Friday 12 December 2025
كتاب الرأي

محمد هرار: حين تُقيَّد يدُ الخير البريئة..

محمد هرار: حين تُقيَّد يدُ الخير البريئة.. محمد هرار
في زمن تُرفَع فيه شعارات حماية حقوق الإنسان، وتُصاغ لأجله الاتفاقيات الدولية لحماية المدنيين، يبرز مشهد عصيٌّ على الفهم والتبرير: منع المواطنين—جمعياتٍ وأفرادا—من المبادرات الخيرية، وجمع التبرعات، وإيصال المساعدات إلى المنكوبين والنازحين والمهجرين، تحت ذرائع تتعلق بالرقابة، أو تجفيف منابع الدعم لجهات مشبوهة، أو الخشية من توظيف المساعدات في غير موضعها المنوط.
قد تبدو هذه المبررات منطقية على الورق، لكنها على أرض الواقع تُنتج معادلة خطيرة: القوانين تُطبق، لكن الإنسان يُهَمَّش. وبينما تُحكم السلطات قبضتها على العمل الإغاثي، يبقى الضحايا الحقيقيون—وهم الأضعف والأكثر هشاشة—يواجهون الموت جوعا أو بردا أو مرضا، دون أن تمتد إليهم يد تُعين أو كنف يحمي..
إن صور الأطفال المرتجفين تحت زخات المطر، والأسر التي تفترش الوحل تحت خيمة مهترئة في عاصفة ليلية، والمرضى الذين ينتظرون جرعة دواء لا تصل… ليست مشاهد عابرة في نشرات الأخبار؛ بل امتحان أخلاقي كبير للمجتمع الدولي، ولعالم يفاخر بإنجازاته الحقوقية والإنسانية.
فهل يُعقَل أن تُمنَع مبادرات الخير بحجة احترازات لا يدفع ثمنها إلا من يواجهون الموت كل لحظة؟
وهل يجوز أن يتفوق الخوف من مخاطر محتملة على إنقاذ من يعيشون مخاطر مؤكدة؟!
إن السياسات التي تُغلب الحسابات الأمنية على الاحتياجات الإنسانية، توسّع الهوة بين الشعارات والممارسة، وتضع العالم الحر أمام سؤال صارخ:
هل نملك الشجاعة الكافية لنُقدم حياة الإنسان على أي اعتبار آخر؟.
ليس المطلوب إلغاء الرقابة أو تجاهل الانحرافات التي تُلحق الضرر بالبشر، بل إيجاد آليات عادلة وشفافة تضمن وصول المساعدات بأمان، دون أن يتحول المتضررون إلى رهائن للبيروقراطية أو ضحايا لصراعات لا يد لهم فيها.
إن تسهيل عمل المبادرات الإنسانية النزيهة ليس تهديدا للأمن—فنحن جميعا حماة للأمن العام والسلم المجتمعي—بل هو تكريس للكرامة الإنسانية، وتأكيد، أن إنسانيتنا المشتركة ليست مجرد إطار نظري.
النداء موجّه إلى المسؤولين، والمنظمات، وصنّاع القرار، وإلى الرأي العام أيضًا:
راقِبوا كما شئتم، لكن دعوا الخير يصل إلى مستحقيه بسلام.
دعوا الإنسانية تعمل بلا قيود تخنق روح التضامن الإنساني.
فالعالم الذي يحجب عن الملهوفين أبسط مقومات البقاء، يخسر جزءًا من ذاته، ويبتعد خطوة بعد أخرى عن القيم التي دافع عنها طويلًا.
قد نختلف في السياسة—وهذا طبيعي وصحي أيضا—لكن لا ينبغي أن نختلف في بديهيات الرحمة والإغاثة. فالراحمون يرحمهم الرحمن.
وما لم يرفع هذا الحظر عن المساعدات الإنسانية الشفافة البريئة؛ فستظل البشرية تعيد السؤال ذاته إلى الواجهة:
أين اختفى الضمير الإنساني فجأة…!؟.