الأربعاء 13 نوفمبر 2024
فن وثقافة

وداعا زْدي محمد..!

وداعا زْدي محمد..!

ماذا فعلنا بحق السماء حتى تعاقبنا هكذا؟.. وترحل وحدك!.. نعرف أننا كنا لك جاحدين.. وأنك منحتنا الكثير من ألمك.. ولم نمنحك شيئا سوى بعض الحب.. وصداقات بائسة.

زْدي محمد.. أيها المسافر وحده.

نعرف أنك غاضب منا.. وأننا أوليناك ظهورنا حين علمنا بمرضك.. وصلتنا أخبارك من أصيله.. كذّبناها وصدقنا خوفنا.. علمنا أنك كثيرا ما كنت تتألم في التصوير.. وتصر على أن تكتم ألمك لتكمل عملك.. وصمتنا.. علمنا أنك نقلت غير ما مرة لمستعجلات طنجة.. وصمتنا.. علمنا أنك مرضت قبل سنوات.. وكتمته.. ومع ذلك.. صمتنا.. تجرعنا أنانيتنا.. وسكتنا.. لماذا كنت قاسيا علينا هكذا ولم تعلن فينا صرختك.. لماذا تألمت وحدك!؟.. أيها الناسك المتعبد.. القانع الصامت المبتسم.. لماذا فضلت أن تتعذب وحدك!؟..

لماذا لم تفعل مثلهم.. لماذا لم تقامر بنجاحك وشهرتك!؟.. لماذا لم تزايد عليهم بصورتك!؟.. لماذا رفضت أن تتصدر الأخبار.. وتتبندر على صفحات الجرائد الملونة.. وتنشر غسيل مرضك!؟.. لماذا كنت أنانيا هكذا.. وفضلت أن تتألم في صمت.. وترحل في صمت.. تغافلنا وترحل.. حتى دون أن تمنحنا حق تقبيل جبهتك.. أو تبادل النكت معك!؟

أيها العاشق المتيم بفنِّه.. نعرف أنك لا تحب التكنولوجيا.. وأنك لم تهتم يوما بنشر تغاريد على الفايسبوك.. بل لم تفتح حسابا خاصا بك.. وأنك.. ورغم شهرتك.. بقيت بدويا بسيطا كما كنت يوما..

ومع ذلك.. كان عليك أن تأخذ صورا.. كان عليك أن تدلي حاجبيك.. وتبكي وتلعن جحودنا.. على الأقل حتى نستأنس لمرضك.. ونتقبل رحيلك..

لماذا غافلتنا.. وطعنتنا في حبك!؟.. لماذا!؟.. لماذا!؟.. آه منك ومن عزة نفسك!.. آه من شموخك وكبريائك!.. آه من طعنتك التي أدمت قلوب رفاقك.. آه منك.. شموخك يا ابا بوجمعة.. يذلنا.. ويجعلنا نحس بالمهانة.. لماذا كنت قاسيا علينا.. ولم تمنحنا فرصة لنزغرد في عرسك!؟.. لماذا جعلتنا كالمشدوهين لا نصدق رحيلك!؟.. لماذا تمددت في محرابك.. وتركت خطواتنا تتعثر في طريقها إلى قبرك!؟.. أيها المهووس بنا.. كم يلزمنا من الوقت لنقنع أنفسنا بأنك.. بعد اليوم.. لن تشرب قهوتك معنا!؟.. وأنك لن تطل علينا في رمضان القادم لتؤنس فطورنا.. وتدغدغ سحورنا.. يا رفيقي!.. أنت الآن.. هناك.. ونحن.. الآن.. لسنا هنا.. نحن الآن معلقين بين الهناك والهنا.. لا نحن من أهل السماء.. ولا من أهل الأرض.. نحن كالأشباح.. لا نعرف حتى إن كنا حقا أحياء..

أتذكر يا رفيق الحلاج.. أتذكر "أيام العز"!؟.. حين مات الحارس الذي كنته.. مات وهو يحلم بتحقيق حلمه.. رغم بساطته.. أتذكره!؟.. ترى من مات حقا!؟.. أنت!؟.. أم هو!؟.... أم نحن!؟.. أنت الآن خالد ومخلد.. كل البسطاء الذين تحلقوا يوما حول الشاشة ليصاحبوك.. كلهم يبكونك الآن.. لا حديث يدفئ مضاجعهم.. إلا عنك.. أما نحن.. رفاق دربك وعشقك.. نحن لسنا أكثر من جاحدين.. نحاول أن نبتلع خيبتنا لفقدك.. ونعزي أنفسنا بغيابك!..

لماذا أخلفت موعدك معنا هذا المساء!؟.. كنا على موعد مع "الباب المسدود" لنعانقك.. لكنك تركتنا وحدنا.. وفتحت بابك الأزرق المشرع على الأفق الرحب.. وبقينا نحن حبيسي هذا العالم النتن.. هذا الفن الذي يقتات على عمر أبنائه..

بسطاوي.. أيها المسافر عند المنعرج الأخير.. لا نملك.. بعد كل خيباتنا إلا أن نلوح لك بمناديلنا الملونة.. ونتمتم بتراتيل الوداع.. فوداعا يا من ترك الغصة.. في القلب وفي العين.. وداعا.. وعزاؤنا أنك تركت خلفك.. بعضا منك.. هاشم وأسامة.. الشوبي وخيي.. واكين وبنعيسى... والكثير الكثير الكثير.. من أصدقائك.. ورفاقك.. والحالمين بسيرتك..

وداعا صديقي.. وتأكد وأنت تستعيد ذكرياتك.. تأكد أننا نحبك.. ولا نملك لفراقك.. ولقسوتك علينا.. إلا أن نحبك..

وداعا بسطاوي.. ولا تنس أن ترقد بسلام.. وتدخن سيجارتك في العلياء.. وتحكي نكتتك الأخيرة.. وتبلغ السلام لكل الذين سبقوك.. فلسنا ندري من سيصدمنا غدا.. ويتركنا عند المنعرج.. ويلحقك..

فوداعا.. وداعا.. يا ابا بوجمعة.. فدواير الزمان فعلت فعلتها هذه المرة.. وطعنتنا في القلب.. قبل أن تطعنك.