كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرتها الإخبارية الأخيرة حول وضعية سوق الشغل، بأن معدل البطالة تراجع إلى 12,8 في المائة خلال الفصل الثاني من سنة 2025.
في هذا السياق، حاورت "أنفاس بريس"، يوسف كراوي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، حول التحديات المطروحة امام المغرب في محاربة البطالة وتحويل النمو الاقتصادي الى فرص شغل.
وأي دور لخارطة التشغيل التي اعتمدتها الحكومة مع قرب نهاية ولايتها.
في هذا السياق، حاورت "أنفاس بريس"، يوسف كراوي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، حول التحديات المطروحة امام المغرب في محاربة البطالة وتحويل النمو الاقتصادي الى فرص شغل.
وأي دور لخارطة التشغيل التي اعتمدتها الحكومة مع قرب نهاية ولايتها.
ما تعليقك حول الأرقام الاخيرة للمندوبية السامية للتخطيط بخصوص تراجع معدل البطالة، هل تعكس هذه المعطيات تحولاً بنيوياً في سوق الشغل، أم أنها مجرد ارتدادات ظرفية مرتبطة بالظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية؟
رغم تسجيل انخفاض طفيف في معدل البطالة على المستوى الوطني، إذ انتقل من 13.1% إلى 12.8%، اي ناقص 0.8 %،إلا أن هذا التراجع لا يعكس تحسنًا حقيقيًا في الوضع الاقتصادي، خاصة في صفوف الشباب والنساء.
في فئة الشباب، ورغم انخفاض البطالة من 36% إلى 35.8%، فإن التراجع يظل هامشيًا. أما بالنسبة للنساء، فقد سُجّل ارتفاع في معدل البطالة من 19% إلى 20%، ما يعكس تفاقم الوضع بدل تحسنه.
وبالتالي، فإن هذا "التحسن الطفيف" لا يحمل في طياته أي إشارات قوية على انفراج اقتصادي حقيقي أو دينامية في سوق الشغل. إذ أن معظم مناصب الشغل المحدثة تفوق مناصب الشغل التي فقدناها بسبب مواسم الجفاف وتراجع المحصول الفلاحي.
عندما نبدأ بتحليل وضعية سوق الشغل، يتبين أن هناك تحسنًا طفيفًا في معدل البطالة على الصعيد الوطني. فقد تم خلق حوالي 132 ألف منصب شغل مؤدى عنه، في مقابل فقدان 126 ألف منصب شغل غير مؤدى عنه. هذا التوازن الهش يعكس تحسنًا محدودًا في المؤشرات.
وعند التعمق أكثر في التفاصيل، نلاحظ أن معدل البطالة في الوسط الحضري شهد تراجعًا طفيفًا، حيث انخفض من 16.7% إلى 16.4%. ورغم أن هذا التغيير يبدو محدودًا، إلا أنه يحمل دلالة على تحركات خفيفة في سوق الشغل.
لكن ما يجب التوقف عنده أيضًا، وما يغفل عنه، هو ما يُعرف بـ"الشغل الناقص". هذا المفهوم يشير إلى الأشخاص الذين يزاولون عملًا، سواء في الوسط الحضري أو القروي، لكن في ظروف غير مستقرة أو غير قارة، غالبًا من أجل تدبير وضعية اجتماعية صعبة. المقلق في هذا الصدد هو أن معدل الشغل الناقص عرف ارتفاعًا ملحوظًا، حيث انتقل من 9.6% إلى 10.6%، مما يسلط الضوء على هشاشة في فرص الشغل وندرة العمل القار.
فيما يتعلق بالعمل غير القار، في الوسط الحضري انتقلنا من 552 الف فرصة شغل الى 635 الف، وفي الوسط القروي من 490 ألف الى 512 ألف.
وفقًا لأحدث المعطيات، إذا أخذنا بعين الاعتبار المناصب الشغل الصافية المحدثة بين الفصل الثاني من سنة 2025 ونظيره من سنة 2024، نجد أن عدد مناصب الشغل التي تم إحداثها 5000 منصب شغل.
أما بخصوص حاملي الشهادات، فلا تزال وضعيتهم مقلقة، إذ لم يطرأ أي تغيير يُذكر على معدل البطالة في صفوفهم، حيث استقر عند 19.4%، وهي نسبة مرتفعة تدعو للانتباه.
كيف يمكن للاقتصاد المغربي تحويل معدل النمو إلى فرص شغل، إذ غالبا ما توصف بنيته بأنها غير مُوَلِّدة بما يكفي لمناصب العمل. كيف تفسر هذا الخلل؟ وما السبل الكفيلة بجعل النمو الاقتصادي أكثر شمولًا من حيث التشغيل أو خلق فرص الشغل؟
تحويل معدل النمو إلى فرص شغل رهان أساسي بالنسبة للمغرب، وتُعد من بين أبرز التحديات خلال العقود الثلاثة الأخيرة. أنجزت بلادنا استثمارات قوية في البنية التحتية، وهذا أمر مطلوب وضروري، لكن لا بد أن تُترجم هذه الاستثمارات إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن المغربي، قبل الوصول إلى أهداف رؤية 2030.
