Wednesday 3 September 2025
سياسة

محمد حفيظ: بنكيران كَذَّاب بالتكرار وسبق الإصرار

محمد حفيظ: بنكيران كَذَّاب بالتكرار وسبق الإصرار محمد حفيظ وفي الإطار عبد الإله بنكيران
يكابد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب البيجيدي، للعودة إلى الساحة السياسية، يأي شكل من الأشكال. ولذلك يلجأ إلى جميع الأساليب، بما فيها تلك التي تزيد في تمييع المشهد السياسي بالمغرب وفي إفساده. وعلى رأس تلك الأساليب الكذب. فهو لا يتورع عن إنتاج الكذب الذي يصبح أكثر خطورة حين يمارس في المجال السياسي، لأنه يؤدي إلى أكبر خطر يهدد الحياة السياسية، وهو التضليل السياسي.
في ما يلي، تنشر "أنفاس بريس" ردا للأستاذ محمد حفيظ على بنكيران يعود تاريخه إلى أكثر من عقد (3 شتنبر 2013)، ليذكرنا اليوم بأن الكذب في خطاب بنكيران ليس استثناء ولا زلة لسان، بل هو سلوكه السياسي الذي اعتاد على نهجه من أجل التضليل وتزييف الحقائق، حتى أصبح بنكيران زعيم الكذب السياسي:
 
