التحذلق السينمائي صفة أصبحت لصيقة ببعض السينمائيين المغاربة خاصة منهم بعض الشباب الذي يحاول رسم مساره السينمائي ولو على حساب منجزات وتضحيات الرواد الذين بنوا أركان السينما الوطنية بتضحياتهم وعطاءاتهم العديدة المتعددة، رغم اختلافنا مع بعضهم في الرؤى والمنجزات أو من حيث البعد أو القرب من الأخلاق الفنية الرفيعة.فهم على كل حال، سابقون في حمل صليب وآلام الإبداع المغربي.
مناسبة القول مشاهدة الشريط الجديد "دالاس" للمخرج الشاب علي مجبود وما جاء به من طروحات فيها الكثير من التنطع والإساءة لوسطنا المهني (لا نروم هنا مصادرة حقه في التعبير، بقدر ما نروم تصحيح المغالطات والمفاهيم وتذكيره بأخلاقيات المهنة وتذكيره بتجاوز سياسة الضرب تحت الحزام بوعي أو دون وعي)، بقصة مفبركة لا تتقاطع مع الواقع ولا تضيف الشيء الكثير للتراكمات والانجازات، قصة منتزعة من وهم التفوق وشيطنة الفن والفنانين والانغراس في صلب إشاعات الفساد بتقديم كل من يشتغل بالسينما على أنه منحرف، إما فنيا أو خلقيا..
علي مجبود، وعلى غرار العديد من الشباب المتمكن من أدواته التعبيرية والفنية، رغم غياب الخلفيات الفكرية المسنودة بثقافة عالية، صنع، ومنذ مدة، سمعة طيبة بإنجازه مجموعة أعمال تلفزية، خلقت المتعة والفرجة لدى شريحة واسعة من المتفرجين المغاربة، لكن مغامرة السينما تحمل معنى آخر ومغامرة غير محمودة العواقب في كثير من الأحيان، مغامرة لا يجوز لأحد من السينمائيين بالمغرب الركوب عليها، خاصة إن كان العمل مسنودا بالمال العام، أي أنه لا يجوز توظيفه في اللعب بالكاميرا والتفنن فقط في التصوير بحكايات مبتذلة يشتم منها وهم التفوق وشيطنة الخصوم والأصدقاء على حد سواء والتبشير بعالم جديد سيبز فيه الجميع..
قصة الشريط تتمحور حول شخصية "دالاس"، المخرج المهووس بإنجازاته الفيلمية الساعي بكل قوة لتحقيق فيلم جديد، فيلم يحاول البحث له عن منتج، لكن بعد البحث وركوب لغة ارتياد الحانات، سيقع على شخص غريب الأطوار (المستوري) لا علاقة له بالسينما، فهو مجرد رجل مدعي أو لنقل حديث الغنى، يسعى لتصوير قصته وقصة أبيه، مستثمرا أمواله ونفوذه، مسخرا طاقاته في إذلال المخرج وكاتبته التي تحمل على ظهرها كل مشاكل التصوير، وبين هذا وذاك نجد ممثلين لا هم لهم سوى شرب الخمر ومراودة الممثلات عن أنفسهن، وتقنيين لا مسؤولين في مهماتهم العملية يوجد بينهم منحرفون وشواذ، ومساعد للمنتج (قابيل) ضعيف الشخصية ونجم مهووس بالنجومية، لا يتوانى في الاستهزاء بالعملية الإبداعية ويتصرف كالمجنون في موقع التصوير، متدخلا في عمل المخرج والآخرين.. مشاكل الشريط تتراكم لغياب الاحترافية ولسيادة النرجسية وعدم احترام المهمات، لتتطور الأحداث فيموت بطل الشريط/ النجم بحبة تمر كان يأكلها وهو يتجادل مع المخرج حول كيفية تصوير مشهد القبلة التي يصر أن تكون على بالشفاه بدل الجبين كما يريد صاحب الفيلم.. موت سيجعل "دالاس" يقع في ورطة وإشكالية كيفية إتمام فيلمه بنفس الممثل، رغم موته، ودون أن تعلم الشرطة بما حدث، لكن التقنيين سيتمردون على ما حدث ليتدخل أشخاص متواطئون مع المخرج لإجبارهم بالقوة على الاشتغال.. اشتغال سيبدو سورياليا مقتطعا من أفلام الرعب وقصص العمل الإجباري في السجون الروسية الستالينية. لكن حقيقة الأمر فهو مقتطع من عوالم السلسلة الشهيرة "ساعة في الجحيم" التي تنتجها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، القناة الأولى التي أخرج العديد من حلقاتها علي مجبود نفسه..
مجبود لم يستطع أن يتخلص من سنوات اشتغاله في السلسلة المذكورة أعلاه مثلما لم يستطع أن يفرق بين العمل في التلفزيون وعمله الجديد في السينما، على الأقل في اختيار قصة فيلمه التي جاءت وكأنها امتداد عادي لحلقات "ساعة في الجحيم" مع فارق بسيط هو أنه حولها على الشاشة الكبيرة إلى "ساعة ونصف في الجحيم" من الصراخ والكلام البذيء الموظف في غير محله والنبز واللمز في قناة بعض الممثلين المغاربة بإسناد أسماء قريبة من أسمائهم لشخصياته الفيلمية..
لكن من جهة أخرى، ولكي لا نبخس لهذا الشاب حقه في الخلق، فإننا نؤكد أنه كان، وطيلة مدة الشريط، جد متحكم في كاميرته ورؤيته التقنية، خاصة على مستوى الحركات التي كانت في كثير من الأحيان في غاية الدقة (حركات الستيديكام خاصة) والتقاط زوايا التصوير والتفنن في تقطيع المشاهد بما يخدم المعنى العام للفيلم، معنى ضاع في زحمة القول اللامسؤول، قول لا يصنع سينما جادة، سينما تروم تكريس المواقف الإيجابية و تستثمر المنجزات السابقة، خاصة إذا جاءت بدون خلفيات فكرية تسندها وتعطيها أبعادا قادرة على رج أحاسيسنا وتقديم إضافات لسينمانا، من حيث ترسيخ رؤى حالمة ومتفتحة على تراثنا الإبداعي السينمائي، وقبل ذلك معترفة بعطاءات الآخرين ..