لربما هاته الصورة التي التقطتها "بشاطئ بيكيني" بالضاحية الشرقية للدار البيضاء، قد تكون آخر صورة توثق لهذا الشريط الساحلي الممتد على مسافة تقارب 3 كيلومترات من حدود مقاطعة البرنوصي عند معمل "داف"DAF، إلى حدود مدينة "زناتة الجديدة" عند شاطئ زناتة الكبرى.
فالسلطات القضائية والمحلية تسابق الزمن لتسريع وتيرة تنفيذ قرارات هدم "الكابانوات" Cabanon التي ظلت تؤثث "شاطئ بيكيني" منذ فترة الاستعمار إلى اليوم. إذ ما أن يحوز حكم قضائي قوة الشيء المقضي به، حتى تهرع سلطات عين حرودة (التابعة لنفوذ عمالة المحمدية)، إلى تسخير الجرافات والطراكس لتدك هذا "الكابانو" أو تردم ذاك المحل التجاري أو تنسف تلك الدار العشوائية التي نهضت من التراب في "غفلة من القانون" في السنوات الماضية.
" شاطئ بيكيني" الذي ظل خارج رادار الدولة طوال 68 سنة من عمر المغرب المستقل، ارتفعت أسهمه حاليا إلى عنان السماء، وفتح شهية الدولة لاستعادته من أجل تأهيله بسبب تظافر ثلاثة عوامل:
العامل الأول: يتجلى في الاستثمار الباهض الذي قامت به السلطة العمومية لمحاربة التلوث بساحل شرق الدارالبيضاء. إذ بعد الخطاب الملكي الشهير في افتتاح البرلمان عام 2013،والذي خصص بالكامل لتردي الحكامة بمدينة البيضاء واستنكار تخلف العاصمة الاقتصادية على المستوى البيئي، تجندت السلطات العمومية بمختلف مستوياتها (الترابية والجماعية والمكلفة بالتدبير المفوض)، وتم رصد مبلغ 160 مليار سنتيم لمحاربة تلوث الساحل من روش نوار إلى المحمدية، مرورا بعين السبع والبرنوصي وزناتة وأولاد حميمو، وهو المشروع الذي أنجز بالكامل في ظرف قياسي بتجميع كل قنوات الصرف الصحي في محطة الضخ بشاطئ البرنوصي لمعالجتها قبل رميها في عمق المحيط بواسطة قناة بعيدا عن الشاطئ.
العامل الثاني: يكمن في التوصيات التي مافتئت الدراسات حول ساحل الدارالبيضاء تؤكد عليها، ألا وهي وجوب التعامل مع ساحل العاصمة الاقتصادية كوحدة مجالية واحدة على امتداد المسافة التي تغطيها وثيقة المخطط المديري للتهيئة الحضرية SDAU.
فإذا كانت مسافة ساحل الدارالبيضاء حسب هاته الوثيقة التعميرية تصل إلى 90 كيلومتر، وتمتد من كاريان عبيد إلى حدود شاطئ بوزنيقة، فإن البرنامج التأهيلي الاستعجالي ألح على وجوب تأهيل الشريط الفرعي الممتد من شاطئ مدام شوال ( قرب الإقامة الملكية) إلى أولاد حميمو( قرب المحطة الحرارية للمحمدية) في المرحلة الأولى.
وهذا الشريط الفرعي قسم بدوره إلى أربعة مقاطع:
المقطع الأول: يمتد من مدام شوال إلى منارة العنق، وهو مقطع أسندت له وظيفة سياحية شاطئية بامتياز.
المقطع الثاني: يمتد من العنق إلى محطة البيضاء الميناء، وهو مقطع خصص لاحتضان البنايات الفارهة( سكنية، خدماتية، إدارية، فندقية).
المقطع الثالث: يمتد من ميناء البيضاء إلى دوار سيدي عبد الله بلحاج، وهو مقطع ارتكز على تعزيز وظيفة منطقة عكاشة في اللوجستيك وتوطين المستودعات الكبرى.
المقطع الرابع: يمتد من شاطئ السعادة بعين السبع إلى الحدود الشرقية لساحل البيضاء، والذي زاوج فيه المشرع بين مصالحة البحر مع سكان الأحياء الشعبية المجاورة (بتأهيل كورنيش عين السبع والبرنوصي) من جهة، وبين فتح مدينة جديدة بمواصفات بيئية مخالفة للمدن الجديدة التي خلقها المغرب منذ 2004، ونقصد مدينة زناتة Ville nouvelle Zenata من جهة أخرى.
وهذا ما يقودني إلى العامل الثالث.
العامل الثالث: يرتبط بارتفاع الطلب على شراء السكن بالأبراج المبنية "بالمدينة الجديدة زناتة"، وكذا ارتفاع الطلب على التوطين الخدماتي والتجاري واللوجيستي بهاته المدينة الجديدة التي استفادت من موقعها الاستراتيجي بين البيضاء والمحمدية.
كل هذه الديناميات التعميرية والعمرانية التي وقعت بساحل البيضاء خلال العشرين سنة الأخيرة، تم استثناء "شاطئ بيكيني" منها، وهو ما شوش على توجهات المشرع الذي انتابته "صحوة ضمير"، وأمر بوجوب وضع حد لهذه القطائع بإدماج "شاطئ بيكيني" في هذه الفورة الساحلية، خاصة وأن كورنيش عين السبع والبرنوصي عرف تأهيلا (المقام هنا لايسمح بالتوقف عند طبيعة هذا التأهيل ومدى تناسب المبلغ المخصص مع ما أنجز)، كما أن شركة تهيئة زناتة SAZ قامت بدورها بتأهيل 3،5 كيلومتر من سواحلها على طول واجهتها البحرية، بشكل جعل ساحل شاطئ بيكيني( أو شاطئ زناتة الصغرى حسب المتداول عند ساكنة المنطقة) نشازا.
لكن السؤال المؤرق الذي لم تجب عنه السلطات بعد هو: هل سيكون تأهيل "شاطئ بيكيني" امتدادا لتهيئة كورنيش عين السبع والبرنوصي، أم سيكون حديقة خلفية لكبار المنعشين الذين استفادوا من العمليات العقارية الكبرى بمدينة زناتة؟!
من يملك الجواب قد يحصل على "جائزة نوبل" !
ملحوظة:
الصورة بمدخل "شاطئ بيكيني" على الحدود بين عين حرودة وسيدي البرنوصي، رفقة الشاب سي ياسين الذي يملك "سيارة/مقهى". وهي المقهى المتنقلة التي تلبي رغبة عشاق القهوة من مرتادي الشاطئ ومستخدمي الحي الصناعي بالطريق الساحلي.