أشرت، في ما نشرته أول أمس الاثنين ( 1 شتنبر 2025)، لتوضيح لماذا قلت "عبد الإله بن كيران كَذَّاب"، إلى أنه سبق لي، قبل 12 سنة، أن رَدَدْتُ على تصريح سابق صدر عنه، وكان وقتها رئيسا للحكومة وأمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، أطلق فيه كلاما غير صحيح ومخالفا للحقيقة.
ونشرتُ ردي حينها على صفحتي على الفيسبوك، في مثل هذا اليوم (3 شتنبر) من سنة 2013، وفي يومية "أخبار اليوم المغربية" التي كانت نشرت التقرير الذي تضمن كلام بن كيران الكاذب. وكان عنوان ردي: "إلى السيد عبد الإله بنكيران: كن شاهدا أمينا لا شاهدا "مُزَوِّراً".
اليوم، يذكرني الفيسبوك مشكورا بهذا الرد. ولأن المناسبة شرط، ولأنني أحلت على هذا الرد، فإنني أعيد نشره اليوم، ليتأكد أن بن كيران كَذَّابٌ بالتكرار وسبق الإصرار.
إلى السيد عبد الإله بنكيران:
كن شاهدا أمينا لا شاهدا "مُزَوِّراً"
جاء في تقرير نشرته يومية "أخبار اليوم المغربية"، بتاريخ الثلاثاء 27 غشت 2013 (العدد 1150، ص 3) كلام منسوب إلى السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، خلال كلمة له ألقاها في نشاط خاص بشبيبة حزبه، بالدار البيضاء يوم الأحد 25 غشت 2013.
وفي ما يلي الفقرة التي ورد فيها الكلام المنسوب إلى بنكيران:
(أما عن انتخابات 1997 فقد قال بنكيران إن حزبه غطى 145 مقعدا من أصل 333 المعروضة للتنافس خلالها، "وساعتها الدكتور الخطيب سأله الأمريكيون فقال لهم NO ONE (ولا واحد)، والحمد لله انتزعنا تسعة مقاعد واعترف شخصان آخران أنهما أخذا مقعدين من مقاعدنا، وكان العدد في الحقيقة أكثر من ذلك، وكان صدى تلك المقاعد التسعة في الإعلام الوطني والدولي أكثر من أحزاب حصلت على ثلاثين مقعدا، لأن الناس ينظرون إلى النوعية والفكر والسلوك أكثر من الأرقام").
كلام بنكيران، كما نقله صحافي "أخبار اليوم"، هو الذي يوجد بين المزدوجتين "...". وما يهمني فيه بالضبط هو عبارة (واعترف شخصان آخران أنهما أخذا مقعدين من مقاعدنا). والداعي إلى اهتمامي هو أنني أحد "الشخصين" المتحدث عنهما. وأما الشخص الآخر فقد قضى نحبه وتوفاه الله إليه، وهو الراحل محمد أديب.
إن ما جاء على لسان بنكيران، كما نقله صحافي "أخبار اليوم"، غير دقيق، بل غير صحيح، لأن ما سيتركه في ذهن المتلقي (أقصد المستمعين ممن كان يخطب فيهم بنكيران وكذا قراء كلامه في الصحف) سيكون مجانبا للحقيقة، بل متجنيا عليها. إن كلام بنكيران يفيد، على وجه الإطلاق، بأن "الشخصين" المعنيين قد "أخذا" المقعدين المسلوبين من حزبه؛ أي أنهما معا، وعلى وجه الإطلاق دائما، قبلا بالتزوير لفائدتهما.
سأتحدث، هنا، عن شخصي المتواضع. أما الراحل محمد أديب، فأدعو الله له بالرحمة والمغفرة.
الكلمتان/ الفعلان اللتان استعملهما بنكيران في كلامه المشار إليه ("اعْتَرَفَ" و"أَخَذَ") لا تعبران عن الحقيقة كما هي. فالفعل "اعترف" لا يستقيم والسياق الذي كان يتحدث فيه بنكيران. موضوع الحديث كان هو تزوير انتخابات 1997 الذي استهدف حزبه وسحب منه مقاعد برلمانية. وسياق الكلام يفيد بأن من يقوم بالفعل "اعترف" هو "المذنب" الذي اقترف "الجرم". ويتبين هذا المعنى الذي يسعى بنكيران إلى بثه في من يستمعون إليه بإكمال العبارة بالفعل الآخر "أخذ" (... أخذا مقعدين من مقاعدنا). فهذان الشخصان، بحسب منطوق كلام بنكيران، (اعترفا بالجريمة التي ارتكباها ضدنا، وهي أخذ مقعدين من مقاعدنا)!! ولم يأت بنكيران البتة على ذكر الجهة التي زورت الانتخابات ضدهم، مثلما اعتادت على تزويرها ضد غيرهم. وهي الجهة التي يجب أن تكون معنية بـ"الاعتراف" بالجريمة التي ظلت ترتكبها ضد الديمقراطية وضد الإرادة الشعبية قبل أن ترتكبها ضد حزب من الأحزاب أو مرشح من المرشحين.
الأمر يا بنكيران لا يتعلق لا بـ"اعترف" ولا بـ"أخذ"، الكلمتين المضللتين في خطابك. إنه يتعلق برفض التزوير؛ يتعلق بموقف أعلنتُه وأعملتُه؛ أي مارستُه على أرض الواقع إلى النهاية. لقد رفضتُ أن أكون برلمانيا مزورا، واعتبرتُ نفسي غير معني بالنتيجة التي أعلنَتْها السلطات لفائدتي، ونفذتُ هذا الموقف عمليا، فلا "أخذتُ مقعدا"، ولا دخلتُ برلمانا، ولا حملتُ صفة برلماني، رغم كل أشكال الإلحاح لسنوات تلت تاريخ الانتخابات، ولا قبلتُ الاستفادة مما يستتبع هذه الصفة من "منافع" و"مكاسب" مادية وغير مادية، أنت أدرى بها، لأنك حصلتها وكسبتها وتنفعت بها، منذ دخلتَ البرلمان خلال نفس الولاية التشريعية، إثر انتخابات جزئية انتهت نتيجتها لفائدتك، وهي الانتخابات التي جرى تنظيمها عقب إلغاء نتائج إحدى دوائر سلا، بينما ظلت وضعية الدائرة التي رفضتُ نتيجتها معلقة لسنوات!!
لقد ظل المقعد البرلماني الذي رفضتُ أن "أملأه" شاغرا أكثر من نصف الولاية التشريعية. ظل الوضع على حاله خلال ما تبقى من عمر الملك الحسن الثاني (من 14 نونبر 1997 إلى 23 يوليوز 1999)، واستمر زمنا آخر بعد مجيء الملك محمد السادس.
طيلة ثلاث سنوات، ظلت تصلني دعوات، بصفتي "نائبا برلمانيا"، لحضور افتتاح البرلمان أو جلساته أو لحضور الاجتماعات المحلية أو الإقليمية أو الجهوية أو لحضور بعض المناسبات الوطنية أو الدينية وغيرها... هل تعرفون لماذا استمر هذا "الإلحاح"؟ لأن هناك من كان يعول على مرور الوقت لتغيير الموقف و"أَخْذِ المقعد" (بتعبير بنكيران). وهناك تفاصيل كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
إن الأخطر في ما صدر عن بنكيران هو أنه كان يتحدث إلى الشباب وأمامهم، وهو يعلم أن كثيرين منهم لم يعيشوا هذا الحدث الذي وقع قبل 16 سنة، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ووزير داخليته الراحل إدريس البصري، الذي كان يوصف حينها بالرجل القوي، والذي لا شك أن بنكيران كان على علم ببعض من قوته وسطوته آنذاك.
قد يكون التعبير خان بنكيران. أتمنى ذلك. لكن، رغم ذلك، لا عذر له في ما أتى. فحين يكون شخص على رأس قيادة حزبية ويتحمل مسؤولية سياسية جسيمة على رأس الحزب والحكومة، فإن عليه يحذر "خيانة التعبير"، وأن يتسم بأقصى درجات الدقة والتدقيق.
أقف عند هذا الحد، وأقول لبنكيران: إنك كنت بصدد تقديم شهادة من التاريخ وللتاريخ. وحين تتضمن هذه الشهادة كلاما غير صحيح، فإنها لا يمكن إلا أن تندرج ضمن "الشهادة الزور". ولا أظنك لا تقدر مخاطر شهادة الزور على الأفراد والمجتمع، مثلما لا أظنك تجهل الحكم الشرعي والقانوني، فضلا عن الأخلاقي، في الشاهد الزور.
حين تريد أن تتحدث في التاريخ، عليك أن تحرص على التقيد بالدقة المطلوبة، وألا تطلق الكلام على عواهنه، كما تفعل في سجالاتك السياسية مع خصومك، سواء الظاهرين منهم أو الغابرين الذين تنعتهم بـ"التماسيح والعفاريت". عليك ألا تعتدي على التاريخ، فلن يرحمك التاريخ غدا. واحذر في نقل الوقائع والأحداث، وكن شاهدا أمينا، لا شاهدا "مُزَوِّرا".
أما أنا، فقد قلت كلمتي في حينه وانتهى الأمر: رفضتُ التزوير لفائدتي، وكشفتُه أمام الرأي العام، وفضحتُ المُزَوِّرين.