Monday 1 September 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: "طلع تاكل الكرموس.. اهبط شكون قالها ليك"!!

 
محمد عزيز الوكيلي: "طلع تاكل الكرموس.. اهبط شكون قالها ليك"!! محمد عزيز الوكيلي
هذا المثل المغربي الدارج يسري على سلوكات تخطت الأشخاص، بمختلف مشاربهم ومجالات نشاطهم، لتستقر عند الدول والأنظمة والحُكّام، وبصورة أشد خصوصية، عند الأجهزة المخابراتية لدى الدول العظمى وبعض توابعها، والتي استأثرت بصلاحيات صناعة الجماعات التحررية تارةً، الثورية تارةً أخرى، والإرهابية المتطرفة بالقول الصريح طوراً آخر!!
بيد أن الذي يشكل قاسماً مشترَكاً بين هذه الحالات الثلاث، هو عدم توقُّع صاحب الصنعة لما ستؤول إليه صنعتُه عندما يُكتب لها الانتصار، ويُكتَبُ لها بالتالي أن تحقق أهدافه، عفواً أهدافها... أو عندما تصابُ بفيروس الرتابة والملل لأنها لم تحقق شيئا غير وُجودها فحسب، والذي يصبح مع مرور الزمن وجوداً ثقيلاً ذا كلفة ثقيلة هي الأخرى، على كاهل الصانع والمحتضن في آن واحد... أو أيضاً، عندما يُكتَبُ لها الفشل والخسران والهزيمة، فتصبح آلة تخريب ذاتي تضرب في نفسها وفي حاضِنِها ثم في صانِعِها، متحوّلةً بذلك إلى معضلة يصعب، حتى لا أقول يستحيل فكُّ عُقَدِها بلا مخاطر، وبلا رهانات غير محسوبة العواقب!!
لقد انطبقت هذه الحالات الثلاث على أحداث ووقائع عاشها التاريخ الحديث، ليس فيما بعد الحربين فحسب، بل أيضا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ومعه جدار برلين!!
 هكذا، تعرّفنا من خلال تلك الوقائع والأحداث على جماعات مثل القاعدة التي أنشئت فيما بين 1988 و1989، من القرن الماضي، لتحارب آخر فلول الاتحاد السوفياتي في أعالي أفغانستان قبل سقوطه حوالي سنة 1993 ليس على يد البيت الأبيض الأمريكي تحديداً وحصرياً، بل على يد الرئيس السوفياتي الأخير "مخاييل سيرغيفيتش غورباتشوف" الذي أعلن عمّا سُمّي في عهده بالبرسترويكا  بمعنى "إعادة البناء"، واستمر نشاط القاعدة حتى بعد تربع روسيا الجديدة على عرش السوفيات الخَرِب!!
 وتعرّفنا على داعش، التي أنشأتها مخابرات دول غربية مختلفة، متحالفةً في ذلك، فدعمتها بالمال والعتاد دولة أو بالأحرى دول عربية لا داعي لذكر اسمها!! 
ثم تعرّفنا على "بوكو حرام" وحماس، والقسام، والنصرة، وحزب الله... ليبقى القاسم بين هذه جميعها أنها، بعد أن استنفدت أغراضَها وأسباب وعلل وجودها، تحوّلت إلى معاول هدم ودمار وخراب، في الذات وفي الغير، دونما أدنى خيوطٍ ناظمةٍ يمكن أن يتعرف الباحث والدارس من خلالها على أي مبرر واقعي ومفهوم ثم مقبول لبقائها في ساحات الفعل، ليس السياسي، ولا حتى العسكري التحرري، الذي تأسست من أجل العمل به، بل في ساحة أعمال تخريبية وتدميرية لا يمكن تفسيرها طبقاً لأي قاعدة تحليلية، بما في ذلك، القاعدة التي نشأت بناءً عليها، وقامت على ضوئها فكرة التأسيس منذ بداياتها الأولى!!
ومِن باب التشابه القائم بين هذه الكيانات، الطفيلية، أنها انقلبت في نهاية المطاف على صانعيها، دون أدنى استثناء، ليصبح هذا السلوك الانقلابي سِمةَ كل الجماعات سالفة الإشارة، لأنها لا تقبل أن يُعاد النظر في وجودها بعد أن نمت، وتقوّت شوكتُها، واشتد عودُها، وصار لها وزن واعتبار في الساحتَيْن المحلية والعالمية... وبالتالي فقد أجمعت كلها، دون تنسيق، ولا حتى اتصال فيما بينها، على رفض تعرّضها للحلّ، ولنزع السلاح والتفكيك... والبقية يعرفها الخاص والعام!!