إلى جانب البنية التحتية التقليدية، كانت هناك استثمارات مهمة أيضًا في ما يُعرف بالبنية التحتية الصناعية، وهي نقطة لم تحظَ بالمتابعة الكافية من الرأي العام. فما معنى هذه البنية التحتية الصناعية؟ ببساطة، يتعلق الأمر بخلق مصانع، ومجمعات صناعية، والاستثمار في تجهيزها بالمعدات والآلات الحديثة. لكن في المقابل، لم يُواكب هذا الاستثمار استثمار كافٍ للعنصر البشري أو للإنتاجية، وهي عناصر أساسية لخلق فرص شغل حقيقية.
اليوم، ومع التحولات التي يشهدها العالم بفعل الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الجديدة (الصناعة 4.0)، لم تعد الآلات وحدها قادرة على تحقيق النمو المطلوب. الاعتماد كان كبيرًا على المعدات والتكنولوجيا، لكن دون الاهتمام الكافي بإعداد الكفاءات البشرية التي تتعامل مع هذه التحولات.
وعلى الرغم من ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية الصناعية، فإنها لم تُوظف بالشكل الكافي لتحقيق التنمية المنشودة، ولم تُنظَّم بما يضمن أقصى استفادة منها. لقد تم تكرار نفس النمط: استثمار ضخم في البنيات، دون رؤية موازية لتأهيل الموارد البشرية وضمان التشغيل، وهو ما يجعلنا اليوم أمام سؤال جوهري: كيف نحول كل هذا الزخم في الاستثمار إلى فرص شغل حقيقية ومستدامة؟
يجب تحقيق معدل نمو ب7٪ وخلق فرص الشغل في قطاعات انتاجية ذات قيمة مضافة عالية بعيدا عن القطاعات الكلاسيكية.
إلى جانب البنية التحتية التقليدية، كانت هناك استثمارات مهمة أيضًا في ما يُعرف بالبنية التحتية الصناعية، وهي نقطة لم تحظَ بالمتابعة الكافية من الرأي العام. فما معنى هذه البنية التحتية الصناعية؟ ببساطة، يتعلق الأمر بخلق مصانع، ومجمعات صناعية، والاستثمار في تجهيزها بالمعدات والآلات الحديثة. لكن في المقابل، لم يُواكب هذا الاستثمار استثمار كافٍ للعنصر البشري أو للإنتاجية، وهي عناصر أساسية لخلق فرص شغل حقيقية.
اليوم، ومع التحولات التي يشهدها العالم بفعل الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الجديدة (الصناعة 4.0)، لم تعد الآلات وحدها قادرة على تحقيق النمو المطلوب. الاعتماد كان كبيرًا على المعدات والتكنولوجيا، لكن دون الاهتمام الكافي بإعداد الكفاءات البشرية التي تتعامل مع هذه التحولات.
وعلى الرغم من ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية الصناعية، فإنها لم تُوظف بالشكل الكافي لتحقيق التنمية المنشودة، ولم تُنظَّم بما يضمن أقصى استفادة منها. لقد تم تكرار نفس النمط: استثمار ضخم في البنيات، دون رؤية موازية لتأهيل الموارد البشرية وضمان التشغيل، وهو ما يجعلنا اليوم أمام سؤال جوهري: كيف نحول كل هذا الزخم في الاستثمار إلى فرص شغل حقيقية ومستدامة؟
يجب تحقيق معدل نمو ب7٪ وخلق فرص الشغل في قطاعات انتاجية ذات قيمة مضافة عالية بعيدا عن القطاعات الكلاسيكية.
اعتمدت الحكومة خارطة طريق للتشغيل للفترة 2025-2027، مارأيك حول مضامينها؟ هل تعتقد أن هذه الخطة كفيلة بخلق دينامية اقتصادية جديدة تستوعب الطلب المتزايد على فرص الشغل ومحاربة البطالة؟
خطة التشغيل الحكومية ليست سوى آلية لتفعيل مضامين ميثاق الاستثمار الجديد، لا سيما في الشق المتعلق بتحفيز التشغيل. نحن الآن في المراحل الكبرى من تنزيل هذه الخطة، وقد تبقّى لنا أقل من سنة على نهاية الولاية الحكومية، حيث لم يتبقَّ سوى حوالي 10 أشهر. نحن بصدد توديع هذه المرحلة من خطة التشغيل، وهي مرحلة لم تتضمن أهدافاً دقيقة أو واضحة، وبالتالي لا يمكننا تحقيق عدد مناصب الشغل التي كنا نطمح إلى خلقها.
