الجمعة 14 مارس 2025
سياسة

ظاهرة أفرزها الإقــتــتال داخل الاتحاد الاشتراكي.. تعرفوا عليها!

ظاهرة أفرزها الإقــتــتال داخل الاتحاد الاشتراكي.. تعرفوا عليها!

عاش الاتحاد الاشتراكي، منذ تأسيسه، أزمات وتوترات وصراعات داخلية قوية لم يتمكن من احتوائها دائما بنجاح، حيث انتهى الأمر ببعضها إلى التصدع والانشقاق. وبالعودة إلى التاريخ، نجد أن الخلاف بين الجناح النقابي والجناح السياسي في الستينات ثم الصراع بين ما سمي آنذاك جناحي الرباط والدار البيضاء بداية السبعينات، وانشقاق حزب الطليعة بداية الثمانينات ثم حزب المؤتمر أواسط التسعينات، وعن هذا الأخير انشق الحزب الاشتراكي، ثم أفضى الخلاف في الألفية الثالثة إلى ميلاد الحزب العمالي.. وهكذا يظر أن عدم تطوير آليات ديمقراطية كفيلة بصيانة وحدة الحزب دون مصادرة الحق في الاختلاف وفق المنطق الديمقراطي المتعارف عليه كونيا، قاد إلى العديد من الانشقاقات التي أوهنت الحزب، وحولته من قوة كبرى إلى أسد شائخ وجريح..
الأزمة الأولى القوية الأولى، والتي امتدت ما بين المؤتمر الثالث (1978) وماي 1983، حيث تفاقم صراع ما يسمى بـ "التيار النقدي" مع قيادة الحزب (عبد الرحيم بوعبيد)، وانتهى الأمر بفصل المنتقدين وطردهم من الحزب، مما أفضى إلى تأسيسهم لحزب جديد يتكون من:
+ أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية للاتحاد الاشتراكي الذين قادوا الصراع داخل الاتحاد، ومعهم كل المناضلين الذين شكلوا اليسار الاتحادي.
+ رفاق الشهداء: وهو يسار القطاع الطلابي الاتحادي، مناصر للجنة الإدارية الوطنية. تبلور عام 1979 في الوقت الذي بدأ يتشكل بعد المؤتمر الاستثنائي عام 1975. وتشكل كتيار قائم الذات راديكالي التوجه. ولعب دورا هاما في إعادة هيكلة الحزب، والتعريف به، وخاض الصراع داخل الحركة الطلابية من منطلق توجيهي ماركسي.
+ الاختيار الثوري: بعد المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، تشكل تيار يساري أغلبه من المنفيين الاتحاديين. والتف حول جريدة كان يصدرها باسم "الاختيار الثوري" وفاء لفكر ونضال الشهيد المهدي بن بركة. وأثناء إعادة هيكلة ما سمى فيما بعد بالاتحاد الاشتراكي-اللجنة الإدارية الوطنية- عقد مؤتمره سنة 1985 وقرر الالتحاق بالاتحاد-ل.إ.و.
+ جيل جديد ممن التحقوا بالحزب، تاُروا بالخطاب الثوري الذي كانت تصرفة جريدة المسار قبل ان تتوقف، او ممن استقطبوا داخل الجامعة على قاعدة خطاب رفاق الشهداء.
الأزمة الثانية، والتي أعقبت التصويت على دستور 1997 بنعم، حيث أسس الغاضبون (محمد الساسي، عز الدين أقصبي، خالد السفياني، محمد حفيظ، الطيب حمضي.. إلخ) حركة «الوفاء للديمقراطية»، التي تضم أساسا التنظيم الشبابي للحزب وعددا من المثقفين والبرلمانيين والقيادات المحلية، خاصة في الدار البيضاء وطنجة ومكناس، تريد أن تباشر المرحلة المقبلة من موقع التيار الفكري المهيكل والمستقل، والتعامل مع باقي الأطراف على هذا الأساس في أفق تحقيق طموح "تأسيس الحزب الاشتراكي الكبير المنفتح والديمقراطي".
الأزمة الثالثة، وهي التي أعقبت المؤتمر الوطني السادس (1999)، حيث تأسس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي بعد فشل كل مساعي المصالحة منذ انسحاب «الحركة التصحيحية» من المؤتمر، التي حاول فيها العديد من الشخصيات الوساطة بين عبد الرحمن اليوسفي ومحمد نوبير الأموي الأمين العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل الذي تزعم حركة المنسحبين.
الأزمة الرابعة، وهي الأزمت التي تمخضت عن تقديم عبد الكريم بنعتيق استقالته من الحزب وتأسيس الحزب العمالي، وهي أزمة وصفها مراقبون بالمفتعلة، خاصة أنها مرتبطة بإقصاء عبد الكريم بنعتيق من عضوية المجلس الوطني للحزب، وهو الذي كان وزيرا في حكومة اليوسفي، وعضوا قياديا في شبيبته، وفي مركزيته النقابية.
لقد استنزفت الانشقاقات المستمرة حزب الاتحاد الاشتراكي وقلصت قيمته الاعتبارية لدى المواطنين، كما كانت مساهمته في التدبير الحكومي وقيادته سفينة التناوب سببا في تحميله النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي لم ترق إلى ما يطمح إليه المواطن، خاصة وأنه الحزب الذي حمل حقيبة المالية والثقافة والتعليم والعدل والبيئة. وإذا كان المشهد السياسي العام قد عرف في عهد حكومة التناوب متنفسا إيجابيا بإقرار المصالحة الوطنية وفتح مجال الحريات العامة، فإن نتائج الوضع الاقتصادي لم تسمح للحزب بالإبقاء على مكتسباته الجماهيرية.
وإذا كانت هذه العوامل جزءا مفسرا لأزمة حزب الاتحاد الاشتراكي الحالية، فإن عوامل أخرى ذات طبيعة تدبيرية كانت حاسمة في تضييع رأسمال الحزب النضالي، إذ لم يعرف الحزب كيف يدبر اختلافاته فقد انتهى صراعه مع فرعه النقابي الفاعل في الساحة الاجتماعية إلى الانشقاق، وتم الدخول في صراع قوي مع الشبيبة الاتحادية من أجل إضعافها، مما أفضى إلى انسحاب جزء كبير من مناضليها، وأخيرا وليس آخرا، جاء الدور على الإعلام الحزبي الذي عاش اقتتالا بين جناح خيرات وجناح القيادة الشرعية لحزب الاتحاد.