مناسبة الخوض في هذه الظاهرة شبه المُعَمّمة على كل الجماعات ذات النشأة المتشابهة، ما نشهده الآن من صراع داخلي بين النظام الجزائري وشرذمة البوليساريو، التي صنعها ذلك النظام في عهد رئيسه ومنظِّره الحقيقي بو خروبة، وعهد المقبور الثاني معمر القذافي، ومن خلفهما معا نظام فرانكو، الذي هزمته المسيرة المغربية الخضراء شر هزيمة، وهو طريح فراش الموت، ونظام الدولة الفرنسية العميقة، في عهد "فاليري جيسكار ديستان"، الذي قضى فترة رئاسته منشغلا فحسب، بخوفه من تحركات غريمه "فرانسوا ميتران"، فلم ينتبه إلى أن نظامه كان يكيد للمغرب، الذي كان جيستان ذاتُه يعتبره صديقاً حميماً، بخلاف الاشتراكي ميتران!!
 المهم، أن النظام الجزائري لم يعرف وهو يؤسس تلك الجماعة الانفصالية "متعددة الجنسيات"، ضد الوحدة الترابية المغربية، المشروعة تاريخاً وقانوناً، أنه صنع قنبلة تلتصق بجِلده وتوشك أن تنفجر بين يديه في أي لحظة!!
 ها هو نظام الموراديا، الآن، يعيش التجربة الفاشلة ذاتَها، ولذلك سمعناه من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وحتى "التواصل اللااجتماعي"، يعقد اجتماعات أمنية وعسكرية ومخابراتية ماراطونية، رفيعة المستوى كما يُقال، للبحث في أسلم السبل إلى التخلص من صنيعته التاريخية البوليساريو لكن، بعد أن نمّاها وربّاها وسلّحها وموّلها وموّنها طيلة نصف قرن من الزمان، وبعد أن حوّلها طواعيةً إلى دولة داخل الدولة، وهذا خطأ فادح لم ترتكبه أي دولة أخرى من الدول المنشئة للجماعات التحررية والإرهابية سالفة الإشارة، فجعل لها دولةً على المقاس داخل دائرته الترابية "مجازاً" لأنها تشمل ترابا مغربيا مسروقاً محتلاً،  وأغدق من خزينته العامة على بعض الانظمة الإفريقية الكارتونية من أجل أن يجعل لها مكاناً داخل الاتحاد الإفريقي، وجهز لها جيشاً خاصاً بها، بكامل تجهيزاته وأسلحته ومعدّاته، وفتح لها سفارات لدى البلدان المستقبِلة لرشاويه الحاتمية، بل جنّد لها كلَّ سفاراته وقنصلياته في الخارج لتخدمها خدمة العبيد للأسياد!..
 وها هو اليوم، ذلك النظام الكسيح، الذي يصارع بالكاد من أجل بقائه، يَكِدُّ ويَشقَى من أجل إيجاد مخرج من ورطته، حتى بدانا نسمع لأول مرة عن أمكانية "نزع سلاح" تلك الشرذمة، على درب "تفكيكها وتشتيت شملها^، والإسراع في ذلك ضد عقارب الساعة قبل ان يتم تصنيفها، أمريكياً ثم دولياً، في "خانة الجماعات الإرهابية"، مخافة أن يؤدي ذلك إلى تصنيف النظام الجزائري بقدّه وقديده في خانة الأنظمة المارقة، مع ما يمكن أن يتبع ذلك من إجراءات عقابية لن يتحملها، ذلك البلد الجار العدواني، بأي شكل من الأشكال!!
الظاهر في هذه الساعة، أن الأحداث تتجه راهناً صوب هذه النهايات المريرة بكل تأكيد... ولن يجد نظام الجزائر، وهو يعيش عُزْلتَه الشاملةَ، مَن يسنده أو يدفع عنه ذلك المآل الرهيب، والمرعب بكل المعايير!!
قد يقول قائل إن هذا قد يكون شبيهاً بما حدث من التهميش والتقزيم للجماعات التي سبق ذكرها أعلاه، ولكن الأمر ليس على نفس النحو لأننا هنا، فعلاً، وكما سبقت الإشارة، بإزاء "دولة داخل الدولة"..  ففُكَّها الآن يا مَن عَمِلْتَ على صنعها وعَقْدِ شِباكِها وتَعقيدِها... لأن الذي "أطلعتَه أنتَ ذات يومٍ فوق الشجرة ليكأل كرموسها" لن يرضى النزول ثانيةً بعد أن ذاق حلاوةَ الكرموس واستلذّ الإثخانَ فيه!!
إنك أنتَ، يا نظام العجزة الأغبياء، أنتَ الذي منحتَ لميليشيا البوليساريو شهادة الميلاد بعد أن أخرجتَها مِن رَحِمِك أنتَ بالذات، وصنعتَ لها المجد الكاذب الذي عاشت عليه أكثر من خمسين سنة، أيْ أكثر من جيلين اثنين... فلْتعمَلِ الآن على منحها شهادة الوفاة إنِ استطعتَ إلى ذلك سبيلاً... والأيام بيننا!!!


محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد.