طبقا للمادة الثانية من مشروع القانون 59.24 تراعي السياسات العمومية في قطاع التعليم العالي مجموعة من التوجهات العامة منها ما يتعلق بالملائمة المستمرة للنموذج البيداغوجي قصد تنمية القدرات الشخصية للطالب وتمكينه من اكتساب المهارات العلمية والمعرفية والسلوكية اللازمة.
لمقاربة موضوع النموذج البيداغوجي، يمكن طرح مجموعة من الأسئلة ذات الصلة بدلالاته ومرجعياته وحمولته المعرفية والعلمية والعملية من جهة ، ومن جهة أخرى بسياقات الحديث عنه وأهميته ورهاناته والفاعلين المسؤولين عن هذا النموذج(من حيث البناء والملائمة والتنزيل والتتبع والتقييم) وطريقة بناءه في سياق منظومة هشة ومعقدة ولكن أيضا بالنتائج المتوخاة من اعتماده.
لا مراء في كون الحديث عن النموذج البيداغوجي وإدراجه ضمن التوجهات العامة للسياسات العمومية في قطاع التعليم العالي ليس بالأمر الهين و لا يستقيم دون استحضار نظريات التعلم كما تناولها المفكرون والباحثون ورواد مجموعة من المدارس (السلوكية والبنائية والسوسيو بنائية وفي إطار علم النفس المعرفي....).
دون نية الخوض في عمق هذه النظريات وسياقات ظهورها وأثرها على عمليات التعليم والتعلم في المدرسة الغربية، تكفي الإشارة في هذا المقام إلى كون النموذج البيداغوجي( النماذج البيداغوجية بصيغة الجمع) كما جاء في مشاريع الإصلاحات المتوالية لمنظومة التعليم العالي أو ما قبل الجامعي ليس وصفة جاهزة قابلة للتنزيل دون رصد حقيقي وموضوعي ومحايد للمنظومة في شموليتها و للسياقات التي ستتم فيه عملية التنزيل والتقييم.
في هذا الإطار، ومن خلال قراءة سريعة للفقرة السابقة من مشروع القانون الجديد رقم 59.24، التي تحدثت عن النموذج البيداغوجي، يمكن التأكيد على أهمية استحضار سبعة عناصر ومؤشرات أساسية:
1.النموذج البيداغوجي(والهندسة البيداغوجية) ليس صورة نمطية ووصفة جاهزة تفرض من أعلى وقابلة للتنزيل في كل بيئة وسياق وحسب الرغبات والميولات والقناعات.
2.النموذج البيداغوجي بناء نظري قائم على مجموعة من التصورات التي تؤطر العلاقة بين الفاعلين الأساسيين والمباشرين في العملية التربوية ووظائفهم(الأستاذ والطالب).
3.النموذج البيداغوجي : هو مجموعة من التصورات النسقية التي تشمل عناصر مترابطة ومتداخلة مرتبطة بالبرامج والمناهج والوضعيات التعليمية والممارسات التربوية والمقاربات والقناعات والقيم والسلوكات.
4.النموذج البيداغوجي قابل للإغناء والتطور والتجدد والملائمة والاجتهاد المستمر من قبل الفاعلين المباشرين في العملية التربوية والتعلمية. (الأستاذ والطالب)
5.مسؤولية بناء النموذج البيداغوجي المتجدد والمتطور والملائم: تتحملها الجامعة في إطار تفعيل استقلالها البيداغوجي ومن خلال الهياكل الممثلة للهيئة البيداغوجية(الشعب والمسالك وبنيات البحث ومجالس المؤسسات ومجالس الجامعات) واستحضارا لمضمون مشروع القانون 59.24 الذي نص على"تعزيز وضمان استقلالية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى في إطار تعاقدي مع الدولة....".
6.عملية بناء وملائمة وتطوير النموذج البيداغوجي لا يمكن أن تتم إلا باعتماد المقاربة التشاركية القائمة على الحوار والتواصل والانفتاح والعمل المتواصل والمستمر في إطار موائد مستديرة وندوات وأيام دراسية تشكل مناسبة لتنظيم أوراش بيداغوجية تعرض خلالها التجارب والممارسات الفضلى.(بعيدا عن شبكات للرؤسات والعمداء التي استحدثت خارج السياق للبث في أمور تشكل جوهر مهنة ومسؤولية الأستاذ الممارس).
7.تعثر بناء النموذج البيداغوجي الملائم(موضوع حلقة مقبلة) لا يمكن فصله عن ضعف استقلال الجامعة في شموليتها وعن ضعف، وبل وإضعاف وتهميش مشاركة الأساتذة في بناء الهندسة البيداغوجية الجديدة(بعض الأمثلة):
1.فرض الهندسة البيداغوجية الجديدة والقديمة: وحدات الجذع المشترك(السنة الأولى والثانية من الإجازة) محددة من قبل الوزارة الوصية ولا يحق تعديلها على مستوى هياكل المؤسسة والجامعة. كما أن مقترحات الهياكل الممثلة للاساتذة(المقيدة بجدول زمني ضيق محدد من قبل الوزارة الوصية) فيما يخص وحدات التكوين في السداسي الخامس والسادس(السنة الثالثة من الإجازة) مشروطة بقبول القطاع الوصي بعد عرضها على الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي ذات الوظيفة الاستشارية.
2.فرض إدراج بعض الوحدات الأفقية في البرنامج التكويني بسلك الإجازة والماستر.
3.فرض اعتماد الانتقاء لولوج سلك الماستر دون الإشارة لآلية المباراة كإحدى الآليات الضامنة لتقييم موضوعي للقدرات المعرفية والعلمية للطالب المترشح مع التدقيق في المقاربات الممكنة لضمان الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص.
4.حذف بحوث نهاية الدراسة بسلك الإجازة والماستر والاكتفاء بالتداريب دون دراسة النتائج التي قد تترتب عن القرار من حيث غياب مصلحة التداريب( ذات القدرة والإمكانات) في المؤسسات الجامعية ومن حيث مستقبل جودة البحث العلمي والأبحاث بسلك الدكتوراة ومن حيث عدم قدرة النسيج الاقتصادي والاجتماعي على استيعاب الطلبة المتدربين.....)
