Thursday 28 August 2025
كتاب الرأي

أحمد نورالدين: حراك الماء بفكيك والحلّ المطلوب

 
 
أحمد نورالدين: حراك الماء بفكيك والحلّ المطلوب أحمد نورالدين

تعيش مدينة فكيك منذ 22 شهراً على وقع الاحتجاجات التي ترفض تفويت توزيع الماء لفائدة "شركة الشرق للتوزيع"، وتطالب بإبقائه خدمة عمومية كما كان عليه الحال منذ استقلال المغرب. وفي ظلّ عدم الاستجابة لمطالب المواطنين، اضطرّ نصف أعضاء المجلس الجماعي لتقديم استقالتهم بشكل جماعي للمرة الثالثة على التوالي خلال أقل من سنتين، بمعدل استقالة كل ستة شهور تقريباً.

 

وقد تمكن المرشحون المعارضون لتفويت تدبير الماء في الاستحقاقين الماضيين من الفوز بنسية 100% من المقاعد المُتبارى حولها في الانتخابات الجزئية، وحصلوا على الأغلبية الساحقة للأصوات إلى درجة حصول المنافسين في بعض الحالات على صوتين فقط في الدائرة الانتخابية كلها. وهي أرقام تعبر عن نفسها وتؤكد إجماع الساكنة على الحفاظ على مكتسباتها التاريخية في ظل احترام القانون. فالمُشرّع كما هو معلوم أعطى لممثليها حق الاختيار بين الانضمام إلى مجموعة الجماعات من عدمه، وقد مارسوا حقهم القانوني وصوتوا بالإجماع يوم 26 أكتوبر 2023 على مقرر يقضي برفض الانضمام إلى مجموعة الجماعات وما يترتب عنه من تفويت الماء لشركة مساهمة للتوزيع.

 

ومنذ الخامس من يونيو 2025 اضطر نصف أعضاء المجلس للمرة الثالثة إلى تقديم استقالتهم الجماعية عن طريق المفوض القضائي بعد أن رفض باشا المدينة استلامها، وبعد أن رفض مكتب الضبط بمقر عمالة الإقليم استلامها أيضاً. علماً أنّ تقديم الاستقالة تصرف قانوني مشروع نصّص عليه القانون التنظيمي 113.14 وأفرد له عدّة مواد، وحدّد ما يترتب عنه من إجراءات قانونية مثل إحداث لجنة خاصة لتصريف الأعمال خلال أجل لا يتعدى 15 يوماً، وتنظيم الانتخابات الجزئية في غضون 3 أشهر. لذلك يبقى السؤال المطروح ما هو السند القانوني لرفض تصرف قانوني؟

 

لقد امتدت تداعيات الأزمة لتؤثر بشكل سلبي على التنمية بالمدينة خاصة بعد منع أرباب الشاحنات من استعمال المقالع التاريخية لفكيك، وما ترتب عنه من توقف لأوراش البناء والتي تشكل أهم نشاط اقتصادي في المدينة بعد زراعة النخيل. ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر خاصة بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش والذي دعا إلى مقاربة جديدة للتنمية المجالية ترتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، ورفض أن تسير التنمية في المغرب بسرعتين، فما بالك بأن تتوقف عجلة التنمية نهائيا في منطقة حدودية حسّاسة تعاني كلّ أنواع الهشاشة، وصدرت بحقها توصيات من هيئة الإنصاف والمصالحة، لردّ الاعتبار وبثّ الروح في الاقتصاد، وإعادة الأمل لساكنة جريحةٍ، تتناقص سنة بعد أخرى بفعل الهجرة وانسداد الآفاق.

 

ومساهمة في إيجاد حلّ للأزمة التي طال أمدها، وبالنظر إلى كلّ العوامل السالفة، يبدو أنّ تنظيم انتخابات شاملة في كل الدوائر الثلاثة عشر بهذه المدينة هو أقرب حلّ ممكن للخروج من عنق الزجاجة. وهو مخرج ديمقراطي يسمح به القانون عندما يستقيل نصف أعضاء مجلس الجماعة الترابية. وغنيّ عن البيان أنّ الاقتصار على الانتخابات الجزئية لن يحلّ المشكل بقدر ما سيعيد إنتاج نفس وضعية "البلوكاج"، وهو أمر ليس في صالح المواطنين والمواطنات، ولا في صالح التنمية بهذه المدينة المنكوبة.

 

ولا يمكن للسلطات المركزية أن تسمح بتعطيل التنمية وتعطيل مصالح المواطنين لسنتين أخريين هما كلّ ما تبقى من عمر المجلس الذي عصفت به الرياح ويكاد أن يخرج صفر اليدين من أي إنجاز خلال هذه المدة الانتدابية. ويزداد الوضع إلحاحاً على تنظيم انتخابات شاملة حين نعلم أن المستشارين الذين قدموا استقالتهم من المجلس الجماعي بفكيك هم تسعة أعضاء من أصل 18 عضواً يشكلون هذا المجلس، أي 50% من أعضائه، ولكنهم يمثلون 7 دوائر انتخابية من أصل 13 دائرة في المدينة، أي حوالي 67% من الساكنة.

 

إنّ الاستجابة لمطلب بسيط وغير مكلف يتمثل في إعادة انتخاب كل أعضاء المجلس الثمانية عشر، ستشكل مبادرة محمودة من طرف السلطات المركزية والإقليمية تبرهن من خلالها على تجاوبها وإنصاتها لصوت المواطنين والمواطنات الذين لم تتوقف مسيراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية، وكل أشكالهم النضالية المشروعة الأخرى منذ فاتح نونبر 2023.

 

كما أنّ الاستجابة لهذا المطلب الجوهري والعقلاني ستفتح الباب لإزالة الاحتقان وتمكين المواطنين من استئناف حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والجماعية بشكل طبيعي يحترم إرادة الناخبين ويكرس دولة الحق والقانون. فالانتخابات الشاملة ستفرز بشكل واضح إرادة المواطنين الحقيقية، وهو ما سيعيد للمجلس الانسجام الضروري بين أعضائه لأداء مهامه التمثيلية والتنموية بعد الشلل الذي أصابه.

 

ولا يخفى أن هذه الخطوة تعتبر مخرجاً ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع للأزمة التي طال أمدها، وهو حلّ يحفظ ماء وجه الجميع من سلطات إقليمية ومحلية، وأعضاء المجلس الجماعي الحالي، ومواطنين خرجوا قرابة السنتين للتعبير عن رفضهم للانقلاب على مقررات ممثليهم، وعن دفاعهم عن دولة القانون وعن مبدأ الفصل بين السلط الذي هو روح وجوهر الديمقراطية. كما عبروا عن دفاعهم عن دستور المملكة الذي أقرّ في فصله 136 مبدأ التدبير الحرّ، وذلك قصد تعزيز صلاحيات المجالس المنتخبة في تسيير شؤون الجماعات بما يتماشى مع مفهوم الديمقراطية المحلية ويحقق التنمية المجالية المنشودة.