ياسين فنان صديق فنان، صنع لنفسه سمعة جد طيبة عبر أفلامه الروائية القصيرة ومنجزاته التلفزية العديدة المتعددة، آخرها مسلسل "زينة" الذي حقق به شهرة وطنية كبيرة. شهرة كان الكل يراهن عليها لتتحول إلى منجز سينمائي من خلال الفيلم الذي اشتغل عليه مؤخرا تحت عنوان "كاريان بوليوود" باعتباره المولود الروائي الطويل الأول .. لكن وللأسف تهب الرياح بما لا تشتهيه السفن، فيلم جاء مخيبا للآمال فنيا وتقنيا ورؤية مخيبة للواقع والحياة، حيث تاه تيه الأفلام الهندية التجارية البوليودية بقصة مفبركة حاولت التوسل بماض فني منقض وذكريات خالدة بدت في الفيلم مضببة وشخصيات آكلت بعضها البعض وتفننت في مسح أثار بعضها البعض..
لنبدأ من البداية، الفيلم، الذي يجمع بين الغناء والرقص، حاول من خلاله أن يقدم صورة لأحلام وآمال الشباب الذين يعيشون في أحياء هامشية؛ وذلك في قالب كوميدي ودرامي يتناول المشاكل الاجتماعية لفئة من السكان، من خلال شخصية شاب ينحدر من حيّ هامشيّ، وهو عاشق للرقص والغناء.. عشق اكتسبه من خلال السينما الهندية، وأساسا شريط " ديسكو دانسر" المنتج سنة 1980 للمخرج بابار سوبهاش. هذا الانتماء لم يمنعه من التعلق بفتاة تنتمي إلى فئة اجتماعية راقية. ولأنّ البطل/الشاب الذي يلعب دور "جيمي" كان والده عارضاً للأفلام في القاعات السينمائية، وكان حلمه أن يقدم فيلماً سينمائياً يصور من خلاله مشاكل الحي الهامشيّ الذي يسكنه مع استحضار التوابل الفيلمية الهندية، فإنه أقنع صديقه حمودة بأن يساعده في تحقيق الحلم ماديا وصديقته "منى"، التي تتقمص شخصيتها الممثلة المعروفة أمال الأطرش، في لعب البطولة إلى جانبه، وأن تقاسمه هذا الحلم. غير أنّ تصوير فيلمه السينمائي لن يكون بالأمر السهل أمام تناسل المشاكل ومضايقات رجال السلطة...
إذا كانت هذه هي القصة الأساسية، فالفيلم يقدم قصصاً أخرى كذلك، من أهمها قصة صديق الفتى "حمودة" الذي يتعارك على الدوام مع عون سلطة "كبور"، إلى أن نكتشف أن هذا العون ليس سوى والده، وأن حقد الابن عليه، يعود إلى إنجابه بطريقة غير شرعية، وتركه يترعرع في الشارع، إلى أن صار شخصاً منحرفاً.
الفيلم ورغم فكرة قصته المشجعة والذكية، فإن صياغته بدت جد مهلهلة على مستوى كتابة السيناريو، حيث غياب الإقناع والتناغم والمصداقية المتمثلة في إمكانية مطابقة ما يسرد من حكايات مع الواقع المغربي بكل ثقله وانفلاتاته المجتمعية القاهرة... أما الشخصيات فأكلت بعضها البعض، حيث توارى جيمي، أدى دوره الممثل المغربي الباكستاني نواز قريشي، للوراء فاسحا المجال لصديقه حمودة كي يستولي على كل المساحات ويصبح بطلا رغم أنف المخرج وكاتب السيناريو، ويجعل المشاهد مشدوها يحاول القبض على خيوط الحكي، لكن دون جدوى.. ورغم حرفية الممثلة آمال الأطرش ووقوفها بقوة في وجه إعصار عادل أبا تراب، فإن ذلك لم يجد نفعا، حيث بدا هذا الأخير ماسكا بخيوط اللعبة فارضا على المخرج وجهة نظره في الأداء.
صحيح أن المخرج تفوق في مشاهد متعددة بتقديمه لوحات جميلة فنيا وتقنيا، لكنها لم تكن كافية لتسند السرد وتحوله إلى فاعل حقيقي لا فقط ذريعة واهية لحكي ما لا يحكى وجرنا في غياهب اللامعنى.
بيت القصيد، أو النية الصادقة في الشريط، كانت تتمثل في خلق الفرجة من خلال الغناء والرقص والمفارقات الدرامية واستلهام خلفية فيلم هندي ناجح تجاريا بالمغرب سنوات الثمانينات من القرن الماضي، إلا أنها جاءت جد قاصرة وسقطت في مقارنات بدائية بين حب ونجومية الممثل شاكرابورتي الذي أفل نجمه سنوات الثمانينات والممثل شاه روخان المهيمن حاليا على استوديوهات بوليود وفضاءاتها التي تغري ملايين العشاق عبر العالم، مما جعل المشاهد المتتبع لتاريخ السينما الهندية يتساءل: هل كان هناك بحث واستقصاء من لدن كاتب السيناريو قبل أن يقرر أن تخط يداه أخطاء قاتلة ويسلمها لمخرج لم يدرك خطورة الموقف.. خطورة ممكن أن تدمر سمعة مخرج راهن عليه كل عشاق السينما بالمغرب في مد نسغ جديد لعروق الإبداع الفيلمي المغربي.
خلاصة القول، هل يجوز لي القول مع الصحافي الصديق جمال الخنوسي أن "ياسين فنان قام بما يسميه اليابانيون "هاراكيري"؟ أي فتح بطنه بسيفه الحاد للانتحار بشجاعة رغبة منه في التكفير عن ذنوبه.. ذنوب نتمنى أن يكفر عنها في فيلم آخر يسعدنا ويسعد عشاق السينما عبر العالم، خاصة وأنه مخرج موهوب، وفي جعبته الكثير من النبال التي نتمنى أن يخرجها مستقبلا لإصابة الهدف المرجو من كل سينمائي يحب فنه ووطنه ويحترم قبل ذلك جمهوره..