منذ نشأتها، ارتبطت التربية الشعبية في المغرب، كما في تجارب التنوير التقدمي في العالم، بمبدأ التطوع الواعي، كاختيار قيمي ونضالي من أجل التغيير. لم يكن التطوع ترفاً، بل موقفاً أخلاقياً وسياسياً لبناء فضاءات بديلة للتنشئة خارج منطق السوق والدولة
لكن اليوم، ومع تصاعد النزعة النيوليبرالية، وهيمنة ثقافة التعاقد الهش كـ"أوراش" مثلا، أصبح من المشروع أن نتساءل:ل
هل ما زال من المقبول أن نُكلّف الآلاف من الشابات والشباب بمهام معقدة في المخيمات التربوية دون حماية قانونية أو تعويض عادل ومنصف؟
أولا : التربية الشعبية جذور نضالية وقدرة على مقاومة الزمن النيوليبرالي
لقد لعبت المنظمات التربوية التاريخية دورًا حاسمًا في بناء الوعي الجماعي بقضية الطفولة والشباب، وفي طبع قيم التطوع والنضال داخل بنية المجتمع. لم تكن هذه المنظمات مجرد جمعيات ترفيهية، بل مختبرات حية لبناء المواطن، حاملة لرسالة تربوية، تنويرية، وتحررية، سعت إلى رفع مستوى الشعب، وفتح أبواب الانخراط في الشأن العام من بوابة الطفولة وفي طليعتهم حركة الطفولة الشعبية التي تأسست في 5 يناير 1956
مارست هذه الحركات التربوية دورها بروح استقلالية عن الدولة وعن السوق، فكانت جسراً بين التربية والسياسة، بين التكوين الفردي والنضال الجماعي، وبين خدمة الطفل وبناء المجتمع.
وبالانفتاح على المدارس والنظريات التربوية والنفسية الكبرى (فرييري، مونتيسوري، روسو، بياجي، فيغوتسكي...)، نجحت هذه التنظيمات في تجاوز الفهم الأداتي للتطوع، لتجعله التزاماً فكريًا وعمليًا نحو الآخر
غير أن هذه الروح التربوية النضالية، تجد نفسها اليوم محاصرة داخل منظومة نيوليبرالية تنزع نحو تقنين العمل المدني عبر مقاربات محاسباتية ومشاريع ممأسسة على منطق الإنجاز السريع والتقييم الرقمي. حيث يُعاد تعريف الفعل الجمعوي لا باعتباره حركة شعبية مستقلة، بل كـ"مقاولة اجتماعية" خاضعة للمنافسة والتمويل المشروط، مما يؤدي إلى تآكل البعد القيمي والنضالي للجمعيات، ويحوّل رسالتها التربوية إلى منتوج قابل للتسويق والاستهلاك
في ظل هذا الوضع، تصبح التربية الشعبية ليست فقط تاريخًا يجب الافتخار به، بل أيضًا أداة مقاومة معاصرة، قادرة على تقديم أجوبة جديدة داخل مجتمع يُعلي من شأن الفردانية، ويُقزم العمل الجماعي، ويُفقر السياسات العمومية الموجهة للطفل
إن التحدي اليوم ليس في استرجاع الماضي، بل في تملك الحاضر، من خلال الدفاع عن الكرامة المهنية للمنشطين التربويين، وتجديد معنى التطوع، وإعادة الاعتبار للمخيم التربوي كفضاء لبناء الوعي والانتماء، لا كخدمة موسمية بلا أفق
ثانيا : التطوع كرافعة للتحرر لا كذريعة للاستغلال
كان التطوع دائمًا في السياق التقدمي فعلاً تحررياً، لا ذريعة للتهرب من الواجبات القانونية.
لكن اليوم، نشهد مفارقة صارخة: في مخيمات الأعمال الاجتماعية والقطاع الخاص، يحصل المنشطون التربويون على تعويضات مالية، وتُوفر لهم ظروف إقامة وتنقل وتغطية تأمينية، بينما في مخيمات وزارة الشباب التي تستقبل آلاف الأطفال واليافعين سنويًا، يُطلب من المنشطين التربويين أن يتحملوا مسؤوليات كبرى دون أي تعويض مادي أو حماية قانونية، تحت شعار "التطوع المطلق"، وفي بعض الأحيان هناك من ينفقون من جيوبهم من أجل إنجاح مهمتهم مع الأطفال
هذا الواقع أفرغ مفهوم التطوع من مضمونه النضالي، وحوّله إلى وسيلة لتكريس الهشاشة والاستغلال
ثالثا: جسامة المهام التربوية: حين يصبح التنشيط مهنة مؤجلة.
