يشكل الدواء أحد المكونات الأساسية للحق في الصحة كما هو منصوص عليه في الدستور المغربي لسنة 2011 وفي الالتزامات الدولية للمملكة، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. غير أن ضمان الولوج العادل إلى الدواء يبقى رهينًا بمدى تغطيته ضمن أنظمة التأمين الصحي. وفي هذا الإطار، تبرز إشكالية عدم شمولية بعض الأدوية في نظام التعويض كأحد أبرز التحديات التي تواجه المنظومة الصحية المغربية رغم التقدم المسجل في تعميم التغطية الصحية الأساسية.
يخضع تنظيم قطاع الأدوية في المغرب لمقتضيات القانون رقم 17.04 المتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة، الذي يحدد شروط التسويق، والجودة، والتسعير. كما تضطلع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، إلى جانب الوكالة الوطنية للتأمين الصحي (ANAM)، بوضع اللائحة الإيجابية للأدوية القابلة للتعويض، وهي المرجع الرسمي المعتمد لدى أنظمة التأمين (CNOPS، CNSS، CMAM، وغيرها).
ورغم مراجعتها الدورية، تبقى هذه اللائحة محدودة نسبيًا، مما يحرم عددًا من المرضى من تعويض نفقات أدوية أساسية خصوصًا في الأمراض المزمنة والمستجدة.
تتبنى هيئات التأمين الصحي سياسات تعويض مبنية على التحكم في النفقات. لذلك، تُستبعد بعض الأدوية مرتفعة الكلفة من التعويض لتفادي الضغط على التوازنات المالية للصناديق. هذا التوجه يُترجم أحيانًا بتأخر إدراج الأدوية الحديثة رغم فعاليتها المثبتة، خصوصًا في علاج السرطان والأمراض النادرة.
وتعتمد لجان تقييم الأدوية على معايير تقنية تشمل النجاعة السريرية والجدوى الاقتصادية والمقارنة مع الأدوية الجنيسة المتوفرة. إلا أن هذه المعايير لا تراعي دومًا البعد الحقوقي والاجتماعي للولوج إلى الدواء، مما يؤدي إلى إقصاء فئات من المرضى ذوي الاحتياجات الخاصة.
رغم المجهودات المبذولة في تطوير الصناعة المحلية للأدوية الجنيسة، فإن محدودية البحث والابتكار في المجال الصيدلي الوطني تجعل السوق المغربي يعتمد جزئيًا على الأدوية المستوردة ذات الأسعار المرتفعة.
لقد ابانت الدراسات أن محدودية التعويض تؤدي الى ارتفاع النفقات الصحية المباشرة للأسر (out-of-pocket expenditures)، وهو ما يجعل العديد من المرضى يعجزون عن مواصلة العلاج أو يلجؤون إلى بدائل غير فعالة.
كما أن هذا الوضع يتناقض مع توجهات الدولة نحو تعميم الحماية الاجتماعية، التي تهدف إلى تحقيق المساواة في الولوج إلى العلاج والدواء، وفق ما جاء في الخطاب الملكي في 29 يوليوز 2020 الذي دعا إلى إصلاح شامل لمنظومة الحماية الاجتماعية.
لتجاوز هذا الخلل البنيوي، ينبغي تبني سياسة دوائية وطنية مندمجة تقوم على المبادئ التالية:
تحديث دوري للائحة الأدوية القابلة للتعويض استنادًا إلى تطور الممارسة الطبية والمعطيات الوبائية.
إشراك جمعيات المرضى والمجتمع المدني في عمليات تقييم الأدوية لضمان بعد الشفافية والمساءلة.
تعزيز البحث في الاقتصاد الصحي لتقدير الكلفة-الفعالية للمنتجات الدوائية.
دعم الصناعة الوطنية للأدوية الجنيسة والبيوتكنولوجية لخفض الكلفة وتحسين الاستقلال الدوائي.
إدماج مقاربة حقوقية في تحديد أولويات التعويض، استنادًا إلى مبدأ العدالة الصحية.
إن مسألة عدم شمولية بعض الأدوية في نظام التعويض بالمغرب ليست مجرد إشكال تقني أو مالي، بل هي قضية ترتبط جوهريًا بمبدأ الحق في الصحة والإنصاف الاجتماعي. ومن ثَمَّ، فإن إصلاح نظام التعويض عن الأدوية يتطلب إرادة سياسية قوية ورؤية وطنية موحدة توازن بين الاستدامة المالية والعدالة الدوائية.
عبد الإلاه القصير، أخصائي في تقييم البرامج الاجتماعية وتقنيات الترافع
