الجمعة 19 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

العمارتي: قرار مجلس الأمن 2803 (2025).. إنهاء للحرب وللاحتلال الإسرائيلي أم فرض نظام "ناعم" للوصاية الدولية على قطاع غزة؟

العمارتي: قرار مجلس الأمن 2803 (2025).. إنهاء للحرب وللاحتلال الإسرائيلي  أم فرض نظام "ناعم" للوصاية الدولية على  قطاع غزة؟ محمد العمارتي

تناولنا في مقال سابق منشور على موقع أنفاس بريس بتاريخ  22 أكتوبر 2025  مضمون   الوثيقة الأحادية  المسماة  "الخطة الشاملة"  التي طرحها الرئيس الأمريكي" ترامب"  لإنهاء الحرب على غزة ، وخلصنا فيه حينئذ،الى أن المقترحات والتدابير التي تضمنتها الخطة إياها لا تعدو كونها مرحلة تمهيدية لمسار طويل وشاق لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وسكانها المدنيين ، وأنها استبعدت جملة من الأسباب  العميقة والجوهرية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأبقت عليها عالقة دون تقديم أية مقترحات واضحة وشاملة  كفيلة بمعالجتها  .

ولم تمض سوى أسابيع قليلة على طرح هذه الخطة، حتى تسارعت وتكثفت وتيرة التحركات الدبلوماسية على الصعيد الدولي والإقليمي الهادفة إلى تزكية الخطة الأمريكية وتأييدها والسعي الى تبنيها. وهكذا انعقدت" قمة دولية للسلام " في شرم الشيخ بمصر في 13 أكتوبر 2025، أعقبها تقديم الإدارة الأمريكية في 04 نونبر 2025 لمشروع قرار أمام مجلس الأمن يتضمن مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإنشاء قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار، وإقامة إدارة انتقالية لشؤون قطاع غزة، علما أن الولايات المتحدة استعملت حق النقض (الفيتو) مرات متكررة طيلة السنتين من الحرب على غزة لمنع تدخل مجلس الأمن.  وأخيرا اعتمد مجلس الأمن في 17 نونبر 2025 القرار 2803 (2025) بأغلبية 13 صوتا وامتناع دولتين دائمتي العضوية (روسيا والصين) عن التصويت على القرار كخيار الحد الأدنى للتعبير عن تحفظهما على بعض مضامينه.

ويرحب هذا القرار بالخطة " الشاملة" لإنهاء النزاع في غزة واعتمدها كمرفق بنص القرار، وينص على أن " الوضع في قطاع غزة يهدد السلام العالمي وأمن الدول المجاورة"، كما أنه "يؤيد الخطة الشاملة" و" يقر بقبولها من الطرفين"، و " يدعو جميع الأطراف الى تنفيذها بالكامل "بما في ذاك " الحفاظ على وقف إطلاق النار بحسن نية ودون تأخير".

ولعل تدخل مجلس الأمن للأمم المتحدة لوقف المأساة الإنسانية التي حلت بالسكان المدنيين في قطاع غزة وآثارها الكارثية يعتبر أمرا إيجابيا من حيث المبدأ، بل من المهام والمسؤوليات الأصيلة للمجلس، بالنظر لتكون الاقتناع  لدى الأغلبية الساحقة لأعضاء المجتمع الدولي، أنه منذ انفجار النزاع في 07 أكتوبر 2023 وإعلان إسرائيل لحربها الشاملة التي أدت الى تدمير غزة وتقتيل وتجويع وحصار  وتشريد سكانها الفلسطينيين ، وارتكاب قواتها لجرائم دولية جسيمة ،وخرقها العمدي والمتواصل للقانون الدولي الإنساني و لأعراف الحرب ، فضلا عن توفر أدلة قوية على تنفيذ إسرائيل لمشروع إبادة جماعية لجزء من الشعب الفلسطيني ،( تأكد) أنه لم يعد من المقبول سياسيا و قانونيا وإنسانيا الاستمرار في وضع مأساوي تختل فيه موازين القوة بشكل صارخ و يخلف أعدادا متزايدة من الضحايا المدنيين .

بيد أن ما يبرر التوجس ، ويدفع الى الارتياب  من الغايات المضمرة   لنص القرار 2803 الذي اعتمده مجلس الأمن ، والذي كان تقديم مشروعه من لدن الولايات المتحدة الأمريكية مدعوما بحملة مكثفة و قوية من الضغط  على حلفائها الإقليميين غير الأعضاء في مجلس الأمن ، أنه جاء طافحا  -حسب الكثير من التحاليل السياسية والقانونية  -بمظاهر الخلل القانوني، وحافلا بالصياغات الغامضة والملتبسة التي من شأنها أن تضعف لا محالة  شرعية القرار، وتحد من قدرته على أن يصبح أساسا صلبا للتوصل الى تسوية للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي ، وفقا لما راكمته الأمم المتحدة من رصيد مرجعي طيلة العقود الماضية بشأن الاعتراف للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره  ،وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة  وفقا للقانون الدولي .

سوف نغض الطرف في هذا المقال عن تكرار وإعادة ترديد  المواقف والانتقادات الكثيرة التي وجهتها الى نص القرار العديد من المنظمات الدولية الحقوقية غير الحكومية، وأطياف مختلفة من المجتمع المدني الفلسطيني وفصائله وحركاته السياسية، بالإضافة الى عدة تقارير وتحاليل إعلامية، كما أننا لن نعيد التنبيه الى  توظيف الولايات المتحدة المعتاد واستعمالها المألوف لعضويتها الدائمة في مجلس الأمن ، وإساءة استخدام  مساطره من أجل تقليص دور القانون الدولي والتهرب من الاحتكام الى معاييره و إعمالها الكامل في الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي، وتملصها من  الشرعية الدولية  في تحديد مستقبل قطاع غزة  من خلال الدعم  غير المشروط والانحياز الدائم لحليفتها إسرائيل كقوة احتلال .

وسوف نقتصر في هذا المقال – بالنظر لوفرة المواقف والتحاليل التي انتقدت قرار مجلس الأمن 2803 من حيث خلفياته ورهاناته الجيوسياسية ضمن منطقة الشرق الأوسط، وأهدافه غير المعلنة وآثاره السلبية على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وانسحاب قواته من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، (نقتصر)  بسبب ما يقتضيه المقام  من إيجاز ،على رصد وكشف – من زاوية القانون الدولي – بعض النقاط  الإشكالية  ،و بعض جوانب التنافي مع القانون الدولي  والثغرات التي يمكن ملاحظتها و استنتاجها من القراءة التحليلية  لنص القرار 2803.

وسيتم التركيز على بعض النقاط الإشكالية دون سواها، بسبب طابعها العاجل وتبعاتها المحتملة على إمكانية التوصل الى حل للنزاع الفلسطيني –الإسرائيلي على أساس الشرعية الدولية، ولاسيما بالنسبة لمستقبل قطاع غزة كجزء لا يمكن فصله أو عزله أو اقتطاعه من وحدة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك وفقا لما كرسته القرارات المتواترة للأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية ولما أقرته محكمة العدل الدولية في آرائها الاستشارية ذات الصلة.

 

1-العناصر الرئيسية لقرار 2803

ينبغي إثارة الانتباه الى أن خطة الرئيس "ترامب " التي طرحها في 29 شتنبر 2025 والتي تحتوي على 20نقطة لإنهاء الحرب في غزة، قد تبناها قرار مجلس الأمن 2803 واعتمدها كوثيقة مرفقة بنص القرار وأصبحت جزءا مكونا له، مما يفرض قراءتهما بطريقة متلازمة ومتقاطعة. ومن ثم، إن كلتي الوثيقتين تحدد تصورا مستقبليا لما يجب أن يكون عليه الوضع في قطاع غزة على المدى المنظور، وبعد التطبيق الفعلي لوقف إطلاق النار بين الأطراف. ويقوم هذا التصور المرتقب تنفيذه على ركيزتين رئيسيتين هما" الإدارة الدولية الانتقالية" وضمان «الأمن والاستقرار" في قطاع غزة، ويدمج هذا التصور أيضا بعض الشروط والمؤشرات الداعمة لتنفيذ التصور العام، التي تتعلق بتحديد المدى الزمني لتنفيذ الخطة وقضايا التمويل والتي تمت صياغتها بشكل عام وفضفاض.

فبالنسبة لمسالة الإدارة الدولية لقطاع غزة، نص قرار مجلس الأمن على إنشاء "مجلس السلام" باعتباره هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، تتولى وضع إطار العمل والتنسيق لإعادة تنمية غزة وفقا للخطة الشاملة، وبما يتسق مع مبادئ القانون الدولي ذات الصلة، ريثما تستكمل السلطة الفلسطينية برنامجها الإصلاحي بشكل مرض".

 

وقد نصت الخطة الأمريكية المرفقة بقرار مجلس الأمن على أن الرئيس الأمريكي " دونالد ترامب" هو الذي سيتولى رئاسة مجلس السلام مع أعضاء آخرين ورؤساء دول سوف يعلن عنهم لاحقا، ونصت الفقرة الرابعة من القرار على الاختصاصات والمهام «السيادية " التي سيعهد القيام بها الى مجلس السلام   هذا، ولا سيما منها على سبيل المثال:

- إبرام الترتيبات اللازمة لتحقيق أهداف الخطة الشاملة،

- إنشاء كيانات تكون لها حسب الاقتضاء، شخصية قانونية دولية، وتتمتع بالصلاحيات التي تمكنها من أداء وظائفها،

- تنفيذ إدارة للحكامة الانتقالية، بما في ذلك الإشراف على لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية تضم فلسطينيين أكفاء من القطاع وتكون مسؤولة عن العمليات اليومية للخدمة المدنية والإدارة في غزة،

-إعادة إعمار غزة وبرامج الإنعاش الاقتصادي،

- تنسيق ودعم وتقديم الخدمات العامة والمساعدات الإنسانية في غزة،

- اتخاذ التدابير لتيسير حركة الأشخاص من غزة وإليها،

وتنص الفقرة السابعة من القرار على ترخيص مجلس الأمن للدول الأعضاء التي تتعاون مع " مجلس السلام" ولمجلس السلام، بإنشاء " قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة تنشر تحت قيادة موحدة يوافق عليها مجلس السلام ". وتساهم الدول المشاركة في تأليف هذه القوات بالتشاور والتعاون الوثيقين مع جمهورية مصر العربية وإسرائيل، و"باستخدام جميع التدابير اللازمة لتنفيذ ولاية هذه القوة بما يتفق مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".

 وما يسترعي الانتباه، أن مجلس الأمن رغم كونه ينص في الفقرة 11 من القرار على أن" يبقي المسألة قيد نظره " فإن القراءة المتمعنة لمقتضيات القرار والخطة المرفقة به تؤكد بوضوح أن جميع القرارات والتدابير المتعلقة بإدارة قطاع غزة قد تم إدراجها ضمن اختصاصات ومهام "مجلس السلام ".

بخصوص الجانب الأمني والعسكري، أشرنا الى أن قرار مجلس الأمن يأذن في فقرته السابعة بإنشاء "قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة "، سوف تشارك في تأليفها دول أعضاء لم يعلن عنها القرار، وإن كانت بعض الأخبار التي نشرت أثناء المفاوضات حول مشروع القرار، كشفت عن تداول أسماء بعض الدول المحتمل مشاركتها في هذه القوات، من بينها قطر وإندونيسيا وتركيا وباكستان وأذربيجان. أما مصر وإسرائيل فقد تكرر ذكرهما سواء في الخطة الشاملة أو في قرار مجلس الأمن مرات متعددة، باعتبارهما فاعلين رئيسيين وطرفين معنيين ومباشرين بالوضع في قطاع غزة.

فالدور المصري تبرره عدة عوامل تاريخية وجغرافية وسياسية في الصراع العربي الإسرائيلي، فضلا عن كون قطاع غزة ظل خاضعا للإدارة المصرية ما بين 1948 و 1967، و لكونها الدولة العربية الوحيدة المجاورة لقطاع غزة و لتطبيعها    لعلاقاتها مع إسرائيل  بعد توقيع اتفاقية السلام بينهما في 1979 .

أما إسرائيل فتعتبر طرفا في النزاع وقوة احتلال للأراضي الفلسطينية، ولها وجود عسكري فعلي في الجزء الأكبر من   قطاع غزة، كما أن ضمان أمن إسرائيل وحمايتها من " الهجمات الإرهابية " يعتبر ضرورة أمنية تحظى بالصدارة ضمن دوافع وأهداف طرح الخطة الشاملة الأمريكية التي تبناها مجلس الأمن وأنشأ بموجبها القوة الدولية المؤقتة.

وهكذا يمكن القول، أن مفهوم " الأمن" ضمن التصور العام للخطة الأمريكية الشاملة وقرار مجلس الأمن 2803، يعكس في الواقع التصور الإسرائيلي لضروراتها الأمنية القابلة للتمطيط والاتساع، ولا يأخذ بعين الاعتبار أمن الفلسطينيين في قطاع غزة. وما يؤكد هذه الحقيقة ويكشفها بشكل صارخ، تواتر التقارير الموثوقة عن خرق إسرائيل المتصاعد والمتواصل وبأشكال مختلفة لوقف إطلاق النار المتفق عليه في 10 أكتوبر 2025. بالإضافة الى اقتحام   قوات الجيش الإسرائيلي في 08 دجنبر2025 لمقر وكالة اللاجئين " الأونروا" التابعة للأمم المتحدة في القدس الشرقية ونزعها العلم الأزرق للأمم المتحدة ووضعها محله علما إسرائيليا، وقطعها لوسائل الاتصال وحجزها لحواسيب ومعدات الوكالة، في احتقار صارخ للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 22 أكتوبر2025.

 يتأكد أيضا هذا الاتجاه المقلق بالنظر إلى أن "الخطة الشاملة "، رغم أنها تضمنت بصيغة صريحة تخلي إسرائيل عن مشروع احتلالها لغزة أو ضمها (النقطة 16 من الخطة)، فإن النتائج التي من المحتمل أن تترتب عن تنفيذ قرار مجلس الأمن والخطة المرفقة به تفتقد إلى الوضوح والقطعية المطلوبة بخصوص هذا الاحتمال.

ويتضح هذا الأمر في الفقرة السادسة من القرار التي أسندت دورا خاصا للقوات المصرية والإسرائيلية، يتمثل في التعاون مع القوة الدولية " للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية" و " تحقيق استقرار البيئة الأمنية في غزة "و " ضمان عملية إخلاء قطاع غزة من السلاح"، و " تدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية في القطاع". ويؤكد قرار مجلس الأمن ما تضمنته الخطة بهذا الخصوص، حيث ينص على أنه " بينما تعمل القوة الدولية على بسط السيطرة وتحقيق الاستقرار، سينسحب جيش الدفاع الإسرائيلي من قطاع غزة استنادا على معايير ومعالم محددة وأطر زمنية مرتبطة بنزع السلاح، يتم الاتفاق عليها بين جيش الدفاع الإسرائيلي والقوة الدولية والجهات الضامنة والولايات المتحدة، باستثناء طوق أمني يستمر وجوده إلى أن تصبح غزة في مأمن تام من عودة ظهور أي تهديد إرهابي ". وهكذا، تشرط الوثيقتان (القرار والخطة المرفقة) انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بتأكد واقتناع "مجلس السلام" بأن السلطة الفلسطينية قد استكملت البرنامج الإصلاحي بشكل مرض، وبأن غزة أصبحت آمنة ولا تشكل تهديدا لإسرائيل أو مصر أو مواطنيها، وحينذاك " تسلم إسرائيل تدريجيا الأراضي التي تحتلها في غزة الى القوة الدولية وفقا لاتفاق يبرم مع السلطة الانتقالية، إلى أن يكتمل الانسحاب من غزة، "باستثناء طوق أمني يخضع لمراقبة إسرائيل ويستمر وجوده إلى أن تصبح غزة في مأمن تام من عودة ظهور أي تهديد إرهابي".

وتعكس الجدولة الزمنية التي حددتها الفقرة الثامنة لتنفيذ حزمة التدابير الأمنية والعسكرية والإدارية في قطاع غزة نقطة إشكالية أخرى في نص القرار 2803، ذلك أن ولاية مجلس السلام والوجود المدني والأمني الدولي سيستمر الى غاية 31 دجنبر 2027، مع إمكانية اتخاذ مجلس الأمن لإجراءات أخرى وتجديد الإذن بوجود القوة الدولية في قطاع غزة.