المنشط التربوي في المخيم لا يقتصر دوره على ترديد الأناشيد أو يرافق الأطفال نفسيًا وجسديًا .
بل يتدخل في الأزمات.. يضع البرامج ويساهم في أجرأتها في الميدان يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية . يشتغل في ظروف شاقة وتحت ضغط كبير ورغم كل ذلك، لا يحصل على أي اعتراف مهني أو تعويض مادي أو تغطية صحية.
لكن اليوم، ومع تصاعد النزعة النيوليبرالية، وهيمنة ثقافة التعاقد الهش كـ"أوراش" مثلا، أصبح من المشروع أن نتساءل:ل
هل ما زال من المقبول أن نُكلّف الآلاف من الشابات والشباب بمهام معقدة في المخيمات التربوية دون حماية قانونية أو تعويض عادل ومنصف؟
أولا : التربية الشعبية جذور نضالية وقدرة على مقاومة الزمن النيوليبرالي
لقد لعبت المنظمات التربوية التاريخية دورًا حاسمًا في بناء الوعي الجماعي بقضية الطفولة والشباب، وفي طبع قيم التطوع والنضال داخل بنية المجتمع. لم تكن هذه المنظمات مجرد جمعيات ترفيهية، بل مختبرات حية لبناء المواطن، حاملة لرسالة تربوية، تنويرية، وتحررية، سعت إلى رفع مستوى الشعب، وفتح أبواب الانخراط في الشأن العام من بوابة الطفولة وفي طليعتهم حركة الطفولة الشعبية التي تأسست في 5 يناير 1956
مارست هذه الحركات التربوية دورها بروح استقلالية عن الدولة وعن السوق، فكانت جسراً بين التربية والسياسة، بين التكوين الفردي والنضال الجماعي، وبين خدمة الطفل وبناء المجتمع.
وبالانفتاح على المدارس والنظريات التربوية والنفسية الكبرى (فرييري، مونتيسوري، روسو، بياجي، فيغوتسكي...)، نجحت هذه التنظيمات في تجاوز الفهم الأداتي للتطوع، لتجعله التزاماً فكريًا وعمليًا نحو الآخر
غير أن هذه الروح التربوية النضالية، تجد نفسها اليوم محاصرة داخل منظومة نيوليبرالية تنزع نحو تقنين العمل المدني عبر مقاربات محاسباتية ومشاريع ممأسسة على منطق الإنجاز السريع والتقييم الرقمي. حيث يُعاد تعريف الفعل الجمعوي لا باعتباره حركة شعبية مستقلة، بل كـ"مقاولة اجتماعية" خاضعة للمنافسة والتمويل المشروط، مما يؤدي إلى تآكل البعد القيمي والنضالي للجمعيات، ويحوّل رسالتها التربوية إلى منتوج قابل للتسويق والاستهلاك
في ظل هذا الوضع، تصبح التربية الشعبية ليست فقط تاريخًا يجب الافتخار به، بل أيضًا أداة مقاومة معاصرة، قادرة على تقديم أجوبة جديدة داخل مجتمع يُعلي من شأن الفردانية، ويُقزم العمل الجماعي، ويُفقر السياسات العمومية الموجهة للطفل
إن التحدي اليوم ليس في استرجاع الماضي، بل في تملك الحاضر، من خلال الدفاع عن الكرامة المهنية للمنشطين التربويين، وتجديد معنى التطوع، وإعادة الاعتبار للمخيم التربوي كفضاء لبناء الوعي والانتماء، لا كخدمة موسمية بلا أفق
ثانيا : التطوع كرافعة للتحرر لا كذريعة للاستغلال
كان التطوع دائمًا في السياق التقدمي فعلاً تحررياً، لا ذريعة للتهرب من الواجبات القانونية.
لكن اليوم، نشهد مفارقة صارخة: في مخيمات الأعمال الاجتماعية والقطاع الخاص، يحصل المنشطون التربويون على تعويضات مالية، وتُوفر لهم ظروف إقامة وتنقل وتغطية تأمينية، بينما في مخيمات وزارة الشباب التي تستقبل آلاف الأطفال واليافعين سنويًا، يُطلب من المنشطين التربويين أن يتحملوا مسؤوليات كبرى دون أي تعويض مادي أو حماية قانونية، تحت شعار "التطوع المطلق"، وفي بعض الأحيان هناك من ينفقون من جيوبهم من أجل إنجاح مهمتهم مع الأطفال
هذا الواقع أفرغ مفهوم التطوع من مضمونه النضالي، وحوّله إلى وسيلة لتكريس الهشاشة والاستغلال
ثالثا: جسامة المهام التربوية: حين يصبح التنشيط مهنة مؤجلة.
