حذّرت مجلة "ذا جيوبوليتيكس" المتخصصة في العلاقات الدولية من أن النزاع القائم بين الجزائر والمغرب دخل مرحلة حرجة، وأن أي تهدئة مؤقتة قد تُقترح من قبل الإدارة الأمريكية ستظل هشّة وسريعة الانهيار إذا لم يتم معالجة أدوات التعطيل الإقليمي المرتبطة بالنظام الحاكم في الجزائر.
تشير المجلة إلى أن شرعية النظام الجزائري تقوم جزئيًا على قومية معادية للمغرب، مما يجعل أي تقارب مع الرباط هشًا وقابلاً للانكسار حتى مع عروض التعاون الأمريكي في مجالات مثل الأمن والطاقة. كما ترى المجلة أن الجزائر تمارس نفوذًا مباشرًا على تونس، معتبرة إياها "ولاية فعلية" تُستخدم كورقة ضغط لإضعاف المغرب ومنع ترسيخ سلام مغاربي مستدام، مؤكدة أن تحرير تونس من هذا النفوذ ليس تفصيلًا ثانويًا، بل شرطًا أساسيًا لتحقيق استقرار إقليمي طويل الأمد.
بعد ثورة الياسمين عام 2011، كانت تونس تمثل نموذجًا ديمقراطيًا قادرًا على قيادة عملية إعادة ضبط المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا، من خلال تعزيز الاستثمار، وتنويع القطاعات الاقتصادية، والانفتاح على الأسواق العالمية. غير أن المجلة ترى أن هذه الفرصة بدأت تتلاشى بعد عقد من الزمن، مع تراجع الحريات السياسية وتصاعد الأزمة الاقتصادية، لتصبح تونس اليوم "مفترق طرق خطير".
ويضيف التقرير أن التحول السلطوي للرئيس قيس سعيّد أعاد توجيه السياسة التونسية التقليدية، فجعل البلاد أقرب إلى الجزائر على حساب حيادها التاريخي في قضية الصحراء الغربية، من خلال دعم خيار الاستفتاء الذي تتبناه جبهة "البوليساريو"، ومنح قيادييها امتيازات رسمية. وهذا التحول يقوّض استقلالية تونس الاستراتيجية ويحد من خياراتها الاقتصادية، ويضعف مسار السلام عبر الازدهار في المنطقة، في وقت تحتاج فيه شمال إفريقيا إلى مزيد من الانفتاح والتكامل الاقتصادي والسياسي.
من جانبها، بدأت الولايات المتحدة، بعد نجاحها الدبلوماسي في الشرق الأوسط، توجيه اهتمام استثنائي نحو النزاع بين الجزائر والمغرب، ساعية لإنهاء الخلافات وبناء مستقبل مشترك قائم على السلام والازدهار. لكن المجلة تحذّر من أن أي تقدم سيكون مؤقتًا ما لم يتم الحد من قدرة الجزائر على استخدام أدوات الضغط الإقليمي، وأبرزها الوضع التونسي الحالي.
في هذا السياق، تعتبر "ذا جيوبوليتيكس" تونس الركيزة الثالثة للاستقرار الإقليمي. إذ يمكن لأي تعاون قائم على الانفتاح والإصلاح بين تونس والمغرب أن يشكّل أساس شراكة مغاربية جديدة، تعمل جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة ودول اتفاقيات أبراهام، لخلق "قوس تعاون" يربط بين الأمن، التكنولوجيا، الاستثمار، ورأس المال.
ويشير التقرير إلى أن السلام يصبح أكثر قدرة على الاستدامة عندما يرتبط بالازدهار الاقتصادي. ومن هذا المنطلق، فإن وضع تونس على طريق جديد يعيد استقلالية مؤسساتها ويفتح الباب أمام الاستثمار الخارجي، سيتيح إدماج التحديث المغربي ضمن سلاسل التوريد الإقليمية، ويعزز الثقة في قدرة المنطقة على بناء شراكات اقتصادية متينة.
تؤكد المجلة أن تونس اليوم تمثل أكبر فرصة اقتصادية قصيرة المدى في شمال إفريقيا بفضل سوقها الديناميكية مقارنة بجيرانها، مما يجعلها منصة جاذبة للاستثمارات الأميركية في الصحة، السياحة، الطاقات المتجددة، الخدمات اللوجستية والرقمية. كما يمكن لهذه الديناميكية أن تنتقل إلى ليبيا، لتعزيز التكامل الاقتصادي واستقرار المنطقة.
بالنسبة للنظام الجزائري، ترى المجلة أنه يسعى إلى إبقاء تونس ضمن دائرة نفوذه لمنعها من أن تصبح نموذجًا إصلاحيًا يُشكل تحديًا داخليًا وخارجيًا. وتشير إلى أن الجيش الجزائري عمل منذ 2011 على كبح التجربة الديمقراطية التونسية وعرقلة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح الخارجي، وأن أي دينامية دبلوماسية مغاربية تصاعدية تزيد من ارتياب الجزائر.
تدعو "ذا جيوبوليتيكس" الولايات المتحدة إلى عزل تونس عن الضغوط الجزائرية عبر تأمين حدودها مع الجزائر وليبيا، وتطبيق تقنيات مراقبة ذكية، وأنظمة قيادة وسيطرة، ووحدات مكافحة تهريب، وتدريب استخباراتي يحترم سيادة الدولة. هذه الخطوة ستخلق بيئة مستقرة لمشاريع الاستثمار الأميركية، وتتيح تحويل تونس إلى مركز إقليمي للتميّز الطبي، على غرار نموذج سنغافورة في القطاع الصحي، بما يتيح تحقيق عائد اقتصادي محتمل يتراوح بين 50 و100 مليار دولار سنويًا.
ختامًا، ترى المجلة أن السلام المستدام في شمال إفريقيا لا يمكن أن يتحقق دون تونس حرة ومستقلة عن النفوذ الجزائري. فبتطوير تونس مسارها الإصلاحي والانفتاح على الاستثمار الخارجي، يمكن تحويل المنطقة من حالة إدارة أزمات مزمنة إلى بيئة قائمة على السلام والازدهار المشترك، يبدأ فصلها الجديد من تونس أولاً.
