Wednesday 3 September 2025
كتاب الرأي

مصطفى عنترة: نزاع الصحراء بين سراب الاستفتاء وأفق الحكم الذاتي

مصطفى عنترة: نزاع الصحراء بين سراب الاستفتاء وأفق الحكم الذاتي مصطفى عنترة
تسير التحولات الدولية المتسارعة في اتجاه تكريس مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد لتسوية نزاع الصحراء المغربية، بما يقطع مع خيار الاستفتاء الذي ما زالت الجزائر تتشبث به وتتبناه جبهة البوليساريو منذ عقود. فبعد ما يقارب نصف قرن على اندلاع هذا النزاع، يقترب الملف من منعطف جديد قد يطوي صفحة المراوحة ويفتح أفقا مختلفا، تكون فيه الشرعية الدولية أقرب إلى المقترح المغربي.

المعادلة اليوم واضحة: المغرب مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، في مواجهة جبهة البوليساريو المسنودة من الجزائر وجنوب إفريقيا.

ما يميز المرحلة الحالية هو التقارب الأمريكي–الفرنسي في قراءة الحل. فإذا كانت واشنطن تميل إلى براغماتية مباشرة، تجلت خصوصا في اعتراف إدارة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء، فإن باريس تسعى إلى ترجمة هذا التوجه ضمن مقاربة تفاوضية أكثر مرونة، عبر الدفع نحو تعديل جوهري في ولاية الأمم المتحدة.
 
في هذا السياق، تحاول فرنسا لعب دور محوري في هندسة حل سياسي للقضية، وهو ما عبر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في أكثر من مناسبة.
 
وفي المقابل، شهد المشهد الفرنسي تحولا لافتا بعد مراجعة حزب فرنسا الأبية (LFI) بقيادة جون لوك ميلانشون لموقفه التقليدي الداعم للجزائر والبوليساريو، متجها نحو خطاب أكثر براغماتية، مشيدا بإنجازات المغرب. خطوة عكست إدراكا متزايدا داخل النخب الأوروبية لواقعية الطرح المغربي. أما ردود الفعل الجزائرية الغاضبة على هذا التحول، فهي تعكس قلقا متناميا من فقدان ورقة ضغط طالما استثمرت داخل أوروبا.
 
على المستوى الأممي، يلوح في الأفق تحول تاريخي، كما أوردت جريدة "لوفيغارو" الفرنسية، إذ تسعى القوى الكبرى إلى استبدال بعثة "المينورسو"، التي فشلت منذ 1991 في تنظيم الاستفتاء، ببعثة جديدة تحت مسمى "المنساسو". مهمة هذه الأخيرة لن تكون الإشراف على عملية استفتائية مستحيلة، بل مواكبة مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
 
وبالنسبة للرباط، فإن هذا التحول لا يمثل مجرد تعديل تقني، بل يعد انتصاراً دبلوماسياً كبيراً، لأنه سيعني الاعتراف لأول مرة بالحكم الذاتي كأفق سياسي وحيد، مع احتمال شطب الصحراء من قائمة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
 
في المقابل، تواصل الجزائر والبوليساريو التشبث بخيار الاستفتاء باعتباره الحل "الشرعي الوحيد"، وتطالبان بتوسيع صلاحيات البعثة الأممية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. غير أن هذا الموقف يبدو في عزلة متزايدة، خاصة مع تراجع بعض الأصوات الأوروبية عن دعم الجزائر بشكل مطلق.
 
إن موعد أكتوبر المقبل في مجلس الأمن سيكون محطة مفصلية. فإذا تم الاكتفاء بتمديد ولاية 'المينورسو"، سيستمر الجمود ويتواصل النزاع في حالة انسداد. أما إذا تم اعتماد "المنساسو"، فسيكون ذلك بمثابة لحظة تاريخية، حيث سيتحول الحكم الذاتي من مجرد مقترح مغربي إلى الحل الدولي الوحيد المعترف به. عندها سيتخلى المجتمع الدولي لأول مرة عن لغة الاستفتاء لصالح الاعتراف بالحكم الذاتي كحل وحيد، في تحول جذري يعيد تعريف الشرعية الأممية، وينقل النزاع من منطق "تصفية الاستعمار" إلى منطق "التسوية السياسية الواقعية".
 
إن المغرب يقف اليوم على أعتاب لحظة حاسمة. نجاحه في معركة أكتوبر سيكرس سيادته على الصحراء في المحافل الدولية، ويعزز موقعه كفاعل إقليمي مؤثر، ويفتح أفقا جديدا لتسوية سياسية طال انتظارها. وهنا تتجلى قيمة الدبلوماسية الهادئة والبعيدة المدى التي انتهجها جلالة الملك محمد السادس، إذ أثبتت أن الصبر الاستراتيجي والواقعية السياسية كفيلان بتحويل التحديات إلى انتصارات تاريخية.
 
ولننتظر محطة أكتوبر الحاسمة، كما أشارت إلى ذلك جريدة "لوفيغارو"، لترجمة هذا التحول التاريخي وطي صفحة سراب الاستفتاء في أفق الحكم الذاتي كخيار وحيد، واقعي، مقبول ومدعوم من قبل المجتمع الدولي.
 
 
د. مصطفى عنترة، كاتب صحفي