المنشط التربوي في المخيم لا يقتصر دوره على ترديد الأناشيد أو يرافق الأطفال نفسيًا وجسديًا .
بل يتدخل في الأزمات.. يضع البرامج ويساهم في أجرأتها في الميدان يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية . يشتغل في ظروف شاقة وتحت ضغط كبير ورغم كل ذلك، لا يحصل على أي اعتراف مهني أو تعويض مادي أو تغطية صحية.
فهل هذا معقول في مغرب 2025
إنه لمن المفارقات الصادمة، أن يُطلب من هذا المنشط التربوي أن يشرف على أطفال أباؤهم يضعون تحت تصرفه مبالغ تبدأ من 50 درهمًا وقد تصل إلى 1500 درهم أو أكثر للطفل الواحد، بينما هو لا يملك ثمن فنجان قهوة
أي عبء نفسي وتربوي هذا؟ وأي عدالة اجتماعية تُبرر هذا التفاوت؟
رابعا : المخيمات الجديدة:
بين الريع الاجتماعي والمهننة الانتقائية رغم أن مخيمات الأعمال الاجتماعية ليست جديدة، فقد حافظت لسنوات على حد أدنى من التنظيم والتعويض، خصوصًا في قطاعات التعليم /البريد /الأبناك/ الفوسفاط …الخ
لكن ما تنامى بشكل كبير في السنوات الأخيرة هو "مخيمات القطاع الخاص" و"Summer Camps"، التي تُبنى على منطق تجاري واحترافي، وتُخصص فيها ميزانيات معتبرة للأطر ومواد التنشيط، وتربط المنشطين بعقود محددة الأجل في المقابل، ما زالت المخيمات التربوية العمومية التابعة لوزارة الشباب تعتمد على العمل المجاني، مما أدى إلى نزيف متواصل للكفاءات نحو القطاع الخاص وهشاشة في انتشارية التنظيم داخل المنظمات التربوية
تجربة تربوية بلا أفق مهني
استنزاف غير مباشر للتمويل العمومي، حيث تُكوّن الجمعيات الأطر، ثم يستفيد منهم السوق لاحقًا أو بمعنى آخر يقبل المنشط باستغلاله في بداية التداريب التكوينية والمبدانية ثم يبحث عن عقود مؤقتة بمخيمات القطاع الخاص
خامسا : من أسرة التعليم من الفاعلية في التأطير إلى التراجع والانسحابات
في زمن مضى، كان هذا المجال يعجّ برجال ونساء التعليم، الذين حملوا مشعل وهمّ التربية في القسم كما التنشيط في المخيم، وجعلوا من التخييم امتدادًا لرسالتهم التربوية.
لقد شكلوا العمود الفقري للتخييم التقدمي، حيث اجتمعت فيهم المعرفة والبيداغوجيا والالتزام، وكانوا ضمانة لجودة العمل التربوي.
أما اليوم، ومع التغيرات الاجتماعية، وغياب الاعتراف الرسمي بالمخيم كفضاء تربوي، وتدهور شروط العمل، وأزمة الديمقراطية الداخلية للمنظمات التربوية، أصبح حضورهم نادرًا
انسحب نساء ورجال التعليم تدريجياً من المشهد التخييمي، وتراجع معهم الحس النضالي/ التطوعي المبني على عمق الرسالة و الأثر التربوي، لتحل محله أحيانًا أنماط سطحية من التنشيط الترفيهي أو السقوط في انزلاقات
سادسا: مهمة الجمعيات التربوية التقدمية اليوم: من الصمت إلى الفعل
إذا كانت الجمعيات قد أسست التخييم ببعد تقدمي في المغرب، فإن واجبها اليوم هو أن:
*تُعيد تأطير فلسفة التطوع ليصبح تطوعًا نضاليًا لا استغلاليًا
*تطلق جبهة ترافعية وطنية من أجل تعويض الأطر ومهننة التأطير
*تربط التكوين التربوي بمسارات مهنية حقيقية في مجال الطفولة
سابعا :من التطوع إلى التصدير: هل هذا هو التخييم الذي نريده؟
من غير المقبول أن يتحول التخييم العمومي إلى مصنع مجاني للكفاءات يستفيد منه القطاع الخاص
ومن غير المقبول أيضا أن تتخلى الدولة عن تعويض الأطر، في حين تُغدق الأموال على مجالات أقل أثرًا في تربية الناشئة
آن الأوان لإعادة طرح السؤال السياسي
من يستفيد من التطوع المجاني؟ من يربح من غياب الاعتراف بالأطر؟ وأين موقع الجمعيات التربوية من هذا الصراع الطبقي الجديد؟
ثامنا : استغلال الشراكة مع الجمعيات
هل تُحوّل وزارة الشباب الأطر التربوية إلى قوة عمل مجانية؟
تُطرح تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقة بين وزارة الشباب والجمعيات التربوية، خصوصًا فيما يتعلق بجلب الأطر التربوية عبر الجمعيات انطلاقًا من منطق الشراكة.
فهل تُستخدم هذه الشراكة كوسيلة لاستقطاب أطر تقوم بخدمة
عمومية داخل مرافق عامة، تُموّل من ميزانية الدولة، دون تعويضات مناسبة؟
هذا الواقع يثير إشكالية استغلال القطاع العام للشباب منشطي السوسيو-تربوي، من خلال تحميلهم أعباء العمل داخل مشاريع تملك ميزانيات رسمية، دون اعتراف مهني أو حماية قانونية.
بذلك تتحول الشراكة من تعاون بناء إلى آلية لتوفير يد عاملة مجانية تخدم قطاعًا عموميًا، مما يزيد من هشاشة فعل الاطار التربوي ويضعف من إمكانية تطوير التكوين والتأطير داخل المشهد التخييمي بشكل محترف ومستدام.
لكن ما تنامى بشكل كبير في السنوات الأخيرة هو "مخيمات القطاع الخاص" و"Summer Camps"، التي تُبنى على منطق تجاري واحترافي، وتُخصص فيها ميزانيات معتبرة للأطر ومواد التنشيط، وتربط المنشطين بعقود محددة الأجل في المقابل، ما زالت المخيمات التربوية العمومية التابعة لوزارة الشباب تعتمد على العمل المجاني، مما أدى إلى نزيف متواصل للكفاءات نحو القطاع الخاص وهشاشة في انتشارية التنظيم داخل المنظمات التربوية
تجربة تربوية بلا أفق مهني
استنزاف غير مباشر للتمويل العمومي، حيث تُكوّن الجمعيات الأطر، ثم يستفيد منهم السوق لاحقًا أو بمعنى آخر يقبل المنشط باستغلاله في بداية التداريب التكوينية والمبدانية ثم يبحث عن عقود مؤقتة بمخيمات القطاع الخاص
خامسا : من أسرة التعليم من الفاعلية في التأطير إلى التراجع والانسحابات
في زمن مضى، كان هذا المجال يعجّ برجال ونساء التعليم، الذين حملوا مشعل وهمّ التربية في القسم كما التنشيط في المخيم، وجعلوا من التخييم امتدادًا لرسالتهم التربوية.
لقد شكلوا العمود الفقري للتخييم التقدمي، حيث اجتمعت فيهم المعرفة والبيداغوجيا والالتزام، وكانوا ضمانة لجودة العمل التربوي.
أما اليوم، ومع التغيرات الاجتماعية، وغياب الاعتراف الرسمي بالمخيم كفضاء تربوي، وتدهور شروط العمل، وأزمة الديمقراطية الداخلية للمنظمات التربوية، أصبح حضورهم نادرًا
انسحب نساء ورجال التعليم تدريجياً من المشهد التخييمي، وتراجع معهم الحس النضالي/ التطوعي المبني على عمق الرسالة و الأثر التربوي، لتحل محله أحيانًا أنماط سطحية من التنشيط الترفيهي أو السقوط في انزلاقات
سادسا: مهمة الجمعيات التربوية التقدمية اليوم: من الصمت إلى الفعل
إذا كانت الجمعيات قد أسست التخييم ببعد تقدمي في المغرب، فإن واجبها اليوم هو أن:
*تُعيد تأطير فلسفة التطوع ليصبح تطوعًا نضاليًا لا استغلاليًا
*تطلق جبهة ترافعية وطنية من أجل تعويض الأطر ومهننة التأطير
*تربط التكوين التربوي بمسارات مهنية حقيقية في مجال الطفولة
سابعا :من التطوع إلى التصدير: هل هذا هو التخييم الذي نريده؟
من غير المقبول أن يتحول التخييم العمومي إلى مصنع مجاني للكفاءات يستفيد منه القطاع الخاص
ومن غير المقبول أيضا أن تتخلى الدولة عن تعويض الأطر، في حين تُغدق الأموال على مجالات أقل أثرًا في تربية الناشئة
آن الأوان لإعادة طرح السؤال السياسي
من يستفيد من التطوع المجاني؟ من يربح من غياب الاعتراف بالأطر؟ وأين موقع الجمعيات التربوية من هذا الصراع الطبقي الجديد؟
ثامنا : استغلال الشراكة مع الجمعيات
هل تُحوّل وزارة الشباب الأطر التربوية إلى قوة عمل مجانية؟
تُطرح تساؤلات جدية حول طبيعة العلاقة بين وزارة الشباب والجمعيات التربوية، خصوصًا فيما يتعلق بجلب الأطر التربوية عبر الجمعيات انطلاقًا من منطق الشراكة.
