يعد ملف الصحراء من أقدم الملفات التي عمرت طويلا في أروقة الأمم المتحدة حتى راوح قاب قوسين أو أدنى من نصف قرن، ظل خلالها مغربنا ملكا وشعبا متشبثا بقضيته ومسلحا بعدالتها، ولا حرج أن نغوص شيئا ما في حيثيات الأحداث.
فالفكر الانفصالي كان دخيلا على مكونات الصحراء بكل قبائلها دون استثناء، فبعد أن عجزت إسبانيا في بداية سبعينيات القرن الماضي عن إنشاء إقليم تابع لسلطة مدريد بصحرائنا، شرعت في الاصطياد في الماء العكر بتحريك نواياها السيئة ودسائسها المقيتة، فنظمت إحصاء سنة 1959 لإحصاء ساكنة الصحراء، غير أن هذا الإحصاء لم تقدم عليه إلا بعد تنفيذ عمليتها العسكرية المشؤومة التي أطلقت عليها اسم "لاكوفْيون" بمؤازرة القوات الفرنسية من الجزائر، علما أن هذه التسمية تعني في العربية "المكنسة"، بحيث أجبر آلاف السكان على مغادرة المنطقة المتنازع عليها، مما عجل بإنقاص عدد القاطنين بالصحراء موضوع النزاع. وهذا ما تم استغلاله من بعد في مسلسل التسوية حيث أصبح التسجيل في لوائح هذا الإحصاء من أحد معايير تحديد الهوية الخمس التي نص عليها اجتماع هولستن.
ولمناقشة موضوع طلب الانفصال في قانونيته، فنحن نعلم أنه بعد الحرب العالمية الثانية نشبت حرب بطعم البرودة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، وخلالها ظهر "قانون الأقليات" الذي يمنح الحق في الحكم الذاتي لتعداد سكاني تجمعه مجموعة من الأواصر كاللغة والدين والثقافة والهوية يعيش فوق رقعة جغرافية. ويعتبر الحكم الذاتي نظاما سياسيا جديدا للحكم، ويعد واحدا من المخارج الثلاثة لقانون حقوق الأقليات. وإذا عدنا لحالة ملف الصحراء المغربية، فإن الشرط الأساسي في تطبيق هذا القانون هو الالتفاف حول القيادة والمبدأ الانفصالي. إلا أن سكان الصحراء لا تمثلهم أقلية أرادت فرض الأمر الواقع "الانفصال"، وبهذا يستحيل تطبيق هذا القانون لأنه كما أردفت سابقا إن جميع قبائل الصحراء كانت ولا تزال وستبقى رافضة لفكرة الانفصال، إلا فئة قليلة غرر بها.
وبفضل الملكين الحسن الثاني طيب الله ثراه والملك محمد السادس وسياساتهما وتبصرهما في سلك سياسة ضبط النفس والصبر اللامتناهي، أصبحنا نجني ثمار هذه السياسة خصوصا مع شهر دجنبر من هذه السنة والذي يعتبر نقطة انعطاف مفصلي في مصير هذا الملف. ومن هذا المنبر أشكر جميع الدول التي اعترفت بمغربية صحرائنا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبر اعترافها بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للجزائر، علما بأن اعترافها كان بمثابة الضوء الأخضر لجميع الدول التي أصبحت تحدو حذو أمريكا، وهي التي كانت بالأمس تخشى من العقوبات التي تفرضها أمريكا عادة. ومن حينها بدأت الاعترافات بمغربية الصحراء تتواتر حتى راح عدد الدول التي فتحت قنصلياتها بكبريات حواضر الصحراء يفوق الثلاثين دولة بكل من العيون والداخلة.
وإبان احتفال الشعب المغربي بعيد العرش في الذكرى الخامسة والعشرين، جاء اعتراف الجمهورية الفرنسية بمغربية الصحراء ليربك هذا الحدث الجارة الشرقية التي اعتبرته خيانة لها. وفي هذه السنة انضاف اعتراف المملكة المتحدة بجدارة وواقعية مقترح الحكم الذاتي كمبادرة تقدم بها المغرب منذ 2007، وكذلك البرتغال التي غادرت المنطقة الرمادية وأضحت واضحة في موقفها.
إلا أنه ومع كل هذه الانتصارات لا يجب أن تنسحب علينا الدسائس التي تحاك بين الفينة والأخرى ضد ملف قضيتنا الأم. ولعل هذه السنة التي تصادف نهاية العقد الخامس لهذا الملف المفتعل، لعلها تكون بداية خير وانفراج نهائي لهذا الملف الذي أصبح يؤرق ويحرج المنتظم الدولي الذي يحلم بالسلام.