فتحديد مدة سنتين لولاية " مجلس السلام" قابلة للتمديد حسب تقديرات مجلس الأمن لتطور الوضع في قطاع غزة، قد يفتح الباب واسعا للتمديد بلا نهاية قبل تحقق الظروف التي تتيح للفلسطينيين تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المفترضة، وهذا التصور لا يحدد اجندة واضحة لإعادة تسليم السلطة في غزة إلى كيان سياسي تمثيلي للفلسطينيين و لا يمنح لهم قطعا أية ضمانات لاستعادة السلطة السياسية في القطاع، مقابل ترجيحه لأولويات حماية وضمان الأمن الإسرائيلي.

وتعتبر مسألة التمويل وإعادة إعمار قطاع غزة شقا لم يوضح القرار تفاصيله ولم يحدد التزامات واضحة بشأنه ولا جدولته الزمنية. واقتصر القرار في تناوله لهذه المسألة على صياغات عامة مثل، " وضع إطار العمل والتنسيق لإعادة تنمية غزة وفقا للخطة الشاملة "، و " إحراز تقدم في عملية إعادة التنمية في غزة " و " استحداث برامج الإنعاش الاقتصادي "، و "إنشاء صندوق استئماني تديره الجهات المانحة "، و" دعوة البنك الدولي وسائر المؤسسات المالية الى تيسير وتوفير الموارد المالية لدعم إعادة إعمار غزة وتنميتها ". وفيما يبدو، اكتفى قرار مجلس الأمن، طالما انه قد اعتمد الخطة الأحادية للرئيس "ترامب" وأرفقها بنص القرار، بتبني التدابير التي اقترحتها هذه الخطة في النقطة العاشرة منها المتعلقة بتكليف فريق من الخبراء بالانكباب على إعداد خطة من " أجل إعادة إعمار غزة " والاعتماد على مقترحات " مجموعات دولية ذات نوايا حسنة لصوغ المقترحات الاستثمارية المدروسة والأفكار التنموية الواعدة".

ولا بد من لفت الانتباه، الى أنه رغم الإشارة الى الفلسطينيين في عدة فقرات من نصي الخطة وقرار مجلس الأمن 2803، فإن ذكرهم ورد بصيغة لا تعبر بتاتا عما يفيد أو يشترط موافقتهم على التدابير المقررة لتحديد مستقبلهم في قطاع غزة. وتكرس هذه الصيغة   إقصاءهم من أية مشاركة فعلية في تدبير شؤون قطاع غزة خلال مرحلة ما بعد الحرب، باستثناء إحداث "لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية تضم فلسطينيين أكفاء من القطاع [....] تكون مسؤولة عن العمليات اليومية للخدمة المدنية والإدارة في غزة "، وتكوين" شرطة فلسطينية وتدريب أفرادها وفرزهم، للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، وتحقيق استقرار البيئة الأمنية في غزة، وضمان إخلائها من السلاح ... (فقرة 6 من القرار).

 

2-  بعض القضايا الأساسية الغائبة في قرار مجلس الأمن 2803

  تحاشى القرار 2803 التطرق للعديد من القضايا الأساسية المتصلة بحقوق الشعب الفلسطيني المعترف بها وفقا للقانون الدولي، ذلك أن مقتضياته تكشف تجاهلا تاما للفلسطينيين باعتبارهم فاعلين سياسيين أو أعضاء في كيان سياسي ناشئ ودولة وطنية في طور التأسيس وفقا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. فقد حول القرار الشعب الفلسطيني إلى مجرد موضوع للتدبير الأمني والإنساني ولم يعترف به كشخص للقانون يعترف له القانون الدولي بالحق في تقرير المصير.