فهل تُستخدم هذه الشراكة كوسيلة لاستقطاب أطر تقوم بخدمة
عمومية داخل مرافق عامة، تُموّل من ميزانية الدولة، دون تعويضات مناسبة؟
هذا الواقع يثير إشكالية استغلال القطاع العام للشباب منشطي السوسيو-تربوي، من خلال تحميلهم أعباء العمل داخل مشاريع تملك ميزانيات رسمية، دون اعتراف مهني أو حماية قانونية.
بذلك تتحول الشراكة من تعاون بناء إلى آلية لتوفير يد عاملة مجانية تخدم قطاعًا عموميًا، مما يزيد من هشاشة فعل الاطار التربوي ويضعف من إمكانية تطوير التكوين والتأطير داخل المشهد التخييمي بشكل محترف ومستدام.
تاسعاً: بدائل داخلية لتحفيز المنشط التربوي
إذا كان إصلاح المنظومة العامة للتخييم يحتاج وقتاً وترافعاً على المستوى الوطني، فإن الجمعيات التربوية نفسها قادرة، منذ الآن، على ابتكار حلول داخلية لتحفيز منشطيها، بما يحفظ كرامتهم ويقوي حافزهم النضالي، ومن ذلك:ك
إقرار نظام اعتراف معنوي منتظم عبر شواهد تقديرية ذات قيمة رمزية، ووسائط إعلامية للجمعية تُبرز إنجازات المنشطين وتعرّف بهم في المجتمع.
توفير دعم لوجيستي أساسي كالتكفل بوسائل النقل، وجزء من التغذية، وتوفير أدوات التنشيط من ميزانية الجمعية حتى لا يضطر المنشط للإنفاق من جيبه.
تنظيم صناديق دعم تضامنية داخلية يساهم فيها الأعضاء والمتعاطفون لمساعدة المنشطين في حالات الطوارئ أو لتغطية مصاريف المخيم.
إحداث برامج تحفيزية تكوينية تمنح للمنشطين فرص متابعة دورات تدريبية متقدمة أو المشاركة في ملتقيات وطنية ودولية، مما يعزز مسارهم الشخصي والمهني.
بناء شبكات شراكة مجتمعية مع مقاولات أو مؤسسات محلية لتقديم منح عينية (حقائب، ملابس، تجهيزات) موجهة خصيصاً لدعم الأطر التطوعية
تعزيز الديمقراطية الداخلية من خلال إشراك المنشطين في اتخاذ القرارات، خاصة تلك التي تخص برامج المخيم وشروط العمل، لضمان شعورهم بالانتماء والملكية المشتركة للمشروع التربوي
إن هذه الخطوات، وإن بدت بسيطة، قادرة على إعادة الروح للتطوع النضالي، وتحويله من عبء شخصي إلى تجربة جماعية محفزة، إلى أن يتحقق الاعتراف المهني والمؤسساتي الكامل
في الختام
نؤكد أنه لا بد أن نتجه نحو تطوع محترف، نحن لسنا ضد التطوع كقيمة وكرسالة نبيلة، بل نحن من أبنائه الأوفياء،لكننا اليوم ضد استعماله كغطاء للاستغلال.
ولذلك، فإن مستقبل التخييم لن يُبنى على النوستالجيا، بل على برنامج نضالي جديد، يجعل من التطوع اختيارًا واعيًا وممأسسا ومن التنشيط التربوي مجالًا للكرامة والمهنية ومن المخيم التربوي أفقًا حقيقيًا لبناء الإنسان المواطن.