علينا أن نتذكر أن البرنامج الحكومي كان قد التزم بخلق مليون منصب شغل، غير أن عدداً كبيراً من تلك المناصب فقدناه بسبب ظروف الجفاف. من هنا تبدأ المرحلة الثانية، وهي استمرار تنزيل خطة التشغيل، والتي ستكون من مسؤولية الحكومة المقبلة، وهي حكومة سياسية يُنتظر منها أن تُفعّل ما ورد في برنامجها الحكومي.
في هذا السياق، لا ينبغي إعادة تصميم خطة التشغيل من جديد، بل يجب استكمال ما بدأ، خاصة وأن الغلاف المالي المخصص متوفر، وقد تم إدراجه في النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بميثاق الاستثمار الجديد. وبالتالي، فإن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تنزيل ما تبقى من مضامين هذه الخطة.
من الناحية التقنية، من الضروري أن نتابع أحد الجوانب المهمة جدًا، وهو توجيه الدعم في إطار ميثاق الاستثمار الجديد نحو المقاولات التي تخلق فرص الشغل. الحديث هنا لا يقتصر فقط على المقاولات بشكل عام، بل يخص النسيج المقاولاتي برمّته، وخاصة المقاولات الصغيرة والصغيرة جدًا، التي تشكل قوة إنتاجية حقيقية ويمكن أن تنمو وتخلق فرص عمل.
علينا أن نتذكر أن البرنامج الحكومي كان قد التزم بخلق مليون منصب شغل، غير أن عدداً كبيراً من تلك المناصب فقدناه بسبب ظروف الجفاف. من هنا تبدأ المرحلة الثانية، وهي استمرار تنزيل خطة التشغيل، والتي ستكون من مسؤولية الحكومة المقبلة، وهي حكومة سياسية يُنتظر منها أن تُفعّل ما ورد في برنامجها الحكومي.
في هذا السياق، لا ينبغي إعادة تصميم خطة التشغيل من جديد، بل يجب استكمال ما بدأ، خاصة وأن الغلاف المالي المخصص متوفر، وقد تم إدراجه في النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بميثاق الاستثمار الجديد. وبالتالي، فإن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تنزيل ما تبقى من مضامين هذه الخطة.
من الناحية التقنية، من الضروري أن نتابع أحد الجوانب المهمة جدًا، وهو توجيه الدعم في إطار ميثاق الاستثمار الجديد نحو المقاولات التي تخلق فرص الشغل. الحديث هنا لا يقتصر فقط على المقاولات بشكل عام، بل يخص النسيج المقاولاتي برمّته، وخاصة المقاولات الصغيرة والصغيرة جدًا، التي تشكل قوة إنتاجية حقيقية ويمكن أن تنمو وتخلق فرص عمل.
هذا لا يعني أننا نغفل المقاولات المتوسطة والكبيرة، فهي تمتلك بنية تحتية قوية وقد وصلت إلى مستوى معين من النمو، غير أنها ليست بنفس القدرة على خلق فرص الشغل بسرعة. فالدعم الموجه لها لا ينعكس دائمًا بإحداث مناصب عمل جديدة.
في المقابل، المقاولات الناشئة والصغيرة جدًا تملك إمكانيات كبيرة للنمو. فرغم محدودية مواردها البشرية، إلا أنها قابلة للتطور السريع ويمكن أن تحقق نموًا فعليًا في نشاطها.
لذلك، لا يكفي أن نعطي التعويضات بشكل عام، بل يجب أن تكون هذه التعويضات مشروطة بعقود واضحة تضمن أن المقاولة ستخلق فعليًا مناصب شغل، وليس فقط بناءً على توقعات. من الضروري أيضًا دراسة وضعية كل مقاولة على حدة، والنظر في القطاع الذي تنشط فيه، لأن هناك العديد من المعطيات التي يجب أخذها بعين الاعتبار لضمان فعالية هذا الدعم.
في المقابل، المقاولات الناشئة والصغيرة جدًا تملك إمكانيات كبيرة للنمو. فرغم محدودية مواردها البشرية، إلا أنها قابلة للتطور السريع ويمكن أن تحقق نموًا فعليًا في نشاطها.
لذلك، لا يكفي أن نعطي التعويضات بشكل عام، بل يجب أن تكون هذه التعويضات مشروطة بعقود واضحة تضمن أن المقاولة ستخلق فعليًا مناصب شغل، وليس فقط بناءً على توقعات. من الضروري أيضًا دراسة وضعية كل مقاولة على حدة، والنظر في القطاع الذي تنشط فيه، لأن هناك العديد من المعطيات التي يجب أخذها بعين الاعتبار لضمان فعالية هذا الدعم.
