذكر العفاريت والتماسيح.

لم يسبق لوزير أول أن وصف رئيس حزب بـ «الشفار» أو "الصكَع"..

لم يسبق لوزير أول أن اعتبر أمطار الرحمة هبة ربانية مهداة لحزبه ولحكومته.

إنها الكوميديا السوداء في أبهى مظاهرها، المنبعثة من دهاليز السياسة، ومن عمق الإحباط الشعبي غير المسبوق، قياسا إلى التجارب الحكومية السابقة. ولذلك صار عبد الإله بنكيران «بطلا هزليا» من نوع الكوميديين الذين ما إن يظهروا أمام الجماهير حتى ينفجروا صراخا، يضحكون ويبكون في نفس الوقت ألما وهما وغما. ولذلك صار الرجل موضوعا يوميا للنكت والطرائف وللرسوم الكاريكاتورية التي وجدت في رئيس الحكومة الموضوع المناسب لانحدار الجد، ولتراجع السياسة ولدفن الآمال الشعبية، مقابل صعود الهزل الأسود.

في هذا العدد نستعيد موضوع السخرية، من خلال أقوى تعبيراته الدالة: فن الكاريكاتور السياسي الذي يرصد المرحلة الراهنة من زاوية التقاط مفارقات الوضع السياسي الحالي الذي تنتفخ فيه الخطابات، وتتضخم فيه الوعود مقابل هزال الحصيلة، وغياب التراكم الحقيقي.

وها هو الهزال يصبح هزلا بفضل لا مسؤولية رئيس الحكومة، وبفضل «تقشابه» الحامض، وضحكه «الباسل» الأشبه بالبكاء!

ألم يقل المغاربة «إن كثرة الهم كتضحك»؟!

(تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في غلاف العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"، تجدونه في كل الأكشاك)

une-Coul-1-1