Thursday 4 September 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: نحو ثقافة مهنية تعيد للمدرسة المغربية مكانتها

بنسعيد الركيبي: نحو ثقافة مهنية تعيد للمدرسة المغربية مكانتها بنسعيد الركيبي
يعرف الحقل التربوي المغربي في السنوات الأخيرة موجة من الأسئلة العميقة حول مستقبل التعليم، ومآلات الإصلاحات المتكررة التي لم تحقق بعد أهدافها الاستراتيجية. وفي صلب هذا الجدل يبرز خطاب يدعو إلى القطع مع المنطق التقليدي في تدبير المنظومة، والانتقال نحو ما يمكن تسميته بـ"الثقافة المهنية الجديدة"، التي تجعل من الكفاءة والمسؤولية والمحاسبة ركائز مركزية لأي تحول ممكن في قطاع التعليم. ذلك أن الحديث عن مستقبل المنظومة التعليمية ببلادنا، لن يستقيم دون مساءلة البنية الثقافية والتنظيمية التي تؤطر الممارسة التربوية داخل المدرسة المغربية. فليست الإشكالات محصورة في المناهج أو الموارد، بقدر ما ترتبط بمنظومة قيم وممارسات سائدة، جعلت من بعض الفاعلين التربويين ينظرون إلى الوظيفة التعليمية كامتياز اجتماعي أكثر من كونها رسالة حضارية ومجتمعية. ومن هنا، تكتسي الدعوة إلى ترسيخ ثقافة مهنية جديدة أهمية بالغة، باعتبارها مدخلا أساسيا لإصلاح حقيقي ومستدام.

وتقوم على ثلاث دعائم متكاملة: الانضباط الأخلاقي والمهني، وتحمل المسؤولية التربوية، والتركيز على النتائج والمردودية. وهي مرتكزات لا يمكن أن تحقق إلا في ظل نظام حوكمة واضح، يربط الحق بالواجب، ويخضع الممارسة التربوية للمحاسبة والتقييم، بدل تركها رهينة منطق الإفلات من المسؤولية أو التبرير المتكرر للفشل وتفادي الصدام مع المنظمات النقابية.

إن استمرار ما يسميه البعض بـ"المنطق الإداري الريعي"، حيث تتحول الإجراءات إلى معوقات، والمحاسبة إلى تضييع للحقوق، يعمق من أزمة الثقة داخل المدرسة، ويكرس ثقافة النفور من الخدمة العمومية لدى الجيل الجديد من الفاعلين. لذلك، فإن أي إصلاح لا يقطع مع هذا المنطق، يظل مجرد تكرار لإخفاقات الماضي.

ومن هذا المنظور، فإن إصلاح المنظومة التربوية لا يجب أن يختزل في تغيير البرامج أو تطوير البنيات التحتية، بل يجب أن ينطلق من تحرير الفعل التربوي من منطق الريع الإداري، وبنائه على أسس الكفاءة والاستحقاق. وهو ما يقتضي مراجعة شاملة لأنماط التوظيف والتكوين والترقي، وربطها بمؤشرات دقيقة للأداء المهني والنجاعة التربوية.

فالرهان على قطاع التعليم هو رهان على مستقبل الأمة برمتها، باعتباره قطاعا حيويا ينتج الرأسمال البشري المؤهل، ويرسخ القيم ، وينشر ثقافة المواطنة. ولا يمكن لهذا الرهان أن يتحقق إلا إذا أدرك الفاعلون التربويون بكون الانتماء إلى وظيفة التعليم هو اختيار أخلاقي ومسؤولية مجتمعية، وليس مجرد مسلك وظيفي مؤقت أو مصدر امتيازات. وأن بناء مدرسة جديدة قائمة على الجودة والعدالة والإنصاف، يمر حتما عبر ترسيخ ثقافة مهنية تزاوج بين الحقوق والواجبات. وتنتصر لقيم الكفاءة والمساءلة، وتعيد للتعليم مكانته كرافعة استراتيجية في مسار التنمية.