Wednesday 3 December 2025
كتاب الرأي

عبد الصادقي بومدين: دعوة لإعادة قراءة تاريخ المغرب

عبد الصادقي بومدين: دعوة لإعادة قراءة تاريخ المغرب عبد الصادقي بومدين
منذ سنوات عديدة أقرأ وأستمع لما يكتبه أو ينشره الأستاذ أحمد عصيد حول جوانب من تاريخ المغرب، ودعاني ذلك، إضافة لدواعي أخرى، إلى البحث، متواضع، عن "الحقائق أو الوقائع الغائبة" أو المُغيَّبة في تاريخ المغرب، في الكتاب المدرسي بشكل خاص.

وكان يبدو لي من خلال قراءات سريعة وإطلالات عامة أن تاريخ المغرب كما يُدْرَس رسميًّا وكما يُنْشَر بأشكال مختلفة به فراغات كبيرة وتجاهل متعمد لحقائق أو على الأقل لروايات وكتابات حول فترات ووقائع لا تُزَكِّي الأطروحة الرسمية لتاريخ المغرب المؤسَّسة على مقاربة إيديولوجية وسياسية لهذا التاريخ وليس على مقاربة علمية (أي التاريخ كما هو بالفعل)...

أتفهم ذلك دون أن أبرِّرَه، أحاول تفسير هذا التجاهل من منطلق مشكلة الشرعية التي طُرِحَتْ بحدَّة بعد الاستقلال مباشرة والصراع القوي (الدموي أحيانًا) والعنيف للنظام السياسي/الدولة لترسيخ الشرعية على المستوى الإيديولوجي، إذ لم تكن الشرعية السياسية الوطنية (الدور الحاسم لموقف محمد الخامس من الاستعمار وانتصابه رمزًا للاستقلال) فكان أن تم اللجوء إلى... ربط تاريخ المغرب بشرق المتوسط لأن هناك توجد الشرعية الدينية المهيمنة إيديولوجيًّا... وكان أن تم ربط الهوية الوطنية للمغرب بشرق المتوسط بأشكال ومجالات مختلفة ومنها مجال التاريخ، وهو مجال أساس لتحديد وترسيخ الهوية الوطنية المغربية، وربما كان ذلك من عوامل بعض الغموض في الهوية الوطنية للمغرب وحتى اعتباره، أحيانًا كثيرة ومن طرف حتى نخب متعلمة بل ومفكِّرَة، كجزء مما يُسَمَّى بالعالم العربي بل كبلد عربي (وما هو بعربي طبعًا حسب ما يمكن إثباته تاريخيًّا واجتماعيًّا وحتى عِلْمِيًّا، علم الجينات، وثقافيًّا، ليس بالمعنى الأدبي و"العالم" بل بمعنى الثقافة بمفهومها العام وتجلياتها في كل مناحي الحياة والسلوك مثل الأكل والطبخ واللباس والتقاليد والغناء والرقص وغيره...).

اليوم انقضت مرحلة الصراع حول الشرعية ومنذ عقود ولم يعد النظام السياسي الذي أصبح يحظى بإجماع الشعب (إلا فيما ندر، وهو بدون أي أهمية تذكر) بحاجة إلى إثبات شرعيَّتِهِ عبر اعتبارات مرتبطة بشرق المتوسط مثل الانتماء العائلي والسلالي الذي لم يعد يعني شيئًا من الناحية العلمية/علم الجينات...

النظام السياسي المغربي، المُجْمَعُ عليه شعبيًّا ونخبويًّا بشكل شبه مطلق، يتمتع بشرعية تاريخية ووطنية (دور حاسم في استقلال المغرب) وشرعية سياسية (إجماع شبه تام شعبيًّا وكل النخب السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية) وشرعية الإنجاز (استكمال وحماية الوحدة الترابية، الأمن والاستقرار، الإنجازات في البنية التحتية والتقدم الاقتصادي، مكانة معتبرة على الساحة الدولية...).

اليوم المغرب بحاجة إلى ترسيخ هويَّتِهِ المُتَمَيْزَة بناءً على مقاربة جديدة لتاريخِهِ، والتاريخ مكوِّنٌ أساس وبُعْدٌ أساس في الهوية الوطنية لأيِّ شعب وأمَّة...

لم يعد المغرب، البلد والنظام السياسي، بحاجة إلى تجاهل جوانب مشرقة من تاريخِهِ لإثبات شرعية مُثْبَتَةٍ بحُكْمِ الواقع، بل العكس هو المطروح اليوم: إبراز هذه الجوانب المشرقة والفعليَّة في هذا التاريخ لتأكيد عراقة هذا البلد وتميُّزِهِ لإعادة أو تجديد أو تأكيد الهوية الوطنية للمغرب وإعادة "ترميم" الوطنية المغربية بإزالة ما علق بها من "أصباغ" فُرِضَتْها دواعي سياسية وإيديولوجية معقَّدة في زمن مضى وأصبحت اليوم باهتة ومشوشة على المشهد العام للوطنية المغربية والهوية الوطنية المغربية.

من هذا المنطلق أتفاعل مع الإطروحات والأفكار والاجتهادات والقول الجريء لكتابات وأبحاث الدكتور عبد الحق كلاب...

ليس فقط فيما يتعلَّق بتاريخ برغواطة بل في كل أبحاثِهِ المتعلِّقَةِ بتاريخ المغرب، الفعليِّ، والجوانب التي تُثْبِتُ تميُّزَهُ وانفرادَهُ وعراقَتَهُ ك.. أمَّةٍ وليس جزءًا هامِشِيًّا من أمَّةٍ وهميَّةٍ لا وجودَ لها...

أبحاثٌ ومؤلَّفاتٌ ومقالاتٌ وفيديوهاتُ عبد الحق كلاب، المبنيَّةُ على قراءاتٍ أكاديميَّةٍ وعلى علمِ التَّارِيخِ، وعلى دلائلِ وإثباتاتٍ من كتاباتٍ تاريخيَّةٍ ووثائقِ، بل وحتَّى إطِّلاعٍ واسِعٍ على ما تتضمَنُهُ الكتبُ المدرسيَّةُ الرَّسْمِيَّةُ، أقولُ إنَّ كتاباتِ الدِّكْتورِ كلابِ تستحِقُّ كلَّ الاعْتِبَارِ والتَّنوِيهِ بل واعْتِمَادَهَا ضمنَ عَمَلِيَّةٍ وَطَنِيَّةٍ كُبْرَى لإعَادَةِ تَعْرِيفِ وتَحْدِيدِ الهُوِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ لِلْمَغْرِبِ بل وَ... الْوَطَنِيَّةِ الْمَغْرِبِيَّةِ لِتَرْسِيخِ مَا أَكَّدَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ دُسْتُورُ 2011..

أقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَنَا أَعْرِفُ مَا يَعْنِيهِ ذَلِكَ مِنْ "اسْتِفْزَازٍ" بِالْمَعْنَى الْمُتَدَاوَلِ لِلْعُقُولِ الْإِيدْيُولُوجِيَّةِ الْمُنْغَلِقَةِ وَالْمُتَخَشِّبَةِ، لَكِنْ أَيْضًا مِنْ اسْتِفْزَازٍ بِالْمَعْنَى الْإِيجَابِيِّ، أَيْ اسْتِفْزَازِ الذِّهْنِ عَلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ، لِلْعُقُولِ، عُقُولٍ نِيتْ، الْمُتَحَرِّرَةِ مِنْ "السِّجْنِ الْإِيدْيُولُوجِيِّ" وَحَتَّى الدِّينِيِّ أَوِ الْعُرْقِيِّ أَوِ السِّيَاسِيِّ...

الْوَطَنِيَّةُ الْمَغْرِبِيَّةُ بِحَاجَةٍ إِلَى السَّنْدِ التَّارِيخِيِّ الْفَعْلِيِّ .. وَهُوَ مَا يُسَاهِمُ فِيهِ الدِّكْتُورُ كَلَابُ وَآخَرُونَ ... بِفَعَالِيَةٍ سَتُعْطِي نَتَائِجَهَا مَعَ الزَّمَنِ...

هِيَ مُسَاهَمَةٌ نَوْعِيَّةٌ بِحَاجَةٍ إِلَى كُلِّ الدَّعْمِ .. بِالنَّشْرِ وَالتَّفَاعُلِ وَالانتِشَارِ...