دعا رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلى تطوير أساليب قياس الفساد عبر الانتقال من "سلطة الانطباع إلى سلطة البيانات"، وذلك خلال مشاركته في المؤتمر الدولي حول قياس الفساد المنعقد بمقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد.
وأكد رئيس الهيئة، في كلمته أمام الجلسة العامة، أن المؤشرات ستظل أداة محورية في مكافحة الفساد، غير أن التحدي لا يكمن في إنتاجها بقدر ما يكمن في محدودية خلاصاتها، مشددا على ضرورة تطوير مقاربات وطنية ترتكز على معطيات واقعية تقيس تجليات الفساد وسياقاته بدل الاعتماد فقط على تصورات المواطنين.
وأشار إلى أن عددا من المؤشرات المركبة تعاني من إشكالات منهجية، أبرزها غياب التمييز بين قياس الوسائل وقياس الأثر، مؤكدا أن وجود الآليات لا يعني بالضرورة تقليص الفساد، ما يفرض اعتماد منهجيات أكثر دقة وشفافية لقياس الشفافية نفسها.
واقترح رئيس الهيئة أربعة مداخل أساسية لتجديد أدوات القياس، تتمثل في الإنصات الميداني لتجارب المواطنين، واستعمال بارومترات الثقة في المؤسسات، وبناء خرائط للمخاطر القطاعية، إلى جانب الجمع بين المعطيات الكمية والتحليل النوعي.
كما دعا إلى إقامة شراكات وطنية ودولية لتعزيز نزاهة النماذج الإحصائية، واعتماد أساليب الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لاكتشاف أنماط الفساد واستباق مخاطره، مؤكدا أن مؤشرات القياس يجب أن تُبنى على "تفاوض علمي" يخلق لغة مشتركة بين الدول والمؤسسات.
وختم رئيس الهيئة مداخلته بالتأكيد على أن هذا اللقاء الدولي يشكل فرصة لإعادة بناء الثقة في المؤشرات، والدفع نحو خارطة طريق عالمية تجعل من قياس الفساد وسيلة للتحول والإصلاح، لا مجرد توصيف للواقع، مشددا على أن "الفساد اليوم لم يعد يُقاس بمؤشرات الأمس، وأن شرعية المؤشر تُستمد من منهجية بنائه لا من تكرار نتائجه".