ونتيجة هذا التجاهل أن الحق في تقرير المصير ،باعتباره قاعدة آمرة للقانون الدولي لم يحظ باي اعتراف صريح في "الخطة الشاملة" الأمريكية لإنهاء الحرب في غزة، وما يبعث على الاستغراب أكثر، أن مجلس الأمن على الرغم من إحالته في ديباجة القرار 2803  إلى قراراته " السابقة ذات الصلة المتعلقة بالحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين"، لم يعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بصيغة صريحة، حيث ظل المجلس حريصا    على عدم استعمال صياغة جازمة بخصوص هذه المسألة،  واقتصر في قراره الأخير ،على إعادة  وتكرار الإشارة العابرة  التي وردت في الفقرة 19 من الخطة ،  إلى كون تقدم عملية إعادة التنمية في غزة  ، وتنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية هي الظروف التي ستوفر  إمكانية " تهيئة مسار موثوق يتيح للفلسطينيين تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية" .

ثمة ثغرة أخرى في القرار 2803 تؤكد عدم إرادة الولايات المتحدة بصفتها "حاملة القلم" لمشروع النص، وإصرارها المعهود على عدم الاعتراف بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي   كإطار مرجعي وحيد لأي تسوية محتملة للنزاع الفلسطيني –الإسرائيلي. ويتجلى هذا الموقف في عدم تضمين القرار لأي إشارة إلى آلية لتحديد المسؤوليات عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان إبان الحرب على غزة.

فقد كان من المنتظر من قرار صادر عن مجلس الأمن بشأن "إنهاء النزاع في غزة " ، ووضع شروط بناء" مرحلة ما بعد النزاع "، عدم العزوف عن إثارة المسؤوليات أو التغاضي عن مبدأ العدالة باعتبارها عنصرا أساسيا في عملية بناء السلم وتحقيق شروط استمراره. بيد أن القرار اقتصر في فقرته الثانية على ذكر عمل الولايات المتحدة " على إقامة حوار بين إسرائيل والفلسطينيين [.....] بغية التعايش في سلام وازدهار " دون أية إشارة الى إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرات اعتقال في حق " نتانياهو" و " غالانت "، ولا إلى الدعاوى المقدمة إلى محكمة العدل الدولية والمساطر القضائية التي تمت مباشرتها ضد إسرائيل وألمانيا في سياق الحرب على غزة وتداعياتها.

ويثير التصور الأمني الذي أملى صياغة واعتماد قرار مجلس الأمن ملاحظة أخرى تتعلق بعدم إدماج الضفة الغربية والقدس الشرقية في الإطار الشمولي لعملية بناء السلام وإنهاء النزاع الفلسطيني –الإسرائيلي وتدبير مرحلة ما بعد النزاع. فعلى الرغم من أن الدافع الأساسي لإصدار القرار 2803 هو اعتبار المجلس أن "الحالة في قطاع غزة تهدد السلام الإقليمي وأمن الدول المجاورة"، والتدمير المهول الذي تعرضت له، الأمر الذي قد يبرر بالتالي تركيز مضمونه على غزة، غير أن أي سعي لإعادة واستقرار السلم الإقليمي لا يمكن فصله عن الإطار الشمولي الذي ينبغي أن يدمج أيضا ضمن مقاربة سياسية وواقعية، الضفة الغربية والقدس الشرقية اللتين استثناهما القرار، ولم يدمجهما في نطاق المساعي والتدابير العاجلة التي نص على تنفيذها. وتستمد هذه المقاربة مبرراتها الواقعية والمنطقية من الانتهاكات الخطيرة والممارسات العنيفة والمتواصلة التي يرتكبها المستوطنون ضد السكان الفلسطينيين. فقد أكدت ووثقت العديد من التقارير خلال السنتين الماضيتين، تصاعدا خطيرا لعمليات القتل العمدي وممارسات للتعذيب والاعتداءات على السلامة الجسدية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتعرضهم للاحتجاز والاعتقال خارج نطاق القانون ومصادرة أملاكهم وعقاراتهم. وبالتالي، إن قرار مجلس الأمن 2803 بعزله غزة وفصلها عن الضفة الغربية يتناقض مع الممارسة التي دأبت واستقرت عليها الأمم المتحدة، والتي تقوم على اعتبار غزة والضفة الغربية تكونان وحدة ترابية مترابطة وغير منفصلة عن بعضهما، وتستعمل دائما في القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية تعبير " الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية " وهي الصيغة التي تكرس وتعزز الاعتراف الأممي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.

إن العناصر التي أوجزناها فيما تقدم، والعديد من النقاط الشائكة الأخرى - التي يضيق المقام لتناولها- المتعلقة بمدى انسجام ومطابقة القرار 2803 لبعض معايير القانون الدولي والممارسة المتواترة للأمم المتحدة، وخاصة جمعيتها العامة بشأن قضية فلسطين، تقود إلى الشك في استناد قرار مجلس الأمن 2803 على أساس قانوني قوي وسليم.

  ولعل ما ينبغي لفت الانتباه إليه في هذا الصدد أيضا، أن قرار مجلس الأمن 2803 الصادر في 17 نونبر   2025 لا ينص في حيثياته بشكل واضح وصريح   على أن اعتماده يستند على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على الرغم من أن   موضوعه وهدفه الأساس يتمثل في فرض نظام إدارة دولية في قطاع غزة تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، وإنشاء " قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار في غزة"، دون الاستناد على مقتضيات واضحة من ميثاق الأمم المتحدة.   ويفرض مضمون هذا القرار وهدفه المعلن السؤال الملحّ، حول ما إذا كان مجلس الأمن قد تجاوز اختصاصاته بإحداثه لهيئة إدارية دائمة "هجينة"، وتفويضه -من حيث الواقع- لهذه الآلية الدولية   مسؤوليات التدبير الأمني والسياسي لقطاع غزة، دون حسمه لمسألة إنهاء للاحتلال الإسرائيلي، مع ضرورة التنبيه إلى أن حالة قطاع غزة لا تنطبق عليها مطلقا شروط نظام " الوصاية الدولي" وفقا للفصلين الثاني عشر والثالث عشر من ميثاق الأمم المتحدة.

ويثير هذا المنطق الذي ينبني عليه القرار، سؤالا آخر حول دواعي تجاهل مجلس الأمن للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 19يوليوز 2024، الذي أكد أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية غير قانوني وفق قواعد القانون الدولي، وكان جازما في وجوب انسحاب إسرائيل من هذه الأراضي وإنهاء احتلالها في أسرع وقت (أنظر مقالاتنا حول هذا الرأي المنشورة في أنفاس بريس في 29 أكتوبر، 14 نونبر، 24دجنبر 2024). كما يجدر التذكير في هذا الصدد ان الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتمدت بعد صدور هذا الرأي قرارا في 18 شتنبر 2024 حدّدت فيه مهلة زمنية لإسرائيل من 12 شهرا تحتسب من تاريخ اعتماد القرار، لإنهاء احتلالها ووجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية. وقد انتهت هذه المهلة رسميا في 18 شتنبر 2025.  وقد كان متوقعا ألا تلتزم إسرائيل كعادتها بتنفيذ ما دعت اليه الجمعية العامة، وهذا ما حصل في الواقع، وبالتالي، إن قرار مجلس الامن يستدعي التحفظ والاحتراز من تبعاته المحتملة، لأنه قد يضفي الشرعية على وجود دائم للقوات الإسرائيلية في بعض أجزاء قطاع غزة، وقد يؤدي إلى إطالة مدة هذا الوجود في أجزاء أخرى منه إلى أجل غير معلوم.

مما لا شك فيه أن التطبيق الفعلي للقرار 2803 في قطاع غزة، ستعترضه تحديات كبيرة بحكم طبيعة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالنظر لواقع ميداني شديد التعقيد، فضلا عن كثرة النقاط الشائكة التي أغفلها القرار أو تركها غامضة وملتبسة. وبالتالي، يجوز لنا القول، أن القرار بصيغته التي اعتمدها مجلس الأمن، لا يوفر أساسا متينا لبناء سلم عادل ودائم في قطاع غزة، وبالأحرى فمن شأنه تمديد وإطالة مرحلة " الإدارة الدولية المفروضة " وتأخير ممارسة الشعب الفلسطيني بطريقة فعلية وكاملة لحقه في تقرير المصير وفقا للقانون الدولي.

 

 

محمد العمارتي / أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان (سابقا) بجامعة محمد الأول